تحضيرات نفسية ومادية للدخول المدرسي

زخم اجتماعي وتربوي لتعبيد طريق النجاح للأبناء

زخم اجتماعي وتربوي لتعبيد طريق النجاح للأبناء
  • 207
    أحلام محي الدين/ نور الهدى بوطيبة /سميرة عوام أحلام محي الدين/ نور الهدى بوطيبة /سميرة عوام

❊ سحب تدريجي للوحات الإلكترونية من أيادي الأطفال 

❊ نبض الشوارع ينبئ بدخول اجتماعي حافل 

❊ عادات وتقاليد.. مرافقة عائلية وصور تذكارية لتخليد أول يوم دراسي 

بدأت بوادر الخريف تهب، لتعلن عن تراجع الصيف، ويترك مكانه لموسم جديد، يعرف بالدخول الاجتماعي الحاضر، فقد انقضى موعد العطل والراحة والرفاهية، وجاء وقت الكد والجد والتحضير لسنة دراسية حافلة بالنجاح، وباشر الأولياء عملية سحب الشاشات الإلكترونية، مع تغير مواعيد النوم والاستيقاظ الباكر، لبرمجة الأطفال على العودة إلى حياتهم الدراسية، كما تعج الشوارع والمحلات والأسواق بالعائلات، التي تجوبها بقوة، لاقتنان الملابس والأحذية، وحتى الأدوات، قبل الحصول على القائمة المدرسية، لاسيما بالنسبة للعائلات التي لديها أبناء يدرسون في أطوار مختلفة.

كما يتميز الدخول المدرسي بميزات اجتماعية وطقوس خاصة، تحافظ عليها الأسر عبر الوطن، بين تحضير "الخفاف" لمن يدخل المدرسة أول مرة، وبين إعداد الحلوى والتقاط الصور التذكارية، والمرافقة العائلية تظهر حرص الآباء على متابعة الأبناء لتحقيق النجاح..."المساء" من خلال هذا الملف، أحصت سبل تحقيق النجاح، وكيف تكون الانطلاقة الصحيحة مع بداية السنة، بل ومن أول يوم.

*  أحلام محي الدين


قبل أن يدق الجرس

شوارع تنبض بالحياة واهتمام العائلات تعود قبل الموعد 

مع حلول شهر سبتمبر، تعود الحياة لتنبض من جديد في الأحياء، وتدب فيها حركة غير عادية، تشير إلى أن موسم الدخول الاجتماعي قد حل، حاملا معه تركيبة من المشاعر المختلطة، من فرح الأطفال بلقاء الأصدقاء، توتر الأولياء بسبب التكاليف، وتلك الحركية الجماعية التي تعيد رسم إيقاع الحياة اليومية بعد عطلة الصيف، وتبدأ المدن في استعادة إيقاعها المعتاد، بعد موسم طويل من العطل والهدوء، الشوارع تمتلئ، والمكتبات تعج بالزوار، والأسواق تشهد حركة غير عادية... إنها تحضيرات الدخول الاجتماعي، ذلك الموعد السنوي الذي يحمل معه مزيجا من الحماسة، التوتر والحنين إلى النظام.

في قلب السوق الشعبي، تتنقل الأمهات بين الباعة، يحملن قوائم طويلة؛ دفاتر، محافظ، مآزر، أحذية، أدوات مدرسية... وبعض الحاجيات التي لا تتغير كل سنة، لكنها تعود برائحة مختلفة، نكهة "البداية الجديدة"، وعلى مقربة، أطفال يرافقون أمهاتهم بعيون تراقب ألوان الأدوات المعروضة؛ يتحمس بعضهم لممحاة على شكل لعبة، وآخر يتفاوض مع أمه بحماس من أجل محفظة تحمل صورة بطله المفضل.

