"آمال" منير بن يكوس برواق "عائشة حداد"

نزهة على بساط التراث والطبيعة

نزهة على بساط التراث والطبيعة
الفنان منير بن يكوس
  • 153
مريم. ن مريم. ن

يعود الفنان منير بن يكوس مجدّدا لجمهوره حاملا معه جديد أعماله التي يحتضنها معرضه " آمال" المنظم إلى غاية 19 أكتوبر الجاري برواق "عائشة حداد" . حيث يقترح المزيد من الألوان والتشاكيل الموزّعة بين اللوحات، وقطع الديكور، مثمّنا فيها التراث والطبيعة. 

اختيار مقصود لألوان الحياة

ينثر المعرض البهجة والزهو بألوان الحياة البهية. حيث أكّد الفنان الذي استقبل "المساء" خلال افتتاحه المعرض، أنه لا يحب الألوان المنطفئة الباهتة؛ لأنّها تدعو للحزن والكآبة؛ لذلك يلتزم هو دوما، بهذه الطلّة التي تشبه نسائم الربيع بأنوارها وألوانها وزهورها التي تسبي النفوس، وتمسح عنها ثقل الأعباء. كما يختار الألوان المائية فقط في رسمه، ثم يغلّفها بعد أن تجف بالملمع، فيما قدّم في أحد أركان معرضه الذي تجاوزت لوحاته 30 لوحة، لشخوص باللون الأسود لها جمهورها أيضا. وهكذا يجد الزائر نفسه منساقا نحو اللوحات، يمعن فيها النظر وهو مسترخي البال والخاطر، متخليا عن كآبته وضغط يومياته، ومقتنعا بعد ذلك أنّ هناك ما يستحق الحياة والجمال على هذه الأرض الطيبة. 

سألته "المساء" عن جديده في هذا المعرض، فردّ مبتسما: "التفتُّ هذه المرة لصحرائنا الجزائرية الشاسعة، والتي لا تخلو بدورها من الجمال والسحر، فأنجزت العديد من المجسّمات الخاصة بالإبل، منها مجسّم كبير وضعته في مدخل الرواق". وعن هذا الاختيار أكّد أنّ الفن الذي يصوّر الصحراء أصبح مطلوبا جدّا من الجمهور؛ فمشاهد الكثبان والواحات والقوافل وغروب الشمس وسكينة الليل والمعالم وغيرها، تجذب الجميع. 

اعتماد كليّ على الخشب الأندونيسي

بالنسبة للمواد الخام التي يستعملها الفنان قال: " أستعمل الخشب الأندونيسي في كلّ أعمالي حتى في اللوحات. وهذه المادة أصبحت مفقودة في السوق الجزائري، علما أنّني أفضّلها على الخشب الصيني الذي لا يتحمّل الحرارة، وهو مقوّس، وأحيانا ينتفخ، وبالتالي فإنّ الخشب الأندونيسي أضمن لأرسم عليه وأنجز به مختلف القطع الفنية".

ودعا الفنان "المساء" مع غيرها من الزوّار، إلى تلمّس اللوحات؛ للتأكّد من أنّها من خشب، وكانت في منتهى الإتقان، ليبيّن أنّ الرسم على القماش أمر شائع ومباح عند جميع الرسامين، وأنّه سريع التلف، مشيرا أيضا إلى أنّ اختياره للخشب هو، أيضا، من أجل التميز. وأضاف أنّ كل ما يرسمه لا يتلف، ويستطيع الواحد من هؤلاء أن يمسح القطعة أو اللوحة بالماء أو حتى يغسلها ولا يصيبها أيّ تلف. وعن كيفية استعمال الخشب أوضح الفنان أنّه يطلي الخشب بعدّة طبقات من الجبس، وفي كلّ مرة يسويه ليصبح أملس. ثم يقوم بالكشط بالورق الزجاجي ليرسم عليه فيما بعد. وهذه العملية، حسبه، تتطلب الجهد، والوقت.

