"تراثنا في صورة" لنذير جامة بقصر الرياس

شاهد حيّ على أثر التاريخ والأزمان

شاهد حيّ على أثر التاريخ والأزمان
  • 117
مريم. ن مريم. ن

يحتضن مركز الفنون والثقافة بقصر "رياس البحر" بالتنسيق مع المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر إلى غاية 18 ماي الداخل معرضا للصور الفوتوغرافية للمصوّر نذير جامة تحت عنوان "تراثنا في صورة" وذلك في إطار فعاليات شهر التراث، حيث تبرز في المعرض ذكريات جزائرية من زمن ولى، إضافة للعادات والتقاليد والحرف والفنون وغيرها.

في كلمتها الترحيبية أشارت السيدة فايزة رياش مديرة متحف رياس البحر خلال مراسيم الافتتاح إلى أنّ المعرض مهم لأنّه يسلّط الضوء على الذاكرة، وأنّ الفنان جامة يعتبر اسما ثقيلا في عالم الفن والإبداع، وقد سبق لها وأن تعاملت معه منذ أن كانت بمتحف باردو، أما السيدة غزلان مديرة متحف "الماما" فاعتبرت المعرض احتفالا بتراثنا الوطني الزاخر بكلّ تجلياته منه العمران والحرف والألبسة والطبخ وغيرها من التجليات التي لابد لها أن تبقى حية في الذاكرة، وبالتالي رأت أنّ المعرض هو توثيق لهذا التراث الحي كي ينقل للأجيال، وما احتفالية شهر التراث سوى ترسيخ لهذا الجانب من ثقافتنا وهويتنا ونقله لذاكرة الناشئة .

أما السيد جامة فقال إنّه لبى الدعوة بتلقائية، علما أنّه تعامل مع متحف رياس البحر فيما سبق، مؤكّدا أنّه يملك صورا وقطعا يتجاوز عمرها الـ50 عاما وهو يستغل فرص العرض ليقدّمها للشباب، ولكي يلفت الانتباه لها والدعوة لتثمينها وحفظها كي لا تضيع.

قام الفنان بعدها رفقة الحضور بجولة في المعرض عبر أروقته (الطابقين السفلي والعلوي)، حيث اجتهد في إبراز مختلف القطع والمشاهد والمناظر التي تخص تراثنا عبر كل مناطق الوطن، من ذلك صور لألبسة وأفرشة مطرّزة بالحرير أغلبها تحمل أشكال الزهور والرموز، كذلك صور اللباس التقليدي منه الملحفة الشاوية مع كلّ الاكسسوارات، وأيضا "البنوار" السطايفي الجميل بشدّة الرأس المميزة بحليّ الذهب، ناهيك عن أزياء الصحراء ذات الألوان الزاهية .

كما قدّم الفنان صورا لمعالم أثرية شتى منها مثلا معلم مادور بسوق أهراس، ورأس تمثال نائم بمتحف الفنون الجميلة بالحامة، زيادة على قصور تاغيت وكذا معالم تلمسان خاصة منها فن النحت بمقام سيدي بومدين، وأيضا ما يسمى بالمزلاج أو القفل، وهناك أيضا أبواب القصبة العتيقة التي عليها زركشة بديعة بألوان صاخبة.

اهتم الفنان أيضا بالمعالم السياحية المختلفة اختلاف المناطق، من ذلك توثيقه لرحلاته لعمق الصحراء ليوثّق كلّ ما رآه فيها، لتستمر رحلاته في كلّ الاتجاهات ونحو كلّ التفاصيل المحلية التي تعكس كلّ خصوصية وكلّ نمط اجتماعي وثقافي.في حديثه لـ"المساء" أشار الفنان جامة إلى أنّه مولوع بالتراث، حيثما كان بالجزائر بكلّ مكوّناته وذلك الاهتمام تعزّز منذ أن كان طالبا بالجامعة المركزية سنة 1977، علما أنّ اختصاصه في الفيزياء النووية وسبق أن درس بجامعة باب الزوار، مؤكّدا أنّه عمل في كلّ التظاهرات الثقافية منها "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وتظاهرة الجزائر بفرنسا وغيرها وتعامل مع العديد من المتاحف، موضّحا أنّ له ثروة هائلة من الصور يسعى لحمايتها وحفظها واستغلالها حتى لا تنتهي وتنسى، مضيفا "أنا شاهد حيّ على عصري لذلك أسعى لتوثيق ما أراه وأجده، وكنت أتألم عندما أجد صورة ممزقة أو بالية فأسعى لإنقاذها ولملمتها حتى لا تضيع".

للإشارة، يضمّ المعرض أكثر من 100 صورة إضافة لكتب لجامة عرضت ببهو القصر منها كتاب "الحرفي" وكتب أخرى صادرة عن دار النشر التي يديرها كلّها في مضمون التراث.

كان الفنان جامة يبدو سعيدا بإنجازه الذي يعكس عشقه للتراث ليقدّم أجمل ما جمعه على مدى أكثر من أربعين عاما من الشغف والفضول، وكان فخورا بتصوير أشياء من تاريخنا من جميع المتاحف والمواقع الأثرية معلنا أنه كان يرى بقلبه قبل عدسته، وأنه لم يكن يطيق البقاء في العاصمة لأكثر من شهر ليقرّر في كلّ مرة حمل حقيبته والسفر، وغالبا ما كان يتقفى خطوات أجيال من أجدادنا مروا وتركوا بصمتهم، ليضيف هو بعضا من أنفاسه العميقة ومشاعره الفياضة ويكتب على هذا الجدار الذي بقي منتصبا عبر الزمن.