سكان الأحواش بالعاصمة في انتظار التسوية
المعنيون يطالبون بالترحيل أو السماح بالبناء
- 782
رشيد كعبوب
رغم أن ولاية الجزائر قطعت أشواطا كبيرة في القضاء على الأحياء القصديرية، التي انتشرت بشكل رهيب خلال العشرية السوداء، فإن العديد من الأحواش لا تزال مغروسة بمزارع العاصمة، ولم تعط المصالح الفلاحية للولاية إجابة صريحة حول مصيرها، ولم يعد هناك حديث عن المشروع الذي وعدت به ولاية الجزائر، لتمكين الشاغلين من الفلاحين وأبنائهم وأحفادهم من بناء سكنات لائقة، تتكيف مع طبيعة النشاط الفلاحي الذي يمارسونه، ولا تستزف العقار.
تحصي ولاية الجزائر، مئات العائلات القاطنة في بيوت هشة بعديد المزارع الكائن أغلبها بالبلديات شبه الحضرية، حيث لا تزال الكثير من المساكن الهشة أو "الأحواش"، تتوسط مزارع وعقارات فلاحية شاسعة، ويجهل شاغلو هذه المساكن من الفلاحين وأبنائهم، مصير هذه المساكن، التي لم تفصل في وضعيتها السلطات العمومية، متسائلين عما إذا كانت السلطات العمومية ستستجيب لمطالبهم في تسوية وضعية الأراضي التي يشغلونها، منذ الاستقلال، أم أنها ستقوم بترحيلهم إلى شقق جديدة وتعيد الأوعية العقارية إلى القطاعات التابعة لها، وأغلبها مصالح الفلاحة.
قاطنو الأحواش: عجّلوا بترحيلنا أو اسمحوا لنا بالبناء
ومن بين المعنيين بهذا الملف سكان حوش مهدي بوعلام، ببلدية براقي، الذين ذكروا لنا أنهم استغلوا العديد من المستودعات والقصور القديمة، التي تعود للمعمرين الفرنسيين، وآخرين نزحوا خلال العشرية السوداء، فشيدوا مساكنهم على مساحات فلاحية، ورغم أن أصحاب المستثمرات الذين، يتحملون مسؤولية تعمير أراضي فلاحية خصبة، حسب إدارة المصالح الفلاحية، فإن أغلبهم سمح لأهله وأقاربه بالبناء، في وقت كانت الدولة مركزة على الجانب الأمني واستعادة الاستقرار.
ويطالب من التقتهم "المساء" من سكان الأحواش مصالح ولاية الجزائر الفصل في مصير سكناتهم، إما بترحيلهم إلى سكنات لائقة، أو السماح لهم بالبناء وفق رخص خاصة، تأخذ في الحسبان طبيعة الأرضية، حيث أكد أحد سكان حوش مهدي بوعلام، أن هذا الحوش كان يضم في بداية الاستقلال عائلات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، كانوا يخدمون الأرض، لكن مع التغيرات الحاصلة، والظروف غير المستقرة، ارتفع عدد السكان اليوم إلى أكثر من 300 عائلة، مشيرين إلى أنه رغم أن السلطات البلدية قامت بتهيئة الحي وتعبيد مسالكه، إلا أن بناياته غير متناسقة، وأخرى هشة، تنفي عن هذا الحوش أن يكون له مواصفات حي لائق يمكن أن يتنقل سكانه فيه بحرية، وكذلك الحال بالنسبة لأحواش كل بلديات العاصمة، التي لم يجد رؤساء البلديات لها حلا، رغم أنها تعد بالنسبة لهم "نقاطا سوداء" يتطلب إزالتها.