الأسواق.. القلب النابض بالتحضيرات

قبل أوائل شهر سبتمبر، تغص الأسواق الشعبية والمراكز التجارية، بالعائلات التي تبحث عن حاجيات الدخول المدرسي، ففي محلات بيع الأدوات المدرسية، تتكدس دفاتر ذات أغلفة ملونة، محافظ بأشكال شخصيات كرتونية، وأقلام ذات بريق يخطف أنظار الصغار. الأطفال يختارون بعين الحماس، فيما تنشغل الأمهات بالمقارنة بين الأسعار والجودة، حيث يجمع الباعة هناك، على أن الدخول الاجتماعي هو موسم في حد ذاته، يضاعف فيه النشاط، ويتم الزبائن من مختلف الأحياء، يسعى الكل إلى تلبية حاجيات المدرسة، أملا في أن تكون بتكلفة معقولة، وفي زوايا المكتبات، يظهر التوتر على وجوه الآباء، الذين يبحثون عن كتب نادرة، أو مقررات معينة غير متوفرة أحيانا بسهولة، البعض يتنقل من مكتبة لأخرى، والبعض الآخر يعتمد على "القائمة الرقمية"، التي أرسلتها بعض المدارس مسبقا، لتسهيل المهام وتحديد حاجة طفله، دون الوقوع في فخ الأدوات غير الضرورية، أما محلات الألبسة والأحذية، فقد دخلت في موسم ذروتها، حيث يقبل الزبائن بكثرة على اقتناء ما يحتاجه أبناؤهم، ويحاولون الموازنة بين الجودة والسعر، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لم ترحم الكثير من الأسر.

الهاجس المالي.. عبء يتجدد

خلف هذه الحيوية الظاهرة، تختبئ أعباء مادية ثقيلة، تثقل كاهل العائلات، خاصة ذات الدخل المحدود، فبين تكاليف اللوازم المدرسية، والملابس الجديدة، والنقل، بل وحتى الدروس الخصوصية، تشكل مجتمعة، ضغطا نفسيا على الكثير من الأولياء، حيث يؤكد الكثير منهم، أن بداية سبتمبر فترة صعبة، فالراتب الشهري لا يكفي لكل المصاريف، ما يجعل البعض يحاول الموازنة بين الضروري والممكن، وبأقل التكاليف.

محلات الملابس.. موسم تجاري ساخن

محلات بيع الملابس هي الأخرى، تعرف رواجا كبيرا، خصوصا تلك التي تبيع المآزر والأحذية المدرسية، هذا ما وقفت عليه "المساء" خلال تجوالها بشوارع العاصمة، وبين محلات أخرجت للواجهة ما تم إخفاؤه خلال باقي أيام السنة، من ملابس جديدة خاصة بالصغار، منها الكلاسيكية ذات الطابع الرسمي، حيث تجد غالبا الأطفال يصرون على اختيار قطع وألوان جديدة، والأمهات يضعن الجودة كمعيار أساسي للشراء، في حين أن هناك من أكدن على استعانتهن بخياطة الحي، لخياطة المآزر مثلا، تفاديا لتكاليف إضافية لا حاجة لها.

ويبدو أن التحضيرات لا تقتصر على المستلزمات فقط، بل تشمل أيضا إعادة تنظيم الحياة اليومية، فالأمهات يحاولن إعادة جدولة مواقيت النوم، والآباء يبحثون عن خدمات النقل المدرسي، أو ينسقون مع الجيران لتنظيم أوقات التسوق، حيث تتعمد بعض الأمهات إعادة ترتيب نظام البيت وتعويد الطفل على النوم مبكرا، والاستيقاظ كذلك، ولوحات إلكترونية تسحب تدريجيا من أيادي الأطفال، وشاشات بوتيرة أقل، وجمل مثل "العطلة انتهت" تتكرر عند الأولياء، كتحضير نفسي من أجل إعداد الطفل لمرحلة جديدة من العمل والاجتهاد، لتحصيل دراسي جيد.

