تعود جذورها لآلاف السنين

الفنون التشكيلية في الجزائر.. إبداع وممارسة

الفنون التشكيلية في الجزائر.. إبداع وممارسة
  • القراءات: 1305
ق. ث ق. ث

بديناميكية إبداعية غزيرة الإنتاج الفني، وتطور دائم ميزه ظهور تيارات وحركات فنية مجددة، مرتبطة بروح الإبداع العالمي وبحث في الخصوصية المحلية، تميز مشهد الفنون التشكيلية على امتداد 60 سنة من الاستقلال، ببروز نخبة فنية ومواهب ذات قيمة، ساهمت في إدخال عناصر الهوية والثقافة الجزائرية في الفن العالمي. تعتبر الفنون التشكيلية وباقي تخصصات الفنون، كفن الغرافيك والنحت وحتى الهندسة المعمارية، ممارسة "عريقة في الجزائر" ترجع إلى آلاف السنين، ونجد بوادرها الأولى من خلال الرسومات الصخرية بالطاسيلي ناجر، والتماثيل المكتشفة في "مشتة أفالو" بالقرب من بجاية، التي ترجع إلى مرحلة العصر الحجري القديم، وهي الفنون التي تطورت بفضل التلاقح والتمازج مع باقي الحضارات، لتعطي فنا جزائريا "مطابقا للثقافة المحلية"، حسبما أفاد به الناقد الفني علي حاج طاهر.

في هذا الإطار، اعتبر الكاتب الصحفي والتشكيلي (أستاذ مادة النقد الفني بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر سابقا)، علي حاج طاهر، في حوار لـ«واج"، أن نشأة الفنون التشكيلية كممارسة فنية عريقة ومتجذرة في الجزائر، ترجع جذورها إلى فن الرسومات الصخرية بموقع الطاسيلي ناجر، وكذا آلاف الرسومات والنقوش المحفورة على الجدران، الموزعة على امتداد مساحة تفوق 7 ملايين هكتار، والتي تم تصنيفها من طرف منظمة "اليونسكو" ضمن قائمة التراث العالمي عام 1982.

إدماج العلامات والرموز

يحتضن موقع الطاسيلي ناجر، الذي يعد أكبر متحف طبيعي مفتوح في العالم، نماذج واضحة ودلائل حول "أولى التصورات الهندسية للشكل"، وهي ضرورية لفهم تطور الفن التشكيلي والفنون الجميلة في الجزائر عموما، بالإضافة إلى اكتشاف تماثيل طينية يعود تاريخها إلى أكثر من قبل 25 ألف سنة، بموقع مشتة أفالو بالقرب من بجاية، أي على نفس مستوى الفترة الزمنية لميلاد الفن الأوروبي، وكذا التمثال الكلسي المعروف "فينوس ويلندورف" (النمسا)، الذي يرجع إلى فترة العصر الحجري القديم، وفق المتحدث.

أشار المصدر، إلى إثراء وتطعيم الفن الجزائري، من خلال "المساهمات الأمازيغية في الفترة الرومانية، لا سيما من خلال الفسيفساء والفخار والفسيفساء الملونة اللامعة، مقارنة بذات الإنتاج الفني الإيطالي، فضلا على إدراج أشكال متعددة التعابير الفنية ودعامات جديدة مع الفنون الإسلامية". وذكر أن الممارسة الفنية المحلية، عرفت خلال هذه الفترة، إدخال فن الكتابة، المنمنمات، الزخرفة والإضاءة وكذا جميع الفنون المتعلقة بالعمارة والديكور والجص والنجارة والأواني النحاسية "التي وظفها الحرفي، عن طريق إدماج العلامات والرموز والأنماط التي نجدها في الزرابي أو الوشم إلى غاية اليوم". وأفاد علي حاج طاهر، أنه خلال المرحلة الاستعمارية "أكثر من 40 رساما من المدرسة الفنية الاستشراقية عملوا وزارو الجزائر، بما في ذلك ثلاثة من العمالقة التشكيليين، وهم أوجين فرومونتان، ثيودور شاسريو، وأوجين ديلاكروا"، مشيرا إلى أن هذه الفترة "عرفت إدخال الرسم بالحامل، كممارسة جديدة في الفن الجزائري".

وبعد أن اعتبر الإبداع الفني الجزائري من أكثر التجارب حيوية في إفريقيا والعالم العربي، أكد الأستاذ علي حاج طاهر صاحب العديد من المؤلفات حول الفن التشكيلي الجزائري، أن الاتجاهات والأساليب الفنية في الجزائر، تطورت وازدهرت إلى ما لانهاية، منذ بداية القرن الـ20، وقد حملها مؤسسو ورواد الفن التشكيلي الجزائري، على غرار أزواو معمري، بشير سلس، شكري مسلي، علي علي خوجة، امحمد إسياخم، باية محي الدين، محمد خدة وعمر راسم.

مشهد فني ثري وجو إبداعي خصب

أكد الناقد علي حاج طاهر، أن مجال الفنون البصرية، الذي يتوفر حاليا في الجزائر على العديد من الأساليب والأشكال، لاستكشاف عدد أكبر من الموضوعات والإشكاليات المطروحة، ليستحضر تعبيرية خاصة للفنانين الشباب، على غرار ياسر عامر، ياسين عيدود، والتجريدية منذ صالح مالك إلى جمال لعروق، ورسومات الرمز والتعابير وحتى الهوية لدى كريم سرغوة وعلي سيلام وحمزة بونوة.

من جهته، يرى التشكيلي والأستاذ بمدرسة الفنون الجميلة في الجزائر، كريم سرغوة، أنه في غضون 60 سنة من الاستقلال، عرف مجال الفنون التشكيلية والبصرية بالجزائر "تطورا نوعيا على امتداد أجيال متعددة، استلهمت أعمالها الفنية من تراث الرواد ومؤسسي الفنون التشكيلية الجزائرية، مع انخراطهم في مختلف التيارات التشكيلية العصرية والحداثية"، كما تطرق إلى بيان حركة "أوشام" الفنية التي تأسست سنة 1967، والذي دحض النماذج الفنية الجاهزة التي جمدت الفن الجزائري، علما أن أعضاءها توجهوا نحو الإبداع "المتجذر في الثقافة والهوية والعناصر البصرية الجزائرية وتوظيف عناصر التراث الجزائري".

من جهته، اعتبر الفنان التشكيلي عبد الرحمان عيدود الحركة الفنية "أوشام"، بمثابة بحث عن الجماليات المحلية، وعودة إلى الموروث الثقافي، وهو ما سمح بفتح نقاش كبير بين الفنانين وبروز خصوصية الجزائرية في الممارسة الفنية الجزائرية، وأضاف أنه خلال هذه الفترة، ظهرت أيضا العديد من الحركات الفنية، ضمنها "حضور" في الثمانينات، و«الصباغين" 2000، وهو تراكم فني إبداعي ساهم في ميلاد جيل من فنانين تشكيليين وطلبة "فاعلين في تخصصات فنية عديدة، يقومون بمبادرات لتفعيل النشاط الفني، كما لديهم مشاريع تربطهم مع الفضاء الثقافي والجمعيات في إطار المسرح والسينما والأدب والقطاع السمعي البصري".