أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، اعمر بغزوز يلخص أهم السيناريوهات

توقعات بإطالة أمد حرب بالوكالة في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب

توقعات بإطالة أمد حرب بالوكالة في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب
  • القراءات: 259
صبرينة محمديوة صبرينة محمديوة

تدخل الحرب الروسية ـ الأوكرانية يوم غد، عامها الثاني وسط توقعات بإطالة أمدها في ظل معطيات تؤكد استمرار الاقتتال في ظل غياب مؤشرات عن امكانية ترجيح الخيار السلمي والحل التفاوضي لحرب لا أحد بإمكانه توقع متى تكون نهايتها.

وفي هذا الحوار مع جريدة "المساء" سلط أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، اعمر بغزوز، الضوء على سيناريوهات الحرب المتوقعة مع دخولها عامها الثاني وعن نتائجها، مشددا على أن الحل السلمي لاحتواء هذا الصراع المسلّح يبقى أفضل خيار للبلدين المتحاربين ولكل المجموعة الدولية.

المساء: ما هي توقعاتكم لسيناريوهات الحرب الروسية ـ الأوكرانية في عامها الثاني؟ 

الأستاذ اعمر بغزوز: نعلم أن الحرب تندلع بشكل مفاجئ ولكننا لا نعلم متى تنتهي وهذا هو حال الحرب الروسية ـ الأوكرانية، حيث ساد الاعتقاد في بداياتها أنها حرب خاطفة والروس أنفسهم كانوا يعتقدون ذلك، غير أن الواقع أثبت شيئا مغايرا واتضح أنها حرب من نوع خاص، كونها تتم بالوكالة بالنظر إلى وجود عوامل خارجية أثرت على النزاع في ظل تضارب مصالح القوى المتحاربة بطريقة مباشرة بين الروس والأوكرانيين أو بطريقة متعدية إلى مختلف الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وساعد تضارب المصالح بين القوى المتصارعة على تعقيد الوضع خاصة في ظل مواصلة الدول الغربية في إغراق أوكرانيا بمختلف الأسلحة، في محاولة لتغليب كفّة الحرب لصالح أوكرانيا ضمن رهان لم يتحقق بعد عام منذ اندلاع الحرب.

وهي وضعية تزيد الاقتناع باستحالة حسم الموقف عسكريا، ويفتح الطريق أمام تغليب الحل الدبلوماسي عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين المتحاربين وهو أمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن.

وهو ما يدفع إلى احتمال الوصول إلى السيناريو الأسوأ بتوسع رقعة الحرب إلى مواجهة مفتوحة مباشرة بين روسيا ودول حلف "الناتو" التي تقوم بتزويد الجيش الأوكراني بأسلحة هجومية ثقيلة بعد أن كانت في بدايات الحرب مقتصرة على الأسلحة الدفاعية. ضمن معطى جد هام جعل متتبعين لمجريات الحرب يتخوفون من توسع رقعة الحرب إلى دول أوروبا، باستعمال هذه الأسلحة المتطورة والتي قد تدفع إلى استخدام السلاح النّووي.

س: ما هي في نظركم المكاسب التي حققتها الدولتان المتحاربتان بعد عام من اندلاع الحرب؟                                                

ج: اعتقد أنه في الحرب لا توجد مكاسب ولا يوجد منتصر، على اعتبار أن الانتصار العسكري قد يعطي حقيقة مغايرة بالنظر إلى ترابط المصالح الدولية في إطار ما يسمى العولمة، كون السلم لا يقبل التجزئة وبالتالي لن نتصور أن تهزم روسيا ويبقى الوضع الدولي مستقرا، وهو ما يعزز ضرورة تغليب مقاربة الحل التفاوضي كونه الخيار الأمثل بالنسبة لكل المجتمع الدولي.

والمؤكد أن روسيا ستكون هي الرابحة عسكريا وهو ما جعل الدول الغربية تمد أوكرانيا بمختلف الأسلحة والأموال الطائلة، في محاولة منها لمنع اختلال توازن معادلة الحرب لصالح روسيا بما جعلنا لا نسمع من ينادي بإيقاف الحرب رغم كل المخاطر المحدقة بالمنتظم العالمي كله.