وكذلك الأمر بالنسبة لسكان حوش الحاج الكائن ببلدية السحاولة، إذ لا تزال وضعيتهم معلقة، ويفضل القاطنون بهذا الحوش البقاء في أماكنهم، وعدم ترحيلهم، لأنهم مرتبطون بأراضيهم، كما يشكو سكان آخرون التقيناهم في عدة مواقع، وضعيتهم الصعبة، مؤكدين أنهم يعيشون التهميش من قبل مسؤولي البلديات الذين يستثنونهم من الاستفادة من السكن الاجتماعي وكذا برنامج الترحيل الموجه لقاطني البيوت القصديرية والهشة، مشيرين إلى أن وضعيتهم تتعقد بشكل أكبر، خلال فصل الشتاء، لاسيما أنهم لا يستطيعون ترميم سكناتهم وتجديدها، كونها ليست ملكهم، ولازالت أوعيتها تابعة لأملاك الدولة، وبالتالي لا يمكن أن استغلالها في بناء سكنات جديدة، حتى وإن كانوا يشغلونها منذ عهد الاستعمار.
البلديات تقترح الترحيل وتبحث عن الأوعية العقارية
وفي ظل هذه الوضعية العالقة، لا تجد مصالح البلديات من حل إلا الإلحاح على السلطات الولائية لاستكمال ترحيل الشاغلين للأحواش إلى سكنات لائقة، في إطار برنامج القضاء على البيوت القصديرية، لعلها تسترجع بعض الأوعية العقارية لاستغلالها في تجسيد المشاريع المحلية، لاسيما وأن معظم بلديات العاصمة تفتقر إلى أراضي موجهة للتعمير.
ومثال ذلك، حي حوش سيدي أمبارك، الذي كان يضم أكثر من 400 عائلة، ويقع وسط مدينة بئر خادم اكتفت مصالح البلدية بإحصاء شاغليه، وقامت مصالح الولاية، بترحيلهم في ديسمبر الماضي، حيث سيستقبل الوعاء المسترجع مشروع بناء سكنات "عدل"، وكذلك الحال بالنسبة لمزرعة "لابلونشات" بجنان السفاري، التي ستستقبل مشروع إنجاز مسبح شبه أولمبي وأحواش أخرى، تقوم مصالح ولاية الجزائر بإحصائها وجمع معلومات بشأنها، بالتنسيق مع المصالح البلدية.
ويسعى "أميار" العاصمة الذين يوجد بأقاليم بلدياتهم أحواش قريبة من المحيط العمراني وداخله إلى التخلص من هذه المساكن، التي تشكل نشازا عمرانيا، وتشغل أوعية عقارية هامة، تحتاجها البلديات لتجسيد عديد مشاريع الهياكل العمومية في مختلف القطاعات.
وكان عدة "أميار" سبق أن صرحوا لـ«المساء"، أن مجالسهم لم تتمكن من تهيئة الأحواش أو ترحيل سكانها وتسوية وضعيتها بصفة نهائية، لاسيما بعد تراجع الولاية عن قرار تثبيت السكان في أراضيهم وتهيئة مساكنهم، بسبب طبيعة الأراضي التي لا تخص ولاية الجزائر لوحدها، بل تشترك فيها عدة قطاعات منها المصالح الفلاحية وأملاك الدولة.
واكتفت مصالح البلديات للتخفيف عن سكان الأحواش بإجراء بعض العمليات، التي تخص توفير قنوات الصرف الصحي، التزويد بمياه الشرب، والكهرباء، وتعبيد المسالك، كحل مؤقت، في انتظار التكفل بها، لكن هذا لا ينفي أن الأمور تتعقد من سنة إلى أخرى، جراء الانفجار الديمغرافي، وما يصحبه من مشاكل اجتماعية.
وفي ظل هذه الوضعية، تحرص مديرية المصالح الفلاحية لولاية الجزائر، حماية ما بقي من الأراضي الفلاحية، بمنع البناء عليها، وفقما تشدد بشأنه القوانين وتلح على الفلاحين المستفيدين من حق الانتفاع أو الامتياز، بضرورة الدفاع عن أراضيهم، وخدمتها، وعدم السماح لأي كان بالتعدي على العقار الفلاحي.