الرئيس تبون عدل وجهتها نحو عمقها الاستراتيجي

الدبلوماسية الجزائرية.. من الحياد والانكفاء إلى المبادرة والفاعلية

الدبلوماسية الجزائرية.. من الحياد والانكفاء إلى المبادرة والفاعلية
رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون
  • القراءات: 324
م. خ م. خ

تتطلع الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الاخيرة، إلى تعديل وجهتها نحو عمقها الاستراتيجي مستندة إلى تجربتها اللامعة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بفضل وهجها الثوري بعد الاستقلال، حيث يسعى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي التزم في برنامجه الانتخابي باستعادة المكانة الدولية للجزائر، إلى إعطاء بعد نوعي للعمل الدبلوماسي بناء على التحولات الاقليمية والدولية التي يعرفها العالم. ويرى مراقبون، أن الجزائر انخرطت في مسار جديد من السلوك الدبلوماسي غيرت بموجبه سياستها الخارجية من الحياد والانكفاء إلى المبادرة والفاعلية، ضمن تغيير يندرج  في إطار الوقاية من التحديات والمخاطر التي تهدد أمنها واستقرارها، فضلا عن استعادة دور إقليمي وعربي يتماشى و تاريخها وحجمها الجيوـ استراتيجي.

ومن هذا المنطلق تندرج الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية، والتي سيقوم بها مستقبلا إلى عدد من العواصم العالمية، فضلا عن الجولات المكوكية التي يجريها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، إلى عدة دول في سياق إعادة بريق النشاط الدبلوماسي وتسجيل حضور الجزائر في المحافل الدولية. وبرزت هذه الحركية بالخصوص خلال العام الجاري، عبر زيارات الرئيس تبون، إلى عواصم عربية وإسلامية وغربية على غرار المملكة العربية السعودية ومصر، والكويت وقطر وتونس وتركيا وإيطاليا، في وقت تجرى فيه الترتيبات لزيارة مرتقبة له إلى موسكو وبكين في وقت لاحق. وفي المقابل عرفت الجزائر حركية دبلوماسية لقادة بعض الدول في سياق دعم التوجهات الجيو ــ استراتيجية للبلاد، كان من بينها زيارات رؤساء تركيا وتونس وفلسطين وإيطاليا وقطر وفنزويلا، فضلا عن زيارات وفود رفيعة المستوى والتي كان آخرها زيارة رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي.

وتعززت هذه الحركية في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر لاحتضان القمة العربية شهر نوفمبر القادم، تزامنا مع الذكرى 68 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي. وسيكون العرب أمام موعد سياسي هام في تاريخ الأمة العربية ينتظر منه فتح آفاق جديدة للعمل العربي المشترك، لتمكين الأمة العربية من إسماع صوتها والتفاعل والتأثير بصفة إيجابية على مجريات الأمور على الصعيدين الإقليمي والدولي. وكثفت الجزائر من تحركاتها لإنجاح هذا الموعد الذي تراهن عليه ليكون جامعا، حيث أوفدت لهذا الغرض وزير خارجيتها إلى عدد من العواصم العربية، في سياق الاتفاق أيضا على إعداد جدول أعمال تتصدره القضية الفلسطينية، التي تعيش أصعب مراحلها بعد تطبيع دول عربية مع الكيان الصهيوني.

ويرى متتبعون أن الجزائر المتمسكة بمبادئها الثابتة إزاء القضية العربية الأم، تحرص على عدم تعميق الخلافات بين الدول العربية وحتى داخل الصف الفلسطيني، حيث حرص رئيس الجمهورية، بمناسبة إحياء الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، على ترتيب لقاء تاريخي بين رئيس دولة فلسطين محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية اسماعيل هنية، قصد إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح وتوحيد الجبهة الداخلية، وجعل الصوت الفلسطيني أكثر تأثيرا وفعالية. وعلى المستوى الإفريقي تراهن الجزائر على استرجاع ثقلها السياسي، حيث نجحت في  وضع حد للتغلغل الاسرائيلي على مستوى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب لما يمثل ذلك من تهديد لأمن واستقرار القرار وتجانس مواقف دول المنتظم الإفريقي.

وبالإضافة إلى الوضع الإقليمي المتوتر الذي تعرفه مختلف الحدود البرية الجزائرية مع المغرب ومالي وليبيا وتونس، دفعت التحديات الأمنية التي تعيشها إفريقيا، في ظل توالي الانقلابات وتغلغل الجماعات المتطرفة فيها وتنامي الصراعات في بؤر متعددة وسط القارة، الجزائر إلى إيلاء العمق الإفريقي اهتمامات أكبر، وهو ما برز خلال استضافتها للدورة الثامنة لمجلس السلم والأمن الإفريقي في الجزائر.

وبرأي مراقبين، فإن القارة الإفريقية تتوفر على فرص استثمارية كبرى لم تراهن عليها الجزائر خلال السنوات الأخيرة،  كما يجب رغم علاقاتها التاريخية مع مختلف دول القارة، حيث تعمل في هذا السياق على تدارك وتفعيل دورها الاقتصادي من خلال إنشاء وكالة للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية، كما صادقت على الاتفاقية المؤسسة للمنطقة الإفريقية للتبادل التجاري الحر. ومن هذا المنطلق تؤكد الحركية الدبلوماسية في الجزائر، الرغبة الواضحة لديها لإعادة هندسة علاقاتها الإقليمية والدولية على أساس الأولويات السياسية والاقتصادية، وإعادة ترتيب الشركاء على هذا الأساس.