أما الأطفال فيعيشون مزيجا من الحماسة والخوف، والشوق للأصدقاء والمعلمين، يقابله قلق من الدروس والامتحانات، هذا ما أكدته الأستاذة حياة بختي، أستاذة اللغة العربية، مؤكدة أنه في الوقت الذي يستعد بعض التلاميذ بعفوية للدخول، يدخل آخرون جوا من التوتر والخوف، لاسيما تلاميذ أقسام الاختبارات النهائية، كالباكالوريا والتعليم المتوسط، لكن لابد أن يتم أخذه بعين الاعتبار من طرف الأولياء، لحسن إدارة ذلك التوتر، مع أهمية دفعهم نحو مستشارين تربويين، بهدف توجيههم نحو اختيارات تليق بطموحهم ورؤيتهم، خاصة مهاراتهم وميولهم الأساسية.

في الأخير، قالت الأستاذة، إن الدخول الاجتماعي ليس مجرد موعد على الرزنامة، بل حدث مجتمعي كبير، تعاد فيه برمجة حياة الأسر، وتختبر فيه قدراتها على التكيف والتنظيم والتضحية، موضحة أنه رغم الصعوبات الاقتصادية والضغوط النفسية، يبقى الأمل في موسم دراسي جيد، مرسوما على وجوه الأطفال وهم يمسكون بمحافظهم الجديدة بكل حماس، متجهين بثقة نحو عام دراسي جديد، قائلة إن بداية الموسم الاجتماعي انتقال جماعي من الفوضى الموسمية إلى النظام، وهو ما يعكس حاجة المجتمع إلى التوازن، لهذا نلاحظ أن الاستعدادات له تأخذ طابعا احتفاليا أحيانا، رغم التكاليف والضغط.

* نور الهدى بوطيبة


التحضيرات للدخول المدرسي في عنابة

بين فرحة العائلة وخطوات الطفل الأولى

❊ التحضير النفسي للطفل أساس النجاح المدرسي

يُعد دخول الطفل إلى المدرسة لأول مرة، نقطة تحول مهمة في مسار حياته، فهي لا تعني فقط بداية مرحلة التعليم، بل تمثل أيضًا الخطوة الأولى نحو الاستقلال، التفاعل الاجتماعي، واكتشاف العالم خارج البيت. في مدينة عنابة، تحيط العائلات هذا الحدث بعناية خاصة، وتُرافقه طقوس وتقاليد مميزة، تعبر عن القيمة الرمزية لهذه المرحلة في الوعي الجماعي والثقافة المحلية.

التهيئة النفسية من أهم خطوات التحضير للدخول المدرسي، خصوصا للأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة. في عنابة، تدرك الأمهات جيدًا أن الطفل في هذه المرحلة، قد يشعر بالخوف، القلق، أو الانفصال المفاجئ عن محيطه الأسري. لهذا تبدأ الأم بالحديث مع طفلها، قبل أيام من بداية المدرسة، وتشرح له ما سيجده هناك، من معلمين طيبين، وأصدقاء جدد وأنشطة ممتعة.

تقدم له المدرسة على أنها مكان جميل للتعلم والمرح، وليس كمكان صارم أو مخيف. تُشجع الطفل على طرح الأسئلة والتعبير عن مشاعره، سواء كانت خوفا أو حماسا، وتستمع له دون تهوين أو تهويل. بعض الأمهات يلجأن إلى التمثيل واللعب، من خلال محاكاة ما سيجري في القسم، الجلوس، رفع اليد، ترديد النشيد، مما يساعد الطفل على تخيل يومه المدرسي بسهولة. هذه الخطوات تُساعد على خفض التوتر، وزيادة الثقة بالنفس، وتحسين الاستعداد العاطفي للانفصال المؤقت عن الأسرة.

التحضيرات المادية.. تجهيزات بنكهة خاصة

في الأسبوع الأخير، قبل الدخول المدرسي، تشرع العائلات في عنابة، في سلسلة من التحضيرات المادية التي لا تقل أهمية عن الجوانب النفسية، إلى جانب شراء الملابس الجديدة، ويكون اختيار اللباس المدرسي لحظة مميزة، حيث يُفضل أن يكون أنيقًا ومرتبًا، ما يمنح الطفل إحساسًا بالخصوصية. ويُعتبر المئزر رمزا للانتماء المدرسي، يُراعى فيه اللون، حسب الجنس والعمر.

