"العيش معاً في سلام" بالمركز الثقافي الجامعي

عوالم من نور تتجاوز الملموس البائس

عوالم من نور تتجاوز الملموس البائس
  • 132
مريم. ن مريم. ن

يستقبل المركز الثقافي الجامعي بالعاصمة إلى غاية 12 جوان الجاري، الفنانتين راضية قوقة ونصيرة شكشاك، اللتين تقترحان فسحة نحو عوالم خفية من الجمال والنقاء والأنوثة، تُعدّ ملاذا لمن سئم من ضجيج العالم ومآسيه، ليدخل، بسلام، عبر بساط وردي، نحو مسارات ملوّنة بالحُسن، والنسائم المنعشة.

تسير الفنانة راضية في لوحاتها، نحو الأنوار، معتمدة على القدرات الروحية الكامنة في النفس البشرية، الداعية للسلام، والمحترمة للاختلاف.

واعتمدت الفنانة على أشكال وألوان متنوّعة، أغلبها توحي ببهجة الحياة، وانفجارها الخلاق. كما لم تتقيّد بأيّ ملمح ملموس ماديا كان أو حيّا، اعتادت العين على رؤيته في يومياتها، بل اختارت أن تأخذ بيد المشاهد لتحمله بعيدا نحو الأكوان المستترة، لتبدو الرحلة بمثابة حلم يأخذ الروح في غير عجل؛ لاكتشاف المعاني، والقيم، والجمال الذي لا تقدر يومياتُ الحياة المادية قيمتَه.

روح نيّرة ذات صفاء داخلي

تتوالى هذه اللوحات ذات المعنى الميتافيزيقي النابع من إحساس هذه الفنانة الشاعرة، التي ترى الوجود بعين مختلفة، وتعطيها بعدا صوفيا ساميا غير قابل لأن يلطَّخ بالمال أو المصالح الضيقة، التي يلهث أغلب بني البشر وراءها، إنّه العمق والجوهر الذي ينقص عالم اليوم، الذي لم يصل إلى باطن الكون وكينونته، وبقي يدور في فلك السطح مغمض العينين، ميت القلب، يتألّم في صمت ولا يجد لحيرته جوابا، ولا لتوهانه منفذا، تصدّه الحجب التي لا يملك مفاتيح أقفالها.

وتكشف الفنانة عبر لوحاتها الستار عن عالم الباطن الذي يملك الحقيقة والبرهان، مستلهمة بعض صوره من طبيعة كوكب الأرض في حالته العذرية. ومما اختارته لجمهورها لوحة "سدرة المنتهى" ، التي تبدو فيها شجرة تمتدّ بأغصانها وجذورها نحو السماء، باسقة، ومثقلة بفواكهها ذات اللون البرتقالي والأحمر. وترافقها بعض الدعوات والصلوات التي يؤديها رجل جالس على جنب.

وفي لوحة "تقطير الزهر" يمتدّ أكسير الحياة من الشمس الدافئة المبتسمة نحو قوس قزح، ثم نحو الأرض الخضراء، لتبدو وكأنّها تقطير للزهر الذي ينبت في هذه الأجواء الكونية التي خطها الخالق.

وفي الأجواء الروحانية دائما تبدو لوحة "المعلم يوجي" ، وهي عبارة عن جلسة يوغا هادئة في قلب الشمس، ومعقودة بوشاح جميل، تحيطها هالة من الألوان والأنوار. وبجانب هذه اللوحة هناك لوحة الرحلة، التي تشبه الدوامة، تبدو فيها الألوان كالدواليب، وتربط بينها أسلاك مذهَّبة. 

وهناك لوحات أخرى رسمت فيها الفنانة راضية مشاهد من عالمها الخيالي الساحر، بعضها تضمّن نباتات لولبية عجيبة تتسلق في اتجاهات شتى، وقمر يراقبها من بعيد.

لوحات أخرى كثيرة منها "تلاحم بالأزهار"، و«لقاء الأخضر"، و«مفتاح العالم"، مسترسلة في كل ما هو مختلف عن عالمنا وزماننا؛ فلا النبات نفسه ولا الطبيعة، تاركة الحيرة والدهشة والسؤال والحيرة بين الليل والنهار وتداخلهما في كلّ اللوحات.

كما اختارت هذه الفنانة ابنة مدينة قسنطينة، مقتطفات من أشعارها المنشورة في دواوينها، ترحب، وتخاطب القارئ بها مباشرة، ليدخل بكل كيانه إلى المعرض.

للإشارة، فإن الفنانة العصامية راضية من مواليد 1983 بقسنطينة. وهي مختصة في الإعلام الآلي. وتقدّم أعمالها منذ 2019.

مقتطفات من الربيع الأوراسي

شاركت في المعرض، أيضا، الرسامة نصيرة شكشاك، لتلتقي، لأوّل مرة في حياتها، الجمهور في معرض تقدّم فيه لوحاتها، حسبما أكّدت المشرفة على المعرض الآنسة رحاب، حيث تضمّن الكثير من اللوحات مختلفة الأحجام والأساليب الفنية. وقد ركّزت فيه على موضوع المرأة والطبيعة ضمن العنوان العام للمعرض "العيش معا في سلام"، مبرزة صور المحبة والأحاسيس الراقية، خاصة عند المرأة، منها الأمومة التي ترجمتها بالأسلوب الانطباعي خاصة، وبعض من التجريدي، مع اختيار موفق للألوان المائية ذات البصمة الأنثوية؛ حيث طغى اللون الوردي على اللوحات. كما اختارت ابنة الأوراس الأشم مشاهد من مسقط رأسها، تنفجر فيها الزهور والأنوار والمياه الرقراقة، لتبقى منبع الإحساس والجمال. 

ومن لوحات الفنانة نصيرة "الشمس تطلع على بلادي" تتوسّطها الشمس وعلى مدارها مختلف مناطق الوطن بكل ما فيها من طبيعة ولباس ومدن وبوادي، ولوحة الفسيفساء التي بها أشكال هندسية مصغرة تُبرز الاختلاف والعيش معا، وكذلك "الصباح الربيعي" من قلب الأوراس، ثم "شجرة الكرز" و«اللوتس في زهرة" و«أحمر خدو" و«آنسة بالتزهير" ، وغيرها من اللوحات الداعية للجمال والاسترخاء.