أسّس لفن التنويعات الهندسية

مدرسة الفنون الجميلة تتلقى هبة من عائلة جبران طرزي

مدرسة الفنون الجميلة تتلقى هبة من عائلة جبران طرزي
  • القراءات: 1055
لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف الفنان والأستاذ بالمدرسة العليا للفنون الجميلة كريم سرقيوة لـ"المساء" عن تلقي المدرسة لكتب الفنان التشكيلي اللبناني الراحل جبران طرزي كهبة، وهو ما اعتبره أمرا حميدا بل رائعا، مقدّما شكره لمارك طرزي ابن الفنان المتخصّص في الفن التجريدي الهندسي والذي رافقه طيلة مسيرته الفنية.

يذكر أن سبب إهداء كتب ووثائق الفنان المرموق جبران طرزي للجزائر ممثّلة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، هو تنويه واعتراف بنضال الشعب الجزائري الأبيّ في كلّ المجالات بما فيها المجال الثقافي، وكذا لإلهام الفنانين الشباب للتوفيق بين الحداثة العربية ومتطلّباتها وتراثنا الفني البصري القديم. وبما أنّ الهوية المشرقية العربية اعتبرت محور أعمال الفنان جبران طرزي الذي استحدث أسلوبا فنيا خاصا به، فإنّ إهداء مارك طرزي لكتب والده للجزائر، هو وفاء منه لتضحيات والده وأسرته في مجال الفن العربي التقليدي منه والمعاصر.

بالمقابل، جبران طرزي الذي ولد عام 1944 وتوفي عام 2010، هو سليل أسرة مارست الفن المشرقي منذ أكثر من مئتي سنة، مثل صنعها لتحف مرصّعة بالفضة. اهتم بممارسة التجريد سواء في الأدب أو حتى في الرسم، كما يعتبر في طليعة الفنانين الذين تخصّصوا في الهندسة، إذ أنّه مؤلّف التنويعات الهندسية، بعد بحث دام 15سنة.

وقد وُفّق جبران طرزي في إيجاد توازن بين التراث المشرقي والحداثة، مؤمنا بقضية الفن المشرقي وقدرته على الانطلاق إلى الحداثة. ليرحل عنا عام 2010 عن عمر ناهز 66 عامًا وذلك بعد سنتين من توقّفه عن الرسم ليكرّس نفسه للكتابة. وقد كتب عنه نجله في مقالة نشرها في صحيفة الكترونية، وقال إنّ جبران طرزي يعدّ اسما لامعا في الابتكار الهندسي الفني العربي، إذ ابتكر هذا الفنان المجدّد الرسوم الهندسية وتخطيطها ونظّمها على مئات الأوراق والخرائط قبل تحويلها وتطبيقها على لوحة ملوّنة.

وأضاف أنّ تنسيق الألوان بالنسبة لجبران استغرق منه وقتا طويلا من التأمّل وإعادة النظر والتفكّر والتركيز والتجارب، وهي عملية جنونية تحدى بها الوقت من الصباح إلى جوف الليل خلال 15 سنة. كما عانى من الوقوف لساعات طويلة لإنجاز أعماله.

وتابع أنّ كلّ هذا الجهد هو من أجل إنجاز عمل فني يليق باسمه ومكانته. فقد كانت كلّ لوحة تخفي قرابة 30 لوحة أو تجربة للألوان، حيث كان ينتهي من اللوحة الواحدة بعد تجارب تصل إلى عدّة أشهر. وكان يصرّح بأنّ لدينا إمكانيات وقدرات في مشرقنا ومغربنا لكي نأتي بفن حديث من دون استعارة تجارب أو أساليب الفنانين العالميين.

واعتبر مارك طرزي أنّ هذه الجرأة لتأسيس مذهب فني ومدرسة فنية عربية حديثة أغنت والده عن التغني بأمجاد أجداده في الفنون العربية التقليدية المشرقية. أي أصبحت أهمية إبداعه أهم من الانتماء إلى مدرسة فنية لآل الطرزي التي تمتدّ جذورها إلى العصور الذهبية العربية. فقد كان يهوى الحداثة لكن ليست تلك التي يتم استيرادها بل تلك التي تنبثق منها.

وأكّد صعوبة تصنيف عمل والده، وقد يستغرق ذلك عقودا من الزمن، معتبرا أنّ الجوهر ليس بما أنجزه والده بل بالمقاربة الفنية الفلسفية التي تتحدى مجتمع الفن والماضي والمستقبل بحثا عن الأعماق. فقد أطاح بالنفاق الفني والأدبي وتصدى له وظلّ مرفوع الجبين مؤمنا بما يقدّمه ومتحديا الألم، وكان يعلم أنّ بعد وفاته سيفهم الناس ويستوعبون ما قدمه، يضيف مارك طرزي الذي ذكر أنّ جبران طرزي لم يجمع بين شتى الفنون إنما أتى بالجديد والتجديد والعملية قد لا تنتهي هنا بل قد تلهم جيلا شابا عربيا ينهل من هذه التجربة، أي التساؤل حول عمق معنى الفن الذي يتمحور حول الكيفية والعمق والفلسفة.