يصارع البقاء في أعراس البليدة
"الحايك".. حضور إجباري لمباركة الزفاف

- 226

تشكل الأعراس في ولاية البليدة، محطة هامة لاسترجاع العادات والتقاليد، التي اختار البعض التخلي عنها تحت شعار "العصرنة". وبينما فقدت الحلويات الكثير من خصوصيتها، وتغيبت بعض قطع اللباس التقليدي، لا يزال "الحايك" يقاوم الاندثار، مستمداً بقاءه من تمسك عدد من العائلات به، واعتباره شرطًا أساسيًا لستر العروس عند خروجها من بيت أهلها، وهي تلبس "حايك المرمة" الأبيض مغطاة بـ"البرنوس"، تحت جناح والدها.
ورغم التغيرات التي طرأت على الأعراس، وجعلت بعض العائلات تستغني عن طقوس كثيرة، مثل إعداد الأطباق التي بات يشرف عليها "الطباخ" بلا منازع، أو إقامة حفلات العرس في قاعات الأفراح، والحلويات التي طغى عليها الطابع الجمالي على حساب النكهة التقليدية، فيما يعرف بـ"حلوى البريستيج"، فإن "الحايك" لا يزال يقاوم الزمن، كونه إحدى القطع التقليدية القديمة ذات البعد التاريخي، التي تعكس هوية المجتمع الجزائري.
يعد "الحايك" من أعرق رموز الأنوثة والحياء في الثقافة الجزائرية، وقد كانت المرأة توصف عند ارتدائه بـ"الحمامة"، لما يضفيه عليها من جمال ورقي. وكان يُتناقل داخل العائلة من جيل إلى جيل، حيث تُخفيه المرأة بعد زواجها، لتخرج به لاحقًا ابنتها من بيت والدها، في إشارة رمزية للستر والتوارث.
وحسب الباحث في تاريخ البليدة، يوسف أوراغي، فإن أصول "الحايك" تعود إلى النساء الأندلسيات اللائي دخلن شمال إفريقيا ملتحفات، فتأثرت به النساء الجزائريات وطورن شكله، ليصبح لاحقًا رمزًا للمرأة الجزائرية، بعد أن كان مجرد سترة بسيطة. وبمرور الزمن، أصبح "الحايك" يُصنف إلى أنواع: "حايك العروس، حايك الفتاة وحايك العجوز".
وفي البليدة تحديدًا، يُعرف نوع خاص يُسمى "حايك المْرَمة"، المصنوع من خيوط الحرير الخالص، ويُخصص للمناسبات، في حين يُطلق على "الحايك" المصنوع من خليط من الحرير والنسيج العادي "نصف المْرَمة"، ويُرتدى في الأيام العادية. وترتدي الفتاة "الحايك"، بحيث يُوضع جزء منه تحت الإبط ويغطي رأسها وجسمها، في رمز للأناقة والاحتشام، أما المرأة فتضع "العجار"، الذي ينقسم بدوره إلى نوعين: بعضهن يغطى به الوجه، مع ترك فتحة للعين، ولا يرتدين "العجار"، وأخريات يغطين نصف الوجه بـ"العجار" فقط، وفقًا لغيرة الأزواج وشدة تحفظهم.
يعود أصل تسمية "العجار"، بحسب المتحدث، إلى الحياة الاجتماعية في البليدة، حيث كانت العائلات تعيش متقاربة، وكان الزوج يطلب من زوجته أن تتحجب حتى لا يراها الجار، فكان يقال لها "على جال الجار"، لتختصر لاحقًا في "العجار".
ويشير أوراغي، إلى أن "الحايك" لم يكن مجرد لباس، بل رمزًا للمكانة الاجتماعية؛ فالنساء اللواتي كن يرتدين "حايك المْرَمة" المزين بالشبيكة، كن في الغالب من العائلات الميسورة، أما "الحايك" المصنوع من خيوط عادية، فكان شائعًا لدى الطبقة المتوسطة.
ومن الطرائف التي ترويها نساء البليدة، حول تمييز "الحايك" الأصيل، أن المرأة كانت تأخذ معها عود ثقاب عند التوجه إلى السوق، وتختبر جودة "الحايك" بإشعال أحد خيوطه؛ فإذا احترق، دل ذلك على أنه غير مصنوع من حرير خالص، أما إذا انبعثت منه رائحة مميزة، فهذا دليل على أصالته.
وتؤكد الروايات، أن الحايك كان جزءًا لا يتجزأ من خزانة المرأة البليدية، وكانت كل سيدة تملك "حايكًا" خاصًا بها، يُقسم عادة إلى "حايك" للمناسبات وآخر للاستعمال اليومي، وكان من العيب استعارة "الحايك" من امرأة أخرى.
اليوم، لا يزال بعض الأهالي في البليدة، يتمسكون بـ"الحايك" ويحرصون على ستر العروس به، عند خروجها من بيت والدها، ولكن الإشكال، حسب المختص في التراث، لا يكمن في التخلي عنه فقط، بل في صعوبة إيجاد من يصنعه، لندرة الآلة التقليدية وخيوط الحرير، مما جعل سعره مرتفعًا وخارج متناول الكثيرين.
ويخلص أوراغي، إلى أن الحفاظ على هذه القطعة التقليدية، يتطلب تشجيع العرائس على ارتدائها، وحثهن على الاحتفاظ بها وتوريثها لبناتهن، لأنها ليست فقط غطاء للجسد، بل غطاء للهوية والتاريخ والحياء.