ضربة قاضية للطاعنين في “أبوّته”

الراي تراث عالمي بقلب “جزائري”

الراي تراث عالمي بقلب “جزائري”
الراي تراث عالمي بقلب “جزائري”
  • القراءات: 796
نوال جاوت نوال جاوت

سعت الجزائر، دوما، إلى حماية تراثها الثقافي، الذي يمثل الهوية الوطنية، وعدم التنازل عنه للغير، أو تشويهه أو السطو عليه، وقطع الطريق أمام كل محاولات التقليل من شأن الركائز الحضارية لبلد بحجم قارة، وبتنوع ثقافي وتراثي لا ينضب، وكثيرا ما كان “الراي” في قلب تجاذبات هوياتية، تطعن في “جزائريته”، وتنسبه لغير منبته، لكن بتسجيل الراي كغناء شعبي جزائري على قائمة التراث غير المادي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، الخميس الماضي، تكون الجزائر قد ربحت معركة خاضتها منذ سنين.

شعبي جزائري على قائمة التراث غير المادي للإنسانية، من طرف منظمة اليونسكو، معتبرة أن هذا التصنيف “يشكل، بالنسبة للجزائر، شهادة حاسمة باعتراف العالم بهذا النوع الثقافي والفني والموسيقي؛ كرسالةِ صداقة، وحب، وسلم، رسالة هي في الحقيقة مُهداة للعالم، وللإنسانية جمعاء”، داعيةً الشباب الجزائري إلى صون هذا الموروث والتراث الشعبي الجزائري بدون أن يشوبه غريب الكلام واللحن.

اعتراف دوليٌّ وتأكيد جزائريٌّ

وقدّمت الوزيرة تشكراتها للجنة الحكومية الدولية المجتمعة في دورتها السابعة عشرة بمدينة الرباط المغربية، وكذا اللجنة الحالية للتقييم، نظير خبرتها الموضوعية والنزيهة، التي حققت هذا الاعتراف الدولي، إضافة إلى الدول التي ساندت هذا الترشح، وكذا أمانة الاتفاقية، على الجهود المبذولة، والعمل المُنجَز في جو من التبادل، والسماع، والمرافقة، بدون إغفال الدور الكبير الذي قام به الباحثون والمختصون الجزائريون من مختلف المؤسسات التابعة لوصاية وزارة الثقافة والفنون، الذين اشتغلوا كثيرا على هذا الموضوع.

وأكدت مولوجي: “لا يَخفى على أحد التزام الدولة الجزائرية بخدمة كل ما تباشر به منظمة “اليونيسكو” من أجل الثقافة والتراث، والفنون العالمية. وهي تسعى إلى توسيع نطاقه أكثر من ذلك. كما ستعمل على تعزيزه بكل الوسائل الضرورية؛ لضمان سيره بانتظام وكفاءة”، مشيرة إلى أن “الجزائر تتقدم باسم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وباسم حكومتها وشعبها، بتشكراتها الخالصة لمنظمة اليونيسكو، نظير تسجيلها “الراي”، غناءً شعبيا جزائريا، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية”.

ابن الأحياء القديمة

والراي ليس مجرد موسيقى؛ إنه مسار فني كامل، تمرد على المحظور السياسي والاجتماعي، وخرج من الأحياء الجزائرية القديمة بروح جديدة مع مجموعة من الشباب الذين قادوه من المحلية إلى العالمية، كواحد من أهم الموسيقات الإفريقية والعالمية. لكن ظهور الراي شابَه الكثير من الجدل حول انطلاقته الحقيقية، والبيئة التي استلهم منها خصوصياته، إلا أن الباحثين يُجمعون على أنه ابن الأحياء القديمة.

الشاب خالد، الشاب حسني، الشابة الزهوانية، الشاب مامي، وغيرهم كثيرون، فنانون جزائريون، أوصلوا أغنية الراي إلى العالمية، بعد أن انطلقوا بها من أحياء شعبية قديمة، ليصلوا إلى الغناء في أكبر المسارح في شتى أنحاء العالم.  ويكتسي هذا الفن أهمية بالغة. ففي الحادي والثلاثين من مارس 2021، أعادت الجزائر، رسميا، إيداع تصنيف ملف الراي ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بعد سحبه في ديسمبر 2020؛ لضعف الملف تقنيّا.

