فيما لم تتقبل باريس فكرة توقيف أشكال التعاون معها
الهوس النفسي لروتايو يقوّض بوادر التهدئة مع الجزائر

- 260

التكتم الذي اعترى مخرجات الاجتماع الطارئ الذي عقده الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه مع كبار مسؤولي الحكومة الفرنسية بحر الأسبوع الماضي، والذي خصّص لمناقشة الأزمة غير المسبوقة مع الجزائر، يعكس حجم هوس الدوائر الفرنسية التي لم تتقبل فكرة توقيف الجزائر لكل أشكال التعاون مع باريس، بسبب السياسة العنصرية لليميني المتطرّف روتايو الذي قوّض فرص المصالحة بين البلدين وتدخّله في صلاحيات الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته.
حضور وزير الداخلية الفرنسي خلال هذا الاجتماع كان متوقّعا، رغم أنه مخصّص لدراسة ملف خارجي، باعتباره المسؤول المباشر عن التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا والقضاء على كل بوادر التهدئة، فضلا عن رفضه الإحجام عن خطاباته العدائية تجاه الجالية الأجنبية وبالخصوص الجزائرية، ما أثار استياء الشارع الفرنسي الذي يعيش حالة هيجان في أسوأ مرحلة تعيشها البلاد.
وكان متوقّعا عقد هذا الاجتماع في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها باريس، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يحاول اليمين المتطرّف اللعب على أوتارها من الناحية الاجتماعية، من خلال تحميل كامل المسؤولية على المغتربين، رغم أنهم شكّلوا جزءا من النسيج الفرنسي لعقود من الزمن وساهموا في تحريك العجلة التنموية والاقتصادية للبلاد. غير أنّ الأفكار المتطرّفة الرجعية التي يقودها روتايو في إطار تنفيذ مخطط محكم لهذا التيار المتصاعد، قد أضرّت بقيم الجمهورية مثلما أضرّت بمصالح باريس مع الجزائر التي كانت لعقود من الزمن شريكا استراتيجيا بالنسبة لفرنسا.
وتظل الجزائر الهاجس الأكبر لدى وزير الداخلية الفرنسي لاعتمادها على ندية التعامل، لدرجة أنه يعاني من مشاكل نفسية، وما زال يخضع لمتابعة طبية في مستشفى "سانت آن" للأمراض النفسية في باريس بسبب تعامله المفرط مع الملف الجزائري وفشله في التأثير على مواقف الجزائر الصلبة، مثلما أوردته مصادر إعلامية فرنسية.
وما يثير حنق روتايو هو أن موقف الجزائر لم ينحصر في إطار ردّ الفعل، على خلاف ما جرت عليه العادة في العلاقات الثنائية، بل أظهرت موقفا سياديا مبنيا على الندّية والاحترام المتبادل والعلاقة المتوازنة، رافضة أي مقاربة تكرّس منطق التبعية أو ازدواجية المعايير في التعامل.
فالتهور السياسي لروتايو الذي يتهجّم في كل مرة على الجزائر، يثير الكثير من الاستياء لدى الطبقة السياسية الفرنسية، التي ترى في المواقف العنصرية لهذا اليميني المتطرّف توظيفا سياسيا، خاصة في ظل السباق الدائر حول رئاسة حزب "الجمهوريون" اليميني، وهو منصب يفتح للفائز به الطريق على مصراعيه من أجل الترشّح للانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة في عام 2027.