التعليم الحر في الجزائر أثناء الثورة

معركة لإعداد الرجال وتحرير العقول

معركة لإعداد الرجال وتحرير العقول
المؤرخ محمد غرتيل
  • القراءات: 638
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

تحدث الأستاذ المؤرخ محمد غرتيل لـ"المساء"، عن الجهود الكبيرة التي بذلها المستعمر الفرنسي لتفكيك المجتمع الجزائري، وفصله عن ماضيه، ليسهل احتوائه، فاستهدفت بذلك الدين الإسلامي واللغة العربية، فأصدرت قانونا في 18 أكتوبر 1892، يقضي بمنع فتح أي مدرسة إلا برخصة، وحتى تسلم الرخصة، هناك عراقيل تحول دون ذلك، وقد افتخر الفرنسيون بذلك بقولهم: "لقد حولنا المجتمع المسلم إلى مجتمع أكثر جهلا وظلاما مما كان عليه". كما عرج الدكتور غرتيل على المراحل التي مر بها التعليم العربي الحر في الجزائر، أثناء الاحتلال الفرنسي، لتجد رجالا وقفوا وكانوا بالمرصاد في ثورة العلم الخفية التي كسرت قيود العقول وحررت العباد.

أكد المؤرخ غرتيل أن التعليم مر بظروف صعبة و معقدة إذ سعت سلطات المحتل إلى القضاء على هوية الشعب الجزائري و فصله عن جذوره الحضارية لتجسيد سياسة الإستيطان، فركزت على محاربة اللغة العربية، حيث دعا الكثير من الفرنسين إلى تعليم اللغة الفرنسية حتى يسهل دمج الأهالي، فكان يقول المجرم بيجو: "السيف والمحراث والقلم"، وأنشأ السجل المدني عام 1882، الذي غير ألقاب الجزائريين، وفي سنة 1902، غيرت أسماء بعض المدن إلى الفرنسية، وأمام هذا الخطر المحدق بالأمة الجزائرية، كان لزاما على أبنائها خوض الحرب الخفية الأكثر خطورة، معركة الوعي، كما أوضح المتحدث.

علماء ومشايخ حملوا على عاتقهم معركة الوعي

قال المؤرخ محمد غرتيل: "للدفاع عن مقومات الشعب الجزائري والتصدي لسياسة التغريب والتهجين، الرامية إلى سلخ الجزائريين عن انتمائهم الحضاري، برزت في الجزائر، نخبة من المشايخ والعلماء حملوا على عاتقهم لواء معركة الوعي والعلم والقلم، فتصدروا المشهد الثقافي والإصلاحي، بإنشاء مؤسسات التعليم العربي الحر في كامل القطر الوطني".

عرض المؤرخ غليزان نموذجا قائلا: "ففي منطقة غليزان، على سبيل المثال، كان التعليم العربي الحر يتبع نظاما تقليديا وموحدا، تم توارثه أبا عن جد، حيث كان الطالب الذي يطلق عليه "القندوز"، يتعلم على شيخه الكتابة والقراءة، ثم يحفظ القرآن الكريم، وبعد ذلك، يتابع القندوز دراسته لتحصيل العلم الذي كان يقصد به النحو والصرف والفقه المالكي والتوحيد والتفسير والحديث الشريف والسيرة والمنطق والتصوف الإسلامي، ويأخذ الطالب هذا العلم عن مشايخ مشهود لهم بالكفاءة، ثم يخرج بإجازة تسمح له بممارسة التعلم، إلى جانب الإفتاء والتوثيق. أما المراجع المعتمدة في هذه المراكز التعليمية، لتدريس الطلبة هي (الأجرومية) و(قطر الندى) و(ألفية ابن مالك في النحو والصرف) و(منظومة ابن عاشر) و(شرح الموطأ) و(السيرة النبوية لإبن هشام) و(تفسير ابن كثير) و(صحيح البخاري)، و(الأربعين النووية)" .

يواصل المؤرخ حيال ما شهده التعليم من عراقيل: "لقد واجهت الزوايا والجوامع والمدارس الحرة المتواجدة في غليزان، سياسة الفرنسة التي راهنت عليها إدارة الاحتلال، لتجسيد أهدافها عن طريق المدرسة الفرنسية، وساهمت المراكز في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس الفقه المالكي، معتمدة في ذلك، على النقل والحفظ، وكان التدريس فيها ينظم على شكل حلقة، إذ يلتف الطلبة حول الشيخ الذي يلقي عليهم دروسه من الكتاب. أما تحفيظ القرآن للأطفال، فيتم باستعمال اللوحة والمداد، ومع ظهور المدارس الحرة (مثل مدرسة الفتح سنة 1943)، ظهرت البرامج التعليمية والطرق التربوية المستلهمة من الثقافة العصرية.

