ملتزمة بدورها الإقليمي المؤثر.. الدبلوماسية الجزائرية:

ثقل إستراتيجي معزّز بقيم الحوار والسلم

ثقل إستراتيجي معزّز بقيم الحوار والسلم
رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون-رئيس جمهورية غينيا بيساو، السيد عومارو سيسوكو أومبالو
  • 392
 مليكة. خ مليكة. خ

نجحت الدبلوماسية الجزائرية، في الفترة الأخيرة، في تعزيز دورها الإقليمي رغم تعقيدات لم يسبق أن شهدتها العلاقات الدولية، بسبب متغيرات مرتبطة بالأزمة الروسية - الأوكرانية وما انجر عنها من أزمة طاقوية كبيرة، أدخلت القارة العجوز في حسابات غير محسوبة، دفعتها  للتركيز على الجزائر بالنظر لثقلها الإستراتيجي في المنطقة، فضلا عن دورها الريادي في القارة الإفريقية ومنطقة الساحل، بالخصوص، في مجال استتباب الأمن وتسوية النزاعات بالطرق السلمية.

ولخص تصريح رئيس جمهورية غينيا بيساو، عومارو سيسوكو أومبالو، في ختام زيارته إلى الجزائر، أول أمس، التوجه التقليدي والمتجدّد للدبلوماسية الجزائرية في إفريقيا المبني على ترقية قيم الحوار والسلم والتسامح، مثلما تنص عليه مبادئ بيان "أول نوفمبر"  الداعمة لحركات التحرر. ويقر المتتبّع لمسار الدبلوماسية الجزائرية، منذ الاستقلال، بثبات مبادئ السياسة الخارجية للجزائر إزاء القارة السمراء، ما جعل الرئيس الغيني يصرح بأن إفريقيا تعوّل على الجزائر كثيرا في مجال استتباب الأمن والاستقرار، من خلال إرساء أواصر الوحدة بين دول القارة ومكافحة الإرهاب.

ويستشف من تصريح ضيف الجزائر، إرادة الطرف الغيني لمراجعة مواقف وتصحيح "عثرات" سابقة ساهمت في فتور العلاقات بين البلدين، غير أن التطورات التي عرفتها القارة في السنوات الأخيرة في ظل تزايد التهديدات الإرهابية، جعله يثني على دورها في هذا المجال بالقول بأن  "بلدان إفريقيا الغربية تدرك جيدا دور الجزائر في العمل من أجل إرساء الاستقرار في هذه المنطقة، على غرار ما تقوم به بالنسبة لدولة مالي".

ويرى متتبعون، أن دور الجزائر بات يتعزز أكثر في هذه المنطقة، خاصة بعد فشل التدخلات العسكرية الأجنبية في استعادة السلم والاستقرار، ما جعل دول منطقة إفريقيا الغربية تراهن على رؤية الجزائر المبنية على تغليب الحل السلمي في فض النزاعات، بقناعة أن خيار الحل الأمني والقوة العسكرية لن يزيد سوى في تعقيد الأوضاع وطغيان الفوضى، على غرار ما هو حاصل في مالي وليبيا وما لذلك من تداعيات خطيرة على كل منطقة الساحل.

ويبرز التوجه الجديد للدبلوماسية  الجزائرية في الارتقاء بالعلاقات البينية، من خلال قرار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بفتح سفارة للجزائر بغينيا بيساو، مما يؤكد أن العلاقات بين البلدين ستشهد مرحلة جديدة من التعاون على كافة المستويات، إذ يرى متتبعون أن ذلك يشكّل ضربة قوية لنظام المخزن الذي حاول فرض منطقه على عدد من الدول الإفريقية، عبر الترويج لسياسته التوسعية بخصوص قضية الصحراء الغربية.

صفعة في وجه المخزن

ولم يستبعد مراقبون، أن يتحول الموقف الغيني لصالح دعم القضية الصحراوية وحتى الإقدام على  غلق قنصليته بإقليم الصحراء الغربية المحتلة، ليشكّل ذلك صفعة قوية في وجه المخزن، الذي بدأ يفقد بوصلته على ضوء توالي  اعترافات العديد من الدول بجبهة البوليزاريو، ما جعله يفتعل تصريحات وتلفيقها لمسؤولين أوروبيين بزعم دعمهم لأطروحته التوسعية، قبل أن يتم نفيها فورا، على غرار ما جرى مع  الموقفين الأوروبي والألماني.

وحتى إسبانيا، التي حادت عن موقفها  التقليدي بخصوص القضية الصحراوية بسبب ضغوطات ومساومات مارسها المخزن على رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، تريد التودد للجزائر التي جمّدت معاهدة الصداقة معها، ما أثّر عليها اقتصاديا، حيث لم يتردد سانشيز، خلال ندوة صحفية مع المستشار الألماني، أولف شولتز، في التعبير عن رغبته العميقة لزيارة الجزائر. يأتي ذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، والتي وصفها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بـ"الناجحة جدا"، كونها تفتح مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين في إطار الندية  وخدمة مصالح الطرفين في ظل الاحترام المتبادل.

وتحولت الجزائر، في الفترة الأخيرة، إلى مزار للعديد من مسؤولي الدول، على غرار إثيوبيا ومالي وإيطاليا وقطر وفلسطين وتونس وتركيا، ضمن ديناميكية دبلوماسية عكست الأهمية التي تكتسيها كدولة فاعلة في إطار العلاقات الجيوإستراتيجية. وبرأي محللين في الشأن الدولي، فقد سجّلت الدبلوماسية الجزائرية عودة قوية خلال السنتين الماضيتين، من خلال المشاركة بثقلها المعهود، في مساندة القضايا العادلة وحل الأزمات الجهوية والإقليمية ونشر السلام في العالم.

وانطلاقا من موقفها الثابت والداعم للقضية الفلسطينية العادلة، جاءت مبادرة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بجمع، على أرض الجزائر، كلا من رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية، إسماعيل هنية، في لقاء تاريخي بعد فتور دام لعدة سنوات وذلك في الخامس من جويلية الماضي، على هامش مشاركتهما في الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر.

ومنذ اندلاع الأزمة الليبية في عام 2011، كثّفت الجزائر نشاطها الدبلوماسي بالدعوة الى الحوار لتسوية الوضع، وأكدت رفضها التدخل الأجنبي في هذا البلد الشقيق، محذّرة،  بشكل خاص، من خطر توسّع رقعة النزاع إلى منطقة الساحل بأكملها. وطبّقت الجزائر نفس عقيدتها الدبلوماسية بخصوص النزاع في مالي، حيث تتمسك بـ"الاتفاق التاريخي" للمصالحة الذي ترعاه بين مختلف الاطراف المعنية في هذا البلد، الذي تمتلك معه كذلك حدودا مشتركة.

وفي الصحراء الغربية، لا تزال الجزائر تفضّل، دائما، السبل السلمية لتسوية النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليزاريو، عبر تنظيم استفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، في حين تدعو إلى الحوار بين الأطراف اليمنية مع التذكير بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض التدخل الاجنبي في النزاعات الداخلية.