في أجواء تضامنية يصنع فرحتها الأطفال بسكيكدة
المولد النبوي... لمُّ شمل العائلة حول طبق "الشخشوخة"

- 577

تولي الأسرة السكيكدية بمختلف شرائحها، أهمية قصوى لإحياء العديد من المناسبات الدينية، من خلال العادات والتقاليد المتوارَثة، التي تقوم بإحيائها في أجواء إيمانية تضامنية، يصنع الأطفال بهجتها وفرحتها.
والاحتفال بالمولد النبوي الشريف عند الأسر السكيكدية الذي يُعتبر عادة متوارثة تأبى، هي الأخرى، الاندثار، يتم الاستعداد له أياما قبل حلوله، من خلال الشروع في تحضير المادة الأولية التي تدخل في طبق عشاء ليلة المولد، والمتمثلة، على وجه الخصوص، في "الشخشوخة" المعروفة محليا باسم "شخشوخة الظفر" أو "الشخشوخة القسنطينية"، سواء عند العائلات القاطنة بالمناطق الداخلية من المصيف القلي، أو على مستوى المدن، حتى وإن كان جلهم، الآن، يقتنونها من المحلات التجارية، جاهزة، أو من عند العائلات المتخصصة في تحضير العديد من العجائن التقليدية كالكسكس، والثريدة، ولفتات، وحتى الرشتة، والقريتلية عند القليين. وعند اقتراب المولد بيومين، تقوم النساء بتحضير بعض أطباق الحلوى، مثل الكعك المحشي بالتمر، أو "المقرقشات"، إلى جانب اقتنائها العنبر والشموع بمختلف أحجامها وألوانها. والبعض يقتني مصابيح الزينة مختلفة الألوان، إلى جانب بعض المفرقعات والنجوم وغيرها.
وفي ليلة المولد النبوي الشريف، تشرع النسوة في إعداد طبقهن التقليدي المفضل، وهو إما "الشخشوخة" بالدجاج والمزينة بمختلف أنواع الخضر، أو طبق "الرقاق" الذي يشبه إلى حد كبير، ما يُعرف بـ "لفتات"، بالدجاج، أو حتى طبق "الدويدة" بالدجاج، كما هو شائع عند العديد من العائلات القاطنة في المصيف القلي. كما يتم إشعال الشموع ووضعها على الشرفات، وفي الغرف. والبعض الآخر يضع مصابيح الزينة الملونة، فيما يشرع الأطفال في فرقعة المفرقعات، واللعب بالنجوم، لتتحول الأحياء إلى ما يشبه حربا جراء أصوات هذه الأخيرة، التي أضحت تشكل خطرا حقيقيا على الصحة.
وعند العشاء تلتف العائلة حول قصعة كبيرة خشبية، توضع في غرفة الاستقبال، على "السني"، فيشرع الجميع في تناول الطعام باستعمال الملاعق الخشبية أو العادية. وبعد العشاء تقوم النساء بإعداد الحناء في طبق من النحاس، إذ بعد تبليلها بماء الزهر، توضع في أيدي كل أفراد العائلات، إما على شكل أقراص صغيرة، أو أجزاء توضع في الأصابع (الخنصر)، خاصة بالنسبة للرجال، لتبدأ السهرة بتناول الشاي، والمكسرات والطمينة، سواء البيضاء المصنوعة بالسميد والزبدة والعسل، أو المصنوعة بالتمر المعجون والسميد. وتستغل جل العائلات السكيكدية مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لختان الأطفال. وفي اليوم الموالي، وخلال الفترة الصباحية، تقوم العديد من الأسر بتحضير ما يُعرف بـ "الزريرة" أو "القرصة"، أو كما يسمى في بعض المناطق بـ "البغرير". أما الغداء فيتشكل، عادة، مما تبقّى من الشخشوخة.
لكن بين الأمس واليوم هناك الكثير من المظاهر الاحتفالية التي غابت، لتحل محلها طقوس وعادات دخيلة، يغلب عليها الجانب المادي أكثر من الروحي، خاصة على مستوى المدن الكبرى، التي فقد فيها الاحتفال بالمولد النبوي، نكهته، لتتحول أحياء هذه المناسبة الدينية التي تؤرخ لبداية عهد النور والإيمان، إلى حرب بالمفرقعات مختلفة الأسماء والأنواع، أضحى صوتها يشبه، إلى حد ما، القنابل والمتفجرات. وأمام تهور البعض وتخلي العائلة عن مسؤولياتها، تتحول بعض الأحياء إلى ما يشبه حرب بين الأطراف، بالألعاب النارية، التي كثيرا ما تتسبب في حدوث عواقب وخيمة.