خبراء يدعون للتحضير لمواجهة الأزمات العالمية المتعاقبة

الاقتصاد الجزائري يملك مقومات الصمود

الاقتصاد الجزائري يملك مقومات الصمود
  • القراءات: 773
حنان حيمر حنان حيمر

أجمع خبراء في الاقتصاد، على قدرة الاقتصاد الجزائري على تجاوز الأزمات التي يشهدها العالم، شريطة تحويل الظروف الصعبة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، إلى فرص للنهوض بالاقتصاد الوطني وخلق ديناميكية تمكن الجزائر من الاكتفاء ذاتيا في جميع المجالات، وتوظيف إمكانياتها الكبيرة عبر شراكات مربحة، تسمح بتجنب الآثار المترتبة عن توالي الصدمات. 

أكد الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني، أن تكرار الأزمات والصدمات والحروب وكذا الكوارث على العالم، كان له أثر كبير على دول العالم الثالث والدول الريعية التي تعتمد على الاستيراد في تأمين غذائها واحتياجات مواطنيها. وذكر في تصريح لـ"المساء" بالتداعيات التي عاشها العالم جراء انتشار وباء كورونا بسبب الغلق الكامل لسلاسل التوريد، لاسيما في الصين وفي أكبر الموانئ العالمية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن وأسعار السلع وما خلفه من زيادة في مؤشرات التضخم، التي تواصلت بفعل الحرب المندلعة في أوكرانيا وكانت وراء أزمة غذائية غير مسبوقة، فيما يخشى أن تزيد الحرب الدائرة بغزة الطين بلة، خاصة اذا توسع نطاقها، دون إغفال آثار التغيرات المناخية والكوارث بكل أشكالها.

وقال محدثنا إن البحث عن آليات الصمود الاقتصادي، أصبحت رهانا وتحديا كبيرين، مشيرا إلى أن الجزائر اعتمدت سياسة قائمة على تنويع الاقتصاد وتوسيع مصادر الدخل وعدم الاتكال على المحروقات، مع التحكم في التجارة الخارجية لكبح الاستيراد ونزيف العملة الأجنبية، ولهذا اتخذت إجراءات لتنظيم الاستيراد وتوطين الإنتاج محليا وتحفيز الاستثمار المحلي، لإبعاد شبح الديون الخارجية ومحاولة تجنب الارتدادات التي عرفها العالم للوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي والامن الطاقوي والأمن الصحي وكذا الأمن المائي، عن طريق تشجيع الفلاحة والتصنيع المحلي وتثمين الموارد الأولية، موازاة مع حماية الطبقات المتوسطة والهشة بعدم فرض ضرائب جديدة على المواطنين وتواصل احتكار الدولة لاستيراد المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع.

وقال الخبير سليماني إن هناك بدائل استراتيجية على المدى المتوسط، لابد من اللجوء إليها في حال استمرار الأزمات العالمية، مع رسم خطط بعيدة المدى للخروج من التبعية لمصدر تمويل واحد، وتوسيع الشراكات مع الأجانب والاعتماد على الصناعات المحلية وترشيد النفقات، مشددا على أهمية بقاء أهم مؤشرات الاقتصاد الكلي "في الأخضر" والتحكم في التضخم حتى لا تتآكل مدخرات الدولة، مع تشجيع الاستثمار الأجنبي واستقطاب أموال السوق السوداء المقدرة بـ90 مليار دولار، والبحث عن مصادر تمويل جديدة، حتى لا تبقى الدولة عبر الصفقات العمومية الممول الأكبر للاقتصاد الوطني.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي ساعد سلامي، إن هناك ترابطا وثيقا بين السياسة والاقتصاد في العالم، وهو ما يفسر تأثر الأسواق بالأوضاع الجيوسياسية الحاصلة، لافتا إلى أن الاقتصاد الوطني ليس بمنأى عن تأثيرات الازمات المتتالية منذ 2018. وذكر في تصريح لـ"المساء" بـ"أزمة الحكم" ثم "الحراك" الذي عاشتها الجزائر والتي انجر عنها توقف في الحركية الاقتصادية، ثم بداية وضع المؤسسات الدستورية، الذي تزامن مع أزمات عالمية خلفت تضخما كبيرا وأزمة صحية خلفت حالة إغلاق ساد كل العالم وأثرت على الأسواق بصفة بالغة. وبالنسبة للجزائر، أكد محدثنا أن "الأزمة ولدت الهمة"، لأنها دفعت إلى تحفيز الصناعة الوطنية المحلية، "حيث تم خلق حركية اقتصادية كبيرة بعد غلق الاسواق الخارجية"، وهو ما بدا خيارا صائبا بعد نشوب الحرب في أوكرانيا التي شلت مركز العالم، بالنظر إلى الأهمية التي تحتلها روسيا وأوكرانيا في سوق الغذاء والطاقة.

وتحمل الحرب على غزة، مخاوف من حدوث خلل كبير وأزمة في الطاقة، وهو "ما يجرنا إلى الحذر والحيطة من أزمات عالمية مستقبلية تمس الأغذية والطاقة وسلع أخرى"، حسب الخبير، الذي اعتبر أنه على عكس ما هو حاصل في العالم، حيث انكمشت الاقتصادات وارتفع التضخم ووصلت الديون إلى حد أقصى، مع بداية ظهور ازمات أخرى تتعلق بالمياه والأدوية، "تمكنت الجزائر من بعث مخطط الانعاش الاقتصادي الذي أتى بثماره"، مبرزا بأن ذلك يبدو واضحا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، لاسيما نسبة النمو وفائضي الميزان التجاري وميزان المدفوعات وغياب الديون الخارجية، وفتح الاستثمار بقانون "هو الافضل منذ الاستقلال".

"كما لاحت بوادر حركية اقتصادية في أفق بلادنا، حسبه، من خلال خلق سوق داخلية تعتمد على الصناعة والفلاحة، وتقوم على أساس إحصاء دقيق للثروات، مع انعاش قطاع النقل وتطوير القطاع المالي بفتح المجال أمام الصيرفة الاسلامية وفتح بنوك في الخارج واصدار قانون مكاتب الصرف، مع المشاركات الهامة في المعارض التجارية بالخارج وانشاء مناطق تجارة حرة". وهي عوامل تؤكد وفقا للخبير "تحقيق حركية هائلة عكس ما عشناه في فترة الفساد التي كان استمرارها يؤشر لتأثر كبير بتداعيات الأزمات نظرا لهشاشة الاقتصاد الذي كان يعتمد على الاستهلاك". وخلص  سلامي إلى أن اقتصاد الجزائر أبان عن "مرونة وصحة" خلال الأزمات، متوقعا أن يصبح، بجلائها، من الاقتصادات الفاعلة، لاسيما في حال العمل على خلق تضخم مستقر والإفراج عن مشاريع كبرى لخلق الآلاف من مناصب العمل.