وفي عام 2005، أصدرت اليونسكو نشرة خاصة باللغة الفرنسية، عن الأنواع الموسيقية الإفريقية، قالت فيها إن “الجزائر التي تعتبر نفسها موطن موسيقى الراي بامتياز، أخرجت هذا النوع الغنائي خلال القرن الماضي في منطقة وهران”. انطلاقة الراي بدأت من أزقة وأحياء وهران العتيقة، التي برزت منها أسماء لامعة في هذا الفن. كما التحق بهم نجوم من مدن مجاورة؛ كسيدي بلعباس، وعين تيمشونت. وبدأت مسيرتهم وشهرتهم من وهران، يتقدمهم الشاب مامي. ومن بين أبرز الأحياء المعروفة التي خرجت منها موسيقى الراي وتعدت شهرتها حدود البلاد، حي “قمبيطة”، و«الدرب”، و«بلاطو”.

بلوغ العالمية في وقت قياسي

في تصريح سابق أدلى به الكاتب الجزائري سعيد خطيبي، مؤلف كتاب “أعراس النار.. قصة الراي” (صدر في 2010 عن منشورات إبيك)، قال إن “الراي الموسيقى الوحيدة التي تمكنت من بلوغ العالمية في وقت قياسي، حتى إن القاموس الفرنسي “لاروس”، أدرج كلمة الراي في 1998، ضمن مصطلحاته”. وكتب خطيبي في مقال خصصه للحديث عن الفنان الجزائري الشاب حسني الذي قُتل برصاصة غادرة، “الراي هو “رحبة”، تستوعب العادي والممنوع، الشاذ والطبيعي، هي البيئة الوحيدة التي يمكن أن ينمو فيها المتناقضان جنبا إلى جنب، ويحدث فيها اختلاط دونما حرج. هي الداخل والخارج، الوطن والغربة، الاستقرار والهجران. الراي كان ولايزال قِبلة من ضل طريقه بحثا عن إنسانية أكبر، وهو مهد تجارب العشق وممارسة المحرمات”.  وأول مهرجان للراي نُظم بوهران عام 1985، تلاه مهرجانان بمدينتي وجدة (شرق المغرب على حدود الجزائر)، وطبرقة (غرب تونس، قريبة من الجزائر)، فيما نُظم أول مهرجان بباريس في 1987، حسب خطيبي.

9 ممتلكات مصنفة والمزيد آتٍ

مع إدراج فن الراي ـ الغناء الشعبي الجزائري ـ يوم الخميس في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، تكون الجزائر قد رفعت إلى تسعةٍ، عددَ الممتلكات الثقافية المصنفة على هذه القائمة المرموقة. أما أول ملكية ثقافية أدرجتها الجزائر، فتتمثل في أهليل قورارة، والأشعار الغنائية المصحوبة بالرقص، التي تتم خلال الاحتفالات الجماعية والأعياد الدينية في منطقة شمال أدرار، والتي اقترحها الباحث رشيد بليل في سنة 2008.

وكانت الجزائر اقترحت في سنة 2012، الطقوس والمهارات الحرفية المرتبطة بتقاليد زي الزفاف التلمساني، ليُتبع في سنة 2013، بإدراج الحج السنوي إلى ضريح سيدي عبد القادر بن محمد، المعروف بـ “سيدي الشيخ”، وذلك باقتراح من الباحث أحمد بن نعوم. وشاركت الجزائر، في نفس السنة، في أول الملفات متعددة الجنسيات، لإدراج العادات والمهارات المرتبطة بالإيمزاد؛ الآلة الموسيقية الضاربة في القدم ذات الوتر الواحد، التي تعزف عليها وتقوم بتصنيعها النساء  التارقيات في كل من الجزائر ومالي والنيجر. وقد أشرف على تنسيق هذا الملف، المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان، مع عالم الأنثروبولوجيا، بادي ديدة.

أما في سنة 2014، فقد جاء الدور على احتفال السبيبة، الذي يجري كل سنة في واحة جانت، ليلتحق بالقائمة الممثلة للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، قبل أن يلجأ الباحث رشيد بليل، إلى المؤسسة الأممية لتصنيف “السبوع”؛ الحج السنوي إلى زاوية سيدي الحاج بلقاسم بقورارة؛ احتفالا بالمولد النبوي.

وكانت وزارة الثقافة أودعت، أيضا، ملفا لتصنيف مهارات ومعارف القائمين على تسيير مياه الفوقارات بتوات - تيديكلت (منطقة أدرار)، والتي أُدرجت على قائمة التراث غير المادي، الذي يتطلب حماية ومحافظة عاجلة. أما في سنة 2020، فقد جاء دور طبق الكسكس والمهارات والممارسات المتعلقة بإنتاجه، ليدرَج ضمن التراث غير المادي للإنسانية، باسم أربع دول شمال إفريقية. وفي سنة 2021، أُدرج الخط العربي والمعارف والمهارات والممارسات المرتبطة به، وهو ملف متعدد الجنسيات، قُدم باسم ستة عشر بلدا، من بينها المملكة العربية السعودية، والبحرين، ومصر، والأردن، وموريتانيا، وفلسطين، وكذلك تونس.