المحفظة المدرسية تُختار بعناية، وغالبًا ما تحمل رسومات الشخصيات الكرتونية المفضلة لدى الطفل، وتُملأ بالأدوات، مثل الأقلام، الدفاتر، المقلمة والألوان. كما يتم ترتيب ركن للدراسة في البيت، إذ تخصص بعض الأمهات زاوية صغيرة في المنزل، لتكون مكانًا للدراسة، ما يعزز من جدية المرحلة القادمة في ذهن الطفل. هذه الطقوس تُدخل الطفل في أجواء المدرسة بطريقة مرحة وتحفيزية، وتُعطيه انطباعًا أوليًا إيجابيًا.

للعادات العنابية ميزة خاصة

ما يُميز مدينة عنابة، هو إضفاء طابع احتفالي على أول يوم دراسي، خاصةً للأطفال الجدد. هذه العادات الشعبية لا تزال حية ومتوارثة:

ـ إعداد الحلوى؛ تقوم الأسرة بتحضير أطباق من الحلوى التقليدية، مثل "المقروط، قلب اللوز، أو الطمينة"، تعبيرًا عن الفرح والفخر. في بعض الأحيان، تُقدم هذه الحلوى للضيوف أو الجيران، خاصةً إذا كان الطفل أول من يدخل المدرسة في العائلة.

ـ المرافقة العائلية؛ لا يُرسل الطفل بمفرده إلى باب المدرسة، بل ترافقه الأم أو الجدة، وأحيانًا الأب أو أحد الإخوة الكبار، هذا الدعم العائلي يعكس الحنان ويُطمئن الطفل في لحظاته الأولى.

ـ الصور التذكارية؛ يُعد التصوير في هذا اليوم من الطقوس الثابتة، حيث تحتفظ الأسرة بصورة الطفل في زيه الجديد، غالبًا، وهو يحمل محفظته، أمام باب البيت أو أمام المدرسة.

ـ احتفالات صغيرة بعد العودة؛ بعد انتهاء اليوم الأول، تستقبل الأسرة الطفل وكأنه "أنهى مهمة كبيرة"، ويُقدم له طبق مميز، أو هدية رمزية، مثل قصة أو لعبة، لتشجيعه على الاستمرار.هذه العادات تُرسخ في ذهن الطفل فكرة أن المدرسة ليست عبئًا، بل مناسبة سعيدة ومحل فخر للأسرة كلها.

دور المرافقة الاجتماعية والمؤسسة التربوية

في بعض المدارس، وخاصة الحديثة أو النموذجية، يتوفر مرشد اجتماعي أو مرافقة اجتماعية، تسهل على الطفل أيامه الأولى، تراقب حالته النفسية وتفاعله مع الزملاء، تنسق مع المعلمات إذا لاحظت علامات توتر أو عزلة، تُقدم الدعم للأم، خاصةً إذا كان الطفل يواجه صعوبة في التكيف.

كما تعمل بعض المدارس، على تنظيم نشاطات استقبال جماعية للأطفال الجدد. تقديم هدايا رمزية أو حلويات لجعل اليوم الأول أكثر متعة. إشراك الأطفال في أناشيد جماعية أو أنشطة تعريفية لتكسير الحواجز. في مدينة عنابة، لا يُعتبر الدخول المدرسي حدثًا إداريًا فقط، بل مناسبة مجتمعية مملوءة بالمشاعر والعادات؛ من اهتمام الأمهات بتحضير الطفل نفسيًا، إلى طقوس شراء المستلزمات، وصولًا إلى لحظة مرافقة الطفل وسط أجواء مملوءة بالحب والفرح، كل تفصيلة تُساهم في تحويل بداية المشوار الدراسي إلى تجربة إيجابية، تبقى في الذاكرة مدى الحياة.

 * سميرة عوام