إعلان الشراكة المتجدّدة يؤرخ لحقبة جديدة في التعاون بين الجزائر وفرنسا

مشاريع ملموسة وآليات متابعة والارتقاء بالحوار السياسي والأمني

مشاريع ملموسة وآليات متابعة والارتقاء بالحوار السياسي والأمني
رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون- الرئيس الفرنسي، السيد إيمانويل ماكرون
  • القراءات: 284
حنان. ح حنان. ح

جاء "إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة" الموقّع بين الجزائر وفرنسا، بروح الإعلانين السابقين الموقّعين بين البلدين سنتي 2003 و2012، والقائمة على مبدأ إقامة علاقات ثنائية في إطار "ديناميكية من التقدم المستمر"، بما يتناسب وعمق روابطهما التاريخية وكثافة تعاونهما، فاتحا الباب لمرحلة جديدة من العلاقات الشاملة يميزها إنشاء مجلس أعلى للتعاون وميثاق جديد للشباب، وأجندة مستقبلية مشتركة لآفاق 2030 وصندوق استثماري بقيمة 100 مليون أورو.

وأكد نص الإعلان الموقّع من طرف رئيسي البلدين، عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، في ختام الزيارة الرسمية التي قام هذا الأخير للجزائر، اتفاق البلدين على مجموعة من المبادئ، تخص جوانب هامة في علاقتهما، وخاصة التاريخية منها والسياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية. ويفتح الإعلان الجديد الباب أمام "حقبة جديدة من العلاقات الشاملة التي تجمعهما"، مبنية على إرساء "أسس شراكة متجدّدة"، سيتم تجسيدها من خلال "نهج ملموس" و«بناء موجه" نحو المشاريع المستقبلية وفئة الشباب. 

واعتبر الجانبان، أن الشراكة المتميزة الجديدة، أضحت "ضرورة" يمليها تصاعد حالة عدم اليقين وتفاقم التوترات الإقليمية والدولية، وهي توفر إطار لبلورة "رؤية مشتركة" ونهج متضافر بشكل وثيق، لمواجهة التحديات العالمية الحديثة. وتعتزم الجزائر وفرنسا، وفق نص الإعلان، لعب دور مركزي في تعزيز الشراكة بين إفريقيا وأوروبا وفي بناء منطقة متوسطية يسودها السلم والتنمية والازدهار المشترك، وهو ما دفع البلدين إلى تحديد أجندة مستقبلية مشتركة لأفق عام 2030.

وحتى يبنى المستقبل على أسس صلبة، فإن معالجة قضايا الذاكرة بين البلدين يبقى شرطا رئيسيا، تطرق الإعلان إليه، من خلال التشديد على طابعي "الموضوعية" و"الهدوء" في معالجة هذا الملف بعد ستين عاما منذ استقلال الجزائر، مشيرا إلى أن "الوقت قد حان لتشجيع قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك". كما التزم الطرفان بالتعامل، بطريقة "ذكية وشجاعة"، مع قضايا الذاكرة، بهدف استشراف المستقبل المشترك "بهدوء" والاستجابة للتطلعات المشروعة لشباب البلدين، متفقين على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين، تكون مسؤولة عن معالجة جميع القضايا، بما فيها فتح واستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين والتجارب النووية والمفقودين وسيخضع عمل اللجنة لتقييم منتظم على أساس نصف سنوي.

وتم في الجانب السياسي، الاتفاق على ضرورة تقييم الأطر القائمة للتعاون الثنائي الحالي، من خلال الارتقاء بمشاوراتهما السياسية  "التقليدية"، بإنشاء "مجلس أعلى للتعاون" على مستوى رئيسي البلدين، سيشرف مرة كل سنتين بالجزائر وباريس تناوبا، على أنشطة مختلف الآليات القائمة للتعاون الثنائي، وسيقدّم التوجيهات العامة حول المحاور الرئيسية للتعاون والإجراءات الملموسة للشراكة. وأكد الإعلان بخصوص قضايا الدفاع والأمن، أن اجتماع زرالدة، المنعقد يوم 26 من الشهر الجاري بين رئيسي البلدين بحضور أهم القيادات العسكرية، والذي يعد سابقة في العلاقات الأمنية بين الجزائر وفرنسا، سيتم تجديده "كلما دعت الحاجة إلى ذلك".

