منتدى "الفكر الثقافي" يخوض في "القيم والتطوّر التكنولوجي والرقمي"

التكنولوجيا قاهرة القيم ومحولة الإنسان إلى ماكنة مبرمجة

التكنولوجيا قاهرة القيم ومحولة الإنسان إلى ماكنة مبرمجة
  • القراءات: 576
مريم. ن مريم. ن

خُصّصت الجلسة الثالثة من "منتدى الفكر الثقافي الإسلامي" التي احتضنها قصر الثقافة "مفدي زكريا" أول أمس، لموضوع "القيم والتطور التكنولوجي والرقمي". وأثيرت فيها علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وأيّهما الغالب في هذه العلاقة التي أصبحت تحدد مصير البشرية، وترسم معالم الحياة العصرية.

أدار الجلسة مدير مخبر الدراسات الاتصالية بجامعة "عبد الحميد بن باديس" بولاية مستغانم، الدكتور العربي بوعمامة. وكان أول المتدخلين فيها الدكتور الباحث عبد العالي زواغي بمحاضرة عنوانها "كيف تعيد التقنية تشكيل الممارسات الدينية؟"، اعتبر فيها أن المجتمعات الحديثة أصبحت تعاني من مشكل روحاني ثقافي، امتدّ لمجتمعاتنا الإسلامية المتأثرة بالغرب، وفلسفته منها فكرة "ما بعد الدين"، وغيرها من البعديات الفلسفية، بينما الأصل أن الإنسان لصيق بالإيمان، وأن بعض الأسئلة التي تجلجل في نفسه، يجيب عنها الدين.

ظهور التديّن الرقمي

أضاف المتحدث أن التقنية نزعت من الإنسان قيمته، وهي معاناة تتجسد عند كل الديانات؛ فالإنسان تعرّض للمكننة منذ ظهور آلة الطباعة حتى ظهور وسائل التواصل الإلكتروني، ليظهر معها تديّن جديد أصبح يسمى بـ"التديّن الرقمي"؛ من خلال تطبيقات التواصل الإلكتروني في ظل غياب المرجعيات، مع إلغاء دور المؤسسات الدينية التي تمثل الدين الأصيل النقي من الإيديولوجيات.وهنا يؤكد الأستاذ زواغي أن العلماء تحدّثوا عن نهاية الواقع مع هذه الوسائل. وبالنسبة للدين فقد ظهر ما يُعرف بـ"المشيخة الإلكترونية" أو "الشيخ السيبراني"، الذي يعرف كل شيء، ويعطي فتواه الجاهزة.

أما الذكاء الاصطناعي فقد ذهب بعيدا؛ فغيّر مفهوم الدين. ويظهر كشيخ افتراضي يحاورك ويجادلك، وهو صنيعة من لا يعرفون البيئة الإسلامية، يحملون إيديولوجيا ذات طابع هيمنة وسيطرة وتوجيه، وبالتالي أصبحت هذه الوسائل هي ظاهرة تعبّر عن الدين من خلال الدعاة ومن ليس مرئيا منهم ولا يملك البهرجة؛ فهو غير موجود، وأصبح أحدهم لا يهتم بالهيبة والوقار والحكمة بقدر الاهتمام برأسمالية "اللايكات"، كما أصبح بعض المتابعين يسخرون مما يجري، ويصفون الحال بالقول "دين منزوع الدسم". كما أصبح المتتبعون المستخدمون مجرّد تُبّع لهؤلاء من غير تفكير نقدي. وأصبح الكم (المشاركون) هو الغالب.

"التديّن الإلكتروني" ظهر، أيضا، في الغرب. وأعطى المحاضر نماذج عنه واصفا إياه بـ"الكهنوت الجديد"؛ فمثلا في اليابان، صُنع رجل آلي جذاب يؤدي الطقوس البوذية، ويلقي المواعظ والصلوات. وفي ألمانيا ظهرت تقنية من الخوارزمات على شكل شخصيات افتراضية، وأثرت في الناس، وأصبح لها متابعون في الكنيسة. وفي الغرب، أيضا، مهندس طلب رخصة لصنع إله بالذكاء الاصطناعي، لكن طلبه رُفض.