أبرز المدارس الفعالة آنذاك

تحدث المؤرخ غرتيل عن الزوايا قائلا: "لعل أبرز المراكز التعليمية بمنطقة غليزان؛ مدرسة مازونة الشهيرة التي أسسها الشيخ امحمد بن الشارف في القرن 12 هجري، وكانت مركز إشعاع ثقافي وعلمي وديني، وظلت مقصد كل الطلبة من جهات الوطن إلى غاية 1939م، وقد تخرج منها العديد من الأئمة والفقهاء. مدرسة سيدي عبد القادر بن يسعد بقرية الدبة قلعة بني راشد، والتي درس فيها العديد من الفقهاء والعلماء، تأسست خلال القرن 17 م«.

ذكر المؤرخ أيضا، زاوية الشيخ بلقندوز القداري بالمطمر، وزاوية سيدي غلام الله بحمري (جديوية)، وزاوية الشيخ بصافي بدوار لغوال في دار بن عبد الله، وجامع سيدي دحمان بالقلعة، وزاوية سيدي عدة بن محي الدين بسيدي خطاب. وكانت معاهد وزوايا كثيرة تستقبل طلبة غليزان، منها زاوية مجاجة، زاوية الشيخ بشرقي، زاوية الشيخ بتكوك وزاوية الشيخ بلحول.

تصنيف المراكز التعليمية في إلى ثلاث

قال غرتيل: "صنف من الزوايا والجوامع تستقبل الطلبة المسافرين، وتحوي على مرقد، إلى جانب قاعة التعليم، ويعتمد الطلبة في عيشهم على المحسنين ومساعدات السكان من الصدقات يطلق عليها (الميجود) أو صدقة الرتبة (البيت الذي يتكفل صاحبه بتقديم الطعام)، وهي بدورها تنقسم إلى صنف يحفظ القرآن فقط، وصنف يدرس الفقه وعلوم اللغة العربية. أما الصنف الثاني، فهي الزوايا والجوامع التي لا تتكفل بالمسافرين والصنف الثالث، يتمثل في المدارس العصرية التي عرفتها المدينة، مثل مدرسة الإصلاح الميزابية التي تأسست سنة 1929، ومدرسة الإرشاد التي كان يشرف عليها الشيخ الحسن الطولقي عام 1932، ومدرسة الشيخ جلول بوناب ومدرسة الفتح التي تأسست سنة 1943م".

وقد انتشر التعليم العربي الحر في مدينة غليزان، منذ القرن 19، بتأسيس الزوايا والجوامع خاصة في حي القرابة الشعبي، الذي كان يعيش في جو ثقافي يختلف عن وسط المدينة. ونذكر من بين أبرز الزوايا المستقرة في غليزان، هي زاوية الشيخ بن عبد الله شنتوف سنة 1882م، و زاوية سيدي عبد القادر بن عدة سنة 1900م، ثم زاوية سيدي عدة غلام الله،  سنة 1912م، و زاوية المكايك سنة 1918م، و الزاوية العلاوية سنة 1920م ، وزاوية الشيخ قويدر بن عمار سنة 1948م، كما تأسست بحي القرابة الجوامع أبرزها جامع سي عبد القادر بلعالية سنة 1886م ، وجامع بن طيبة بحري، وجامع برزيق، وجامع الشيخ امحمد بلمجاهد بلفضيل، وجامع الحاج محمد العماري(بن هريقة) سنة 1943م، وجامع بن يمينة بن عودة سنة 1958م، وجامع الحاج بوزايدة عام 1958م، وجامع ولد سيدي رابح ( زبار) سنة 1958 م.

في الختام، أشار المؤرخ إلى المساهمين في الثورة التعليمية قائلا: "لقد ساهم المحسنون والمشايخ في هذه الثورة الثقافية، والحركة الإصلاحية من أمثال فضيل بن يمنة، وعائلة فرانسيس، وقايد عامر أحمد، والشهيد بلكيلالي محمد، وعائلة كرالوة، وبسباع عدة، وبن حريقة محمد، وعزوز محمد،  والشيخ واضح خليل، والشيخ عبد العزيز مكي، وعائلة شاوش، وعائلة بوعزة، والشيخ جلول بوناب"، وغيرهم.