ندوة "القيم الدينية والسلام العالميّ في ظل التغيرات الدولية الجديدة"

حديث عن أخلقة الضمير الإنساني وارتباط السلام بالعدل

حديث عن أخلقة الضمير الإنساني وارتباط السلام بالعدل
  • القراءات: 416
مريم . ن مريم . ن

انطلقت فعاليات الطبعة الثالثة من منتدى الفكر الثقافي الإسلامي تحت شعار "القيم الحضارية ورهانات المستقبل"، أول أمس، بقصر الثقافة "مفدي زكريا" ؛ حيث يتناول أساتذة وخبراء ومفكرون، كل ثلاثاء، قضايا وشؤونا مختلفة، لكنها لا تخرج عن محددات مضمون هذه الطبعة، التي لاقت الحضور، ويُنتظر منها الرواج والنجاح كباقي الطبعات السابقة.

نشّط الندوةَ الأولى من المنتدى الدكتور أحمد طالب. وتناولت مسألة "القيم الدينية والسلام العالمي في ظل التغيرات الدولية الجديدة" . وكان أول المتدخلين الدكتور عبد الرزاق قسوم في موضوع "الصيام كعلاج لتثبيت القيم الروحية" ، تطرق فيه لمجموعة من التأملات الاجتماعية في ظاهرة الصوم كقيمة إنسانية، تعيد بناء الإنسان، وتسمو به إلى المراتب العُلى من الإنسانية.

وثمّن المتحدث هذا المنتدى السنوي، الذي هو إطلالة على مجتمعنا، وأمّتنا، وإبراز القضايا؛ منها قيم الصوم، ومدى مساهمته في تثبيت القيم الإنسانية، ليقدّم بعدها تأملات إيمانية "ميتااجتماعية"(تتجاوز الفهم العادي للمجتمع)، موضحا ومحدِّدا أن التأملات هي نتيجة هذا الصوم؛ منها الصحوة العقلية التي تُذهب "البطنية" وتستدعي الفطنة، مضيفا أن البعض اليوم يعيش تديُّنا منقوصا، يتطلب تعميقا للمفاهيم، وبالتالي يرى أن الصوم يعني قيمة إيمانية، تعيد بناء الإنسان وفق قيم عالية تتجاوز الانقطاع عن الأكل والشرب، بل تسمو بالصائم من البهيمية إلى الملائكية الإنسانية العليا.

وأشار الدكتور قسوم إلى أن الصوم استغلته بعض العلوم حديثا؛ منها الطب في العلاج، وكذلك بالنسبة للرياضيين، والصوم أثناء المقاومة المسلحة كما جرى في فلسطين؛ من خلال "الأمعاء الخاوية" ، وكذلك مع الزعيم غاندي الذي صام من أجل توحيد الهند، ذاكرا أن هناك صوم العامة عن الأكل والشرب، وصوم الخاصة بالجوارح أيضا، ثم صوم الخاصة "الخاصة" ، الذين تعلقت قلوبهم بالله وفقط، مؤكدا أن الصوم قيمة أخلاقية وليس مجرد تعبّد.

أما المنسق العلمي للمنتدى ومدير ديوان "جامع الجزائر" الدكتور بوزيد بومدين، فقدّم تدخلا عن "القيم الروحية الكونية وقضية السلم العالمي"، أبرز فيه القيمة الإنسانية للصوم من خلال بعض النماذج؛ كصوم العبيد السود في الولايات المتحدة؛ كمن صبر منهم على الظلم.

وفي تاريخنا قامت الطريقة القادرية بتبنّي مقام الصبر عن الإمام أبوحامد الغزالي؛ ما ساهم في تعزيز روح المقاومة، والجهاد، والصبر عليه، مؤكدا أن حركة التاريخ تبنيها أيضا، القيم، التي أصبحت، اليوم، ضرورة لتحقيق السلام العالمي شرط أن يرتبط ذلك بالحق لا بالاستسلام والتطبيع؛ فلا سِلم بدون عدل وتقرير للمصير، متوقفا عند نظرية العدالة عند جون رامز؛ أن تحقيق الحقوق والديمقراطيات يساوي الحقوق، وتكافؤ الفرص.

وفي تراثنا خاصة المغاربي والإفريقي، توجد الضيافة التي استمد منها مفكّرو الغرب نظرياتهم، وتتعلق، أساسا، بمبدأ الجوار. ثم ظهرت الدبلوماسية الدينية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ليلتفت الكثيرون إلى نشر قيم السلم، وتجاوز صراع القيم بالحوار حتى على شبكات التواصل الاجتماعي، ليقف بعدها المتدخل عند تحدي الذكاء الاصطناعي الذي تجب أخلقة ثورته.

آخر المتدخّلين كان الدكتور عبد القادر بوعرفة من جامعة وهران2، بمداخلة عن "الإنسان المعاصر: متاهة الحاضر وآفاق المستقبل- من البعد الواحد إلى تعدّد الأبعاد"، ذكر فيها أن الإنسان المعاصر تحوّل إلى كتلة من اللحم بعدما فقد الأبعاد الإنسانية والقيمية، وأصبح ببعد واحد، هو "الشيئي" ؛أي المادة، بعدما غابت الروح، وأصبح لا وجود عنده للدين، ليقول: "أصبح الإنسان سافلا رغم الرقيّ التقني الحاصل".

كما أشار إلى أن مقاصد الشريعة في خلق الله للإنسان، هي استخلافه في الأرض، وذلك يعني استكمال كل جوانبه المادية والروحية وليس في بعد واحد ووحيد، لكن متاهات الحاضر مع الإنسان المعاصر جعلته مسلوبا، وغريبا، وفاقدا للمعنى؛ فأصبح فردانيا، علما أن المجتمع الغربي يشهد التفكك، وأحيل دوره على الدولة، فكانت الضغوط النفسية رهيبة، أملتها ظروف العيش، وأصبح الإنسان خاضعا للتقنية عوض العكس.

وكلما تقدمت التكنولوجيا كلما فقد الإنسان مزاياه، ناهيك عن أمور أخرى؛ منها الاحتباس الحراري مهدّد بيئة الإنسان، وكذلك الاحتباس الحضاري وما فيه من تصادم الحضارات وهيمنة منطق القوة والحرب، ثم العولمة والقرية الكونية التي ألغت الخصوصيات، ليختم المتدخل بسؤال المستقبل عن إعادة برمجة الإنسان وفق سبب وجوده في خلافة الأرض، ولن يتأتى ذلك إلا بالوعي الذاتي، وبالتفكير النقدي، وتعدد الأبعاد والمنظومات، وبالتنوع الثقافي، والتعارف، والسياحة، وبالترقي في مقامات الإحسان.