وبالنسبة للجزائر، أكد المتدخل أن لها مؤسساتها الدينية التي تحمي العقيدة، داعيا إلى التعامل مع الفضاء الأزرق من خلال أئمة متكونين، وتأسيس مشروع دفاع، ثم مشروع تمكين بتقنياتنا ومرجعيتنا.

التكنولوجيا سبب تراجع القيم

جاءت مداخلة الدكتور جمال حمود أستاذ بجامعة قسنطينة2، بعنوان "في حاجة إلى تفكير أخلاقي في العالم والتكنولوجيا"، أكد خلالها أن العلم والتكنولوجيا سببان لتراجع القيم الإنسانية في عالمنا المعاصر، متوقفا عند ارتباط العلم بالمؤسسات المالية الكبرى؛ ما جعله رهينا لها، ومأجورا عندها. وهذا الانحراف يقابله أيضا التعصّب للعلوم الصلبة.

وظهر مفهوم الثورات العلمية التي جعلت من العلماء شركاء سياسيين. ثم التخصص المفرط للعلوم الذي سبّب التشتت عوض تبنّي "ما بين التخصصية"؛ كنوع من تكامل العلوم. كما توقَّف الأستاذ عند نظريات غير صحيحة في حدّ ذاتها، روّج لها وسطها الخارجي بالتبني والدعاية وغيرهما.

وأشار الدكتور جمال حمود إلى أن العلوم اقتصرت، اليوم، فقط على جانب الفعالية في الابتكار بدون الحكمة منه؛ ما ينطبق على ابتكارات السلاح، ثم أتى ما يُعرف بالإنسان الآلة بدون هوية، علما أن اجتهادات فردية وجماعية عبر العالم، قائمة على معالجة هذه الظاهرة للحدّ من مخاطر التكنولوجيا، والمصالحة بين الدين والعلم؛ من خلال تنشئة سليمة للأجيال، ترعى القيم والخصوصية.

الفنون.. فريسة للقيمة الاستعمالية

أكد الدكتور كمال بومنير، أستاذ بقسم الفنون بجامعة الجزائر2، في تدخّله "القيم الجمالية ومآلات الفن في عصر التكنولوجيا الرقمية"، أن العالم يعرف تسارعا تكنولوجيّا وليس تقدما، متسائلا عن مصير الفن والقيم في ظل هذه التكنولوجيا المتسارعة، خاصة الرقمنة منها، والذكاء الاصطناعي، وهل هناك ارتباط بين الفن والتكنولوجيا؟وأشار المتحدث في معرض حديثه إلى أن الوسائط الرقمية اقتحمت المجال الفني. وكان لذلك نتائجه، علما أن الذكاء الاصطناعي أساسه التوجه المعرفي التقني، بينما التوجه الفني والجمالي مرتبط بالتوجه القيمي (عالم المعنى)، وغرضه اكتشاف المعرفة، والتزامه بقواعد أخلاقية لتنظيم السلوكات. كما إنّ القيم الجمالية ترتكز أكثر على "الجميل". والغرض منها تحقيق الإحساس بالجميل.

وقال الدكتور بومنير إن التكنولوجيا ساهمت في الترويج للفن ودمقرطته؛ فلم يعد حكرا على النخبة، لكنها في نفس الوقت، جعلته يفقد وتتلاشى فيه الهالة الفنية والأصل والمرجعية؛ فأصبح فريسة للقيمة الاستعمالاتية في سياقات السوق (سلعة)، صالحا، فقط، للعرض.

وتحدّث، أيضا، عما تقدّمه المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي من أعمال وبرمجيات وتطبيقات، لها القدرة على التأليف، لكنّها عاجزة عن الإبداع والإحساس والذوق والنقد واستشكال القضايا التي هي شرط في الفن، لتبقى هذه التكنولوجيا تحاكي الإنسان فقط، ولا تستطيع أن تعوّضه. 

للإشارة، أُعلن عن أن الندوة الرابعة والأخيرة لمنتدى الفكر الإسلامي لهذه الطبعة، ستكون استثناء يوم الإثنين الفاتح أفريل المقبل بالمركز الثقافي بجامع الجزائر.