"مشعل الشهيد" تحتفي بالدخول المدرسي الأوّل
مدرسة الاستقلال وبداية بناء الهوية

- 113

أكّدت المجاهدة زهير ونيسي أنّ الدخول المدرسي الأوّل في الجزائر المستقلة كان محطة وطنية ثورية بكلّ المقاييس، قادها الوزير الراحل عبد الرحمن بن حميدة بتواضع وبُعد نظر، فيما قال الأستاذ عبد القادر فضيل إنّ التفكير في تأسيس المدرسة كان قبيل الاستقلال، كما اعتبر رمزا لانطلاقة الأمة الجزائرية الجديدة وهذا خلال الندوة التي نظمتها جمعية "مشعل الشهيد"، أمس بمنتدى "المجاهد"، تم خلالها استذكار المجاهد الراحل عبد الرحمن بن حميدة، أوّل وزير للتربية الوطنية.
بالمناسبة، قالت المجاهدة زهور ونيسي إنّ عبد الرحمن بن حميدة، المنحدر من عائلة مثقفة، كان أنيقًا في شكله وأفكاره ومعاملاته، متحضرًّا ومتواضعًا، يليق أن يكون أوّل وزير للتربية في الجزائر المستقلة. وقد ترأس لجنة الثقافة التي ضمت أسماء بارزة مثل شيبان وعبد الرحمن جيلالي، وكان تسييره للجلسات بين 1962 و1963 ديمقراطيًا، يقبل آراء الجميع ويأخذها بعين الاعتبار. وتضيف أنّ الدخول المدرسي الأوّل لم يكن سهلًا، إذ لم تكن هناك شروط للسن أو للشهادة، فقد جنّد الوزير كلّ من يعرف القراءة والكتابة، حتى حفظة القرآن، من أجل إنجاح الانطلاقة، مؤكّدًا أنّ الجزائر لا بدّ أن تبني مدرستها بلغة جديدة هي العربية وباستراتيجية وطنية تقطع مع الاستعمار.
وتستحضر ونيسي صعوبة تلك الأيام فتقول "لم نتقاضَ أجورنا لستة أشهر، ومع ذلك واصلنا عملنا ولم نسأل عن الرواتب، كنا نخدم الوطن ونشعر أنّنا نشارك في بناء الجزائر". وأشارت إلى أنّ التعليم في تلك المرحلة كان يرتكز على القيم الأخلاقية والتربوية أكثر من الجوانب العلمية. كما ساهمت رفقة معلمين آخرين في تدريس أقسام محو الأمية ابتداء من السنة الخامسة ابتدائي، إدراكا منهم أنّ مهمة التعليم كانت معركة وطنية شاملة ضدّ الجهل. بينما ذكرت في مداخلتها، استعانة الدولة الجزائرية بمعلمين من دول عربية.
وتروي ونيسي موقفًا معبرًا حين زارت رفقة مجموعة من النساء الوزير بن حميدة في مقر وزارة الأوقاف بساحة الشهداء، لطلب دعم مالي من أجل تأسيس اتحاد النساء الجزائريات. تقول "رحّب بنا كثيرا ووعدنا بالمساعدة، فقلت له ممازحة: خويا، أدفع رواتبنا أولًا ثم ساعد الاتحاد." وتؤكّد أنّ بن حميدة دافع بقوّة عن المعلّمين الأحرار المنتمين إلى مدارس جمعية العلماء المسلمين، وعمل على إدماجهم وتقنين وضعيتهم داخل المنظومة الوطنية، معتبرا أنّهم جزء أصيل من مشروع التربية.
وتضيف أنّ الوزير ظلّ حاضرا في الساحة الثقافية أيضا فقد شارك في تأسيس مؤسسة مفدي زكريا، وكان يحضر اجتماعاتها بانتظام ويقدّم أفكارا رائدة، واصفة إياه بأنّه باني المدرسة الجزائرية، وطني صادق، رجل صالح لم يعرف الانتهازية.
أما الأستاذ عبد القادر فضيل فأكّد أنّ بناء المدرسة الجزائرية تم التفكير فيه قبيل الاستقلال وتجسيده مباشرة بعده، حيث جُعلت اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ أساسًا للمناهج التعليمية، وكان أوّل إجراء هو تعريب السنة الأولى ابتدائي ثم السنوات الأربع الأولى. ويضيف أنّ البلاد كانت تعاني من نقص حاد في المعلمين ما دفع السلطات إلى التفكير في هذا الموضوع مباشرة بعد الاستقلال.
وتابع المتدخّل أنّه عاش تلك اللحظة في موقع مزدوج، معلّما للأطفال وطالبا في الجامعة، كما أنّ دخوله المدرسي الأوّل ارتبط بالشعر بعد أن حفظ القرآن الكريم، بينما أكّد اهتمامه رفقة أقرانه بتأليف كتب مدرسية جزائرية وقدّموا معلومات حول الموضوع للجنة المختصة بالوزارة.
أما الأستاذ محمد عابد رئيس جمعية "مشعل الشهيد" فقد دعا الى اطلاق اسم عبد الرحمن بن حميدة لمؤسسة تربوية، في حين قدّم ممثل رئيس المجلس الشعبي الوطني بعض الأرقام في كلمة قدمها في هذه الفعالية، فقال إنّ أول موسم دراسي للجزائر المستقلة استقطب 46 ألف تلميذ، بينما عرف موسم 1963-1964 استقبال مليون و461ألف متمدرس، مضيفا أن المستعمر الفرنسي سحب معه 10 ألاف معلم، بعد أن حاول تحطيم الهوية الجزائرية ومقوّماتها.