مونودراما "زيارة ذات مساء" من ليبيا

لقاء مؤجل مع الغائب

لقاء مؤجل مع الغائب
  • 174
مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك

احتضنت دار الثقافة "هواري بومدين" بسطيف، أول أمس، عرض المونودراما "زيارة ذات مساء"، ضمن منافسات الطبعة الثالثة لأيام المسرح العربي، في عمل مشترك بين الجزائر وليبيا، من إنتاج الجمعية الليبية "دار البيضاء"، هذا المشروع الفني وُلد في ظروف خاصة، حيث بدأ المخرج الليبي أكرم عبد السميع، والممثلة الجزائرية فضيلة العموري، تدريباتهما عن بعد عبر وسائط التواصل الاجتماعي، قبل أن يلتقيا لأول مرة سنة 2024، في مهرجان المونودراما بالوادي، حيث حاز العرض على جائزة.

النسخة الجديدة من العمل، استلهمت الفكرة الأولى، التي دارت حول رجل يزور قبر زوجته، لكنها قلبت الأدوار هذه المرة، لتصبح امرأة هي من تعود، بعد عشر سنوات من الغياب، لتقف عند قبر زوجها. مثقلة بذكريات الخلافات القديمة والجراح التي لم تندمل، تدخل البطلة في مواجهة صامتة مع الغائب، محاولة أن تستعيد الماضي، وتطلب الغفران، وتبوح بما ظل حبيس صدرها لسنوات.

النص كُتب على شكل اعتراف مسرحي، يزاوج بين الحميمي والإنساني العام، ويطرح ثنائية الفقد والمصالحة باعتبارهما جوهر التجربة الإنسانية. غير أن هذه الرؤية الفكرية لم تتحقق بالكامل على الخشبة، إذ مر العرض عبر مقاطع طويلة، افتقرت إلى التوتر الدرامي المنتظر. الممثلة لم تتمكن من فرض حضورها، ولا من السيطرة على الإيقاع، ما أفقد العمل قوة اللحظات الأكثر كثافة عاطفية.

الإخراج جاء بدوره بسيطا إلى حد التقشف، مكتفيا بفضاء ركحي، يحاكي المقبرة بطريقة مباشرة، ومن دون رمزية مبتكرة، وهو ما جعل العرض أسير حلول تقليدية، لم ترتق إلى مستوى الفكرة. وفي غياب رؤية بصرية قوية ونَفَس درامي متماسك، بدا العرض غير مكتمل، ولم يتمكن من تجسيد الفكرة الجوهرية القائمة على أن الكلمة يمكن أن تكون لحظة خلاص حقيقية.

للإشارة، بدأت الممثلة الجزائرية فضيلة العموري مسيرتها الفنية من المسرح الجامعي، وهي طالبة حقوق، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى المسرح المحترف. في عام 2003، شاركت في عمل مسرحي، من إخراج شوقي بوزيد، حاز على عدة جوائز وعُرض داخل الجزائر وخارجها، ما شكل انطلاقتها الفعلية فوق الخشبة.

ومسرحية "زيارة ذات مساء"، التي أنتجتها الجمعية الليبية "دار البيضاء"، جاءت نتيجة تجربة فنية مميزة، اعتمدت على التعاون عن بُعد. فقد كان المخرج أكرم عبد السميع مقيماً في ليبيا، بينما كانت العموري في الجزائر، وتم التواصل بينهما عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أُرسل النص إليها عبر تطبيق "واتساب"، فشرعت في التمارين وسجلت مقاطع فيديو أرسلتها له، ليتابع عملها ويوجه ملاحظاته. اللقاء الأول بينهما لم يتم إلا سنة 2024، خلال مهرجان المونودراما بالوادي، حيث تُوج العرض بجائزة، ليشكل بذلك ثمرة تعاون مسرحي جزائري- ليبي.

يحمل العمل عنوان "زيارة ذات مساء"، لأنه يمثل النسخة الثانية من عرض سابق، كان قد قدم قبل سنوات، ظهر فيه المخرج في الدور الرئيسي، حيث جسد شخصية رجل يزور قبر زوجته. غير أن النسخة الجديدة قلبت الأدوار، إذ تتولى فيها امرأة مهمة زيارة قبر زوجها.

القصة تطرح تجربة إنسانية عميقة، تروي مسار امرأة فقدت زوجها، ولم تقترب من قبره إلا بعد عشر سنوات من الغياب. ظلت خلافاتها معه تسكن ذاكرتها، لكنها تقرر أخيرا، التوجه إلى المقبرة. هناك، وأمام مشهد القبور المتزايدة، تقف عند قبره وتشرع في الحديث إليه، محاولة أن تُفرغ ما في قلبها من عتاب وأسف. يتحول هذا الموقف إلى حوار داخلي يجمع بين الغائب والحاضر، يفتح مساحة للتطهر والاعتراف، ويكشف عن بعد إنساني يمس كل متلق.