وتعد الشراكة الاقتصادية، إحدى أهم المحاور التي تضمنها إعلان 2022، وهو ما يبرز في الالتزام بإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الاقتصادية، بغية تعزيز "شراكة متوازنة" لصالح البلدين، مع تركيز الجهود على "القطاعات المستقبلية"، لاسيما التكنولوجيا الرقمية والطاقات المتجدّدة والمعادن النادرة، والصحة والزراعة والسياحة. ضمن هذه الرؤية، تحدث الإعلان عن  تعاون مستقبلي في مجال الانتقال الطاقوي، لاسيما في مجالي الغاز والهيدروجين، حيث اتفقا على إطلاق برنامج بحث ابتكاري، تقني حول استعادة ومعالجة الغازات المشتعلة.

من جانب آخر، سيضمن الطرفان "التفعيل السريع" لصندوق الاستثمار المشترك، الذي تم تأسيسه لدعم جهود الإنتاج والاستثمار المشتركين. كما تم، بخصوص القضايا ذات البُعد الإنساني، الاتفاق على "الانخراط في تحديد الحلول الملموسة والعملية" التي من شأنها الاستجابة لطموحات كل منهما، من خلال تنظيم تنقل الأفراد والإشراف عليه بطريقة "تراعي، بشكل كامل، قوانين ومصالح وإكراهات الدولة المضيفة"، مع تعزيز التبادلات البشرية المرتبطة بالحركية الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية والسياحية.

ولم يغفل الإعلان باقي القطاعات ذات الأهمية للبلدين، حيث تم التأكيد على الرغبة في مواصلة وتكثيف التعاون الثنائي في المجالات التربوية والعلمية، وإعطاء دفعة جديدة لتعاونهما الثقافي بإطلاق برامج بحثية لحماية البحر الأبيض المتوسط وتنوعه البيولوجي وتعزيز تعاونهما في مجال الحفريات الأثرية، خاصة في تيبازة وتعزيز تدريب علماء الآثار. كما سيتم تعزيز التعاون بين معهدي "باستور" وتنفيذ برامج بحثية مشتركة وخلق نشاطات هيكلية في مجال البحث.

وقررت الجزائر وفرنسا كذلك إبرام "ميثاق جديد للشباب"، يغطي جميع الأبعاد ويفضي إلى تنفيذ مشاريع ملموسة، بما فيها إنشاء حاضنة للشركات الناشئة في الجزائر وتطوير التدريب من خلال تكثيف التعاون الجامعي والتعليم العالي في مجالات المستقبل، وتنفيذ شروط التنقل الإيجابي بين البلدين وكذا دعم المشاريع الاستثمارية المستقبلية في فرنسا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، من خلال تخصيص صندوق بقيمة 100 مليون أورو لرجال الأعمال من شمال إفريقيا في الشتات، والذي سيتم إنشاؤه في مرسيليا.

كما تخصص مشاريع التنمية المشتركة للقطاعات السينمائية من خلال إنشاء مساحات إبداعية معاصرة مشتركة واستوديوهات وتشجيع التدريب في المهن السينمائية وتكثيف الجهود لاستقبال الفنانين المقيمين لتعزيز الإبداع الفني المشترك، وتكثيف التعاون الرياضي من خلال تطوير التبادل بين الاتحادات الرياضية والتدريب في المهن الرياضية والبنية التحتية والمعدات الرياضية وإدارة الأحداث الرياضية الكبرى، مع بذل جهد مشترك لتشجيع ترجمة الأعمال بين العربية والفرنسية والتسهيل المتبادل لافتتاح مدارس جديدة. وسيتم إعداد تقرير مرحلي، يشارك فيه جميع الفاعلين في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى أصحاب المشاريع، كل 6 أشهر، لتقييم التقدم المحرز في تطبيق الإعلان وإعطاء دفعة جديدة للتعاون.