ولذلك فإن رهان روسيا يبقى كما جاء على الرئيس فلاديمير بوتين في كل مرة، يبقى إسقاط نظام الرئيس فولوديمير زيلنسكي ضمن خطة استراتيجية لتأمين العمق الروسي من أي هجومات محتملة من طرف قوات حلف "الناتو"، في وقت لا يتوقع فيه أن يصمد الجيش الأوكراني أمام قوة الجيش الروسي حتى في ظل استفادته من دعم عسكري غربي متواصل.

وضمن هذا المنظور فإن روسيا  تسعى جاهدة لتحقق أهدافها العسكرية من خلال فرض سيطرة قواتها على مختلف المدن الاستراتيجية الأوكرانية لإرغام كييف، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق شروطها في مسعى يبقى صعبا إذا راعينا مواقف مختلف الأطراف المتورطة بطريقة أو بأخرى في هذه الحرب.

س: هناك من يرى أن الولايات المتحدة ستخرج أكبر المنتصرين من حرب أدارتها من وراء ستار ما هو رأيكم في هذا الطرح؟

ج: هي نظرة مقبولة وواقعية باعتبار أن في العلاقات الدولية لا توجد فيها أعمال خيرية، بل توجد مصالح تحكم هذه العلاقات حتى بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رغم انتمائهما إلى معسكر واحد، بخلاف أنهما في هذه الحرب يلتقيان في مصلحة واحدة وهي كسر قوة روسيا وتحييدها.

ولكن يمكن القول إن الولايات المتحدة تبقى الطرف الرابح إلى حد الآن بصفة غير مباشرة، على اعتبار أن الدول الأوروبية التي أيدت النظام الأوكراني كانت أكبر  المتضررين من الناحية الاقتصادية بعد أن لجأت روسيا إلى استخدام ورقة الغاز والنّفط وحتى القمح في وجهها مما خلّف تداعيات كارثية على الأسعار، وارتفاع نسبة التضخم مما أثقل كاهل المجتمعات الأوروبية. وهو وضع يخدم الولايات المتحدة التي يسير منطقها باتجاه إبقاء حلفائها في الضفة الأخرى للأطلسي تابعين لها من خلال إيجاد عوامل إضعافها، وقد جاءت هذه الحرب لتصب في سياق هذه الرغبة المتجذرة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية.

ولكن لا يجب أن نأخذ هذا المعطى في سياقه المطلق على اعتبار أن من مصلحة الولايات المتحدة كذلك إبقاء أوروبا قوية عند حدود معينة لتستخدمها في مواجهة التمدد الروسي الرامي إلى استعادة مجد الإمبراطورية الروسية.

س: ما الذي يمكن استخلاصه من نتائج وفرضيات بعد عام من الحرب؟

ج: إذا حاولنا أن نضع حصيلة لنتائج وتداعيات الحرب في أوكرانيا يمكن القول إنها كارثية للاقتصاد الأوكراني ولكن في نفس الوقت هو فرصة لإعادة إعمار أوكرانيا من جديد، وهنا تظهر المصالح الضيقة للدول التي ترغب في إطالة عمر الحرب.

وما يمكن استخلاصه أيضا أن هذه الحرب أعادتنا إلى ما يسمى بالحرب التقليدية، في وقت ساد الاعتقاد بأننا نعيش في عالم يسوده السلم والاستقرار لنصطدم بواقع انتعاش سباق  التسلّح في العالم كله.

كما كشفت هذه الحرب أن العالم يسير نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد تجلى ذلك بمناسبة فرض عقوبات دولية على روسيا، حيث عرف المجتمع الدولي أكبر شرخ بين دولة مساندة للمسعى وأخرى معارضة، بعد أن أعطت قراءة مغايرة للحرب وأهدافها وتيقنت أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض هيمنتها على عالم يريد التخلص من نزعة القطب الواحد.