محطّة للتراث والطبيعة

يحتفظ الفنان بأنامله الساحرة كلّما تعلّق الأمر بالتراث الجزائري، لتبدو أعماله كتحف تاريخية لا تقدَّر بثمن، ناهيك عن التزامه ككلّ مرة، برسم القصبة. وفي ذلك قال: "أعشق التراث، وبالتالي يستهويني رسم القصبة في أجمل حلّتها. فأنا أراها كما كانت في عزّ أيامها بكلّ ما فيها من عمران، وتقاليد، وحياة الناس. ورغم أنّ الكثيرين رسموا القصبة لكنّني أحرص على إعطائها لمسة من إبداعي في كلّ مرة أرسمها. ولا أكرّر أعمالي أو أعمال غيري. وهذا ما يجعل الإقبال أكثر على لوحاتي" . 

ومما رسم لوحة ضخمة؛ 180سم على 120سم، تبدو كالجدارية أو صورة فوتوغرافية مكبّرة على شاشة عرض من فرط إتقانها. وهي تعكس أحد دروب القصبة. تنزل سيدة من خلال السلالم، فيما يظهر هناك بعيدا رجال بالزيّ التقليدي، إضافة إلى دكاكين وغيرها. لوحة أخرى من الحجم الكبير، يظهر فيها درب مؤد إلى البحر الذي يتراءى بكامل زرقته وهدوئه. وفي الجوانب البيوت الجميلة المطلية بلون التراب، والمكسوة بعناقيد الياسمين، ومسك الليل.

مناطق أخرى رسمها الفنان، منها منطقة خلابة تكثر فيها الأشجار والجبال المكسوة بالثلوج، ليستقر بها بيت عتيق، قال الفنان إنّ هذه المنطقة ببجاية، وأنّه استحدث في اللوحة نهرا جاريا لم يعد اليوم موجودا؛ كلمسة تزيد المنظر جمالا. كما رسم الفنان باقات الورد، ومختلف أنواع وألوان الزهور، منها ما هو في الطبيعة، ومنها ما هو في المزهريات، لتكتمل صورة الجمال.

وحمل الفنان طاووسه الجميل الذي لا يخلو أيّ معرض من لوحاته؛ فهو الحسن، والجمال كلّه ليسهب في الزركشة، وليذكر بأنّ هذا الطائر الراقي كان سيدا في بيوت الوجهاء بالقصبة، وفي غيرها من قصور الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي؛ حيث المستوى الاجتماعي الرفيع، وبهجة الحياة، والسلام. وطاف الفنان مع "المساء" عبر لوحاته المعروضة، ليصلّ إلى لوحة "الكرنفال" لبيكاسو، الذي أعاد تشكيلها بطريقته عبر العديد من اللوحات ذات الحجم المختلف.

الديكور فن آخر لا يقلّ إبداعا

عرض الفنان، أيضا، إبداعاته في الزخرفة على الخشب، مقترحا مجموعة من الصناديق بمختلف الأحجام، منها صندوق جهاز العروس، وصندوق الأغراض المنزلية، وصندوق المجوهرات وغيرها، وكذلك الطاولات، والكراسي، والمرايا، والتحف، وبلاتوهات التقديم الخاصة بالضيوف، المطلوبة بكثرة، علما أنّه خصّص بلاتوهات فردية؛ أي تقدَّم لشخص واحد، وهي من الجديد الذي يقترحه، بلمسة جزائرية خالصة. وهنا قال: "لا بد أن نُدخل تراثنا هذه الوسائل، وهذا الديكور؛ ليكون معنا بشكل يومي". كما قدّم سلسلة من قطع الديكور تشبه العلب، وأدوات التقديم، والضيافة، مرسومة بتقنية الأرابيسك، وأخرى بتقنية التزهير، فيما اختار لقطع أخرى رسم الزهور باليد المرفوعة. وقال إنّ كلّ تلك التقنيات تكلّف وقتا وجهدا خاصة بالنسبة له؛ إذ أنّه لا يرى جيّدا، وسرعان ما ينهك بصره من التدقيق.