60 عاما بعد استرجاع السيادة الوطنية

انتعاش استثنائي للاقتصاد في العامين الأخيرين

انتعاش استثنائي للاقتصاد في العامين الأخيرين
  • القراءات: 2506
أسماء منور أسماء منور

قطعت الجزائر في السنتين الماضيتين أشواطا هامة في مجال التنمية الاقتصادية، حققت  خلالها حصيلة هامة تجسدت من خلال مشاريع وقرارات استراتيجية، ضمن مقاربة اقتصادية مدمجة بشكل تكاملي، رغم خروجها مثقلة من المتاعب الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، التي فرضت اللجوء الى حلول استعجالية لحماية الاقتصاد الوطني.

دفع عجلة الاقتصاد الوطني في ظل الجزائر الجديدة، كان ضمن أولويات الحكومة، تجسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي أكد أكثر من مرة على ضرورة تحريك وتيرة التنمية محليا ووطنيا، من أجل تحقيق مداخيل هامة للبلاد، في كل المجالات، بعد 60 سنة من استرجاع السيادة الوطنية.

ولتنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي، عمدت الجزائر إلى اتخاذ قرارات مصيرية لبناء اقتصاد جديد، قائم على تعزيز الإنتاج الوطني والخروج من التبعية للمحروقات، بالإضافة إلى سن قوانين جديدة والتركيز على القطاعات الاستراتيجية المولدة للثروة، في إطار أجندة زمنية محددة.

اقتصاد جديد قائم على تشجيع الإنتاج الوطني

أولت الجزائر أهمية قصوى للإنتاج الوطني، باعتباره مفتاحا للتنمية المحلية، من خلال تحقيق اكتفاء ذاتي، يمكنه أن يحقق مداخيل بالعملة الصعبة بتصدير فائض الإنتاج، كما تكمن الأهمية الاستراتيجية للمشروع، في تقليل الاعتماد على استيراد المواد الأولية، والمساهمة في استحداث مناصب عمل جديدة وخلق حركية اقتصادية.

ودخلت السلطات العمومية مرحلة السباق مع الزمن من أجل تجاوز العثرات التي تحول دون تحقيق قفزة اقتصادية، حيث تم وضع خارطة طريق ترتكز على عدة نقاط أساسية، من بينها الإصلاح الاقتصادي والسياسية الخارجية وتعزيز دور الأمن.

وتتضمن سياسة الحكومة، مراجعة الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، بالنظر للظروف التي يعشيها المواطن في ظل استمرار ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، والعمل على إصلاح القطاع العمومي تماشيا مع التحولات الكبرى التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مع التشديد على ضرورة مواصلة الإصلاحات الإدارية، ورقمنة المعاملات وترشيد الإنفاق والحفاظ على القدرة الشرائية والاهتمام بالطبقة الهشة في المجتمع.

واتخذت الجزائر خلال ذات الفترة، حزمة من الإجراءات التي وصفها العديد من الخبراء بالجريئة، لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإنقاذ الشركات من الإفلاس، من خلال إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار، ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار جزائري ليصبح 20 ألف دينار جزائري.

كما تم رفع معاشات المتقاعدين بنسبة من 10 المائة، ومنح تعويضات مالية لعدد من أصحاب المهن الحرة، بالإضافة إلى تجميد دفع ضرائب الشركات بهدف تخفيف آثار إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا على الشركات العامة والخاصة.

وشملت إجراءات الملاذات الآمنة، التي سارعت الجزائر إلى تطبيقها على المديين المتوسط والبعيد، التوجه نحو السوق الإفريقية بعد مصادقتها على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أوائل 2020، وسطرت هدف رفع صادراتها خارج قطاع المحروقات، وكذا تحويل بين 10 إلى 12 مليار دولار من احتياطات الصرف لفائدة تمويل الاستثمار، وإحداث تغييرات على قانون الاستثمارات لجلب رؤوس الأموال الأجنبية في عدة قطاعات، بعضها تقرر فتحه للمرة الأولى أمام الخواص مثل النقل الجوي والبحري.

من بين أهم القرارات التي تم اتخاذها خلال العامين الأخيرين لبناء اقتصاد جديد، مواكبة أمر رئيس الجمهورية بتحديث شبكة النقل، وفق معايير خاصة، عبر الطرقات، وتسريع الانطلاق في إنجاز خط للسكة الحديدية، يربط بين ولايتي تندوف وبشار. في سياق غير بعيد من الشق الاقتصادي وتحريك الجانب التنموي، رخص مجلس الوزراء، لشركة الخطوط الجوية الجزائرية باقتناء 15 طائرة قصد تعزيز شبكة رحلاتها، بالأخص نحو إفريقيا وآسيا وأوروبا، بالإضافة إلى اقتناء بواخر لنقل المسافرين والسلع والحبوب. كما وافق الرئيس على برنامج الرحلات الجديد للخطوط الجوية الجزائرية، تحسبا لموسم الاصطياف.

مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية

تضمنت خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية خصوصا مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة، ومراجعة الميزان التجاري للجزائر مع عدة دول، للحد من خسائر العجز في الميزان التجاري الذي يقارب الـ30 مليار دولار.

كما باشرت الجزائر إحصاء احتياطاتها من موارد طاقوية ومعدنية أخرى غير مستغلة، بغرض الاستثمار فيها، من بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، للمرة الأولى في تاريخها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد.

وتقرر كذلك استغلال منجم الحديد بمنطقة ”غار جبيلات” بتندوف، الذي يعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد، وكذا منجم الزنك والرصاص بمنطقة ”واد أميزور” في ولاية بجاية ومشروع آخر للفوسفات بتبسة، مع الترخيص للمستثمرين المحليين باستغلال مناجم الذهب بجانت.

كما تقرر وقف عمليات استيراد الوقود والمواد المكررة خلال الربع الأول من 2021 ، لتعزيز الانتاج المحلي وخفض فاتورة الواردات، بشكل قد يوفر نحو 3 مليارات دولار، وكذا استرجاع احتياطات الذهب المحلية، التي باتت أموالا مجمدة على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية.

بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي للبلاد، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال الجزائريين المودعة خارج البنوك العمومية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية في النظام المالي.

قانون استثمار جديد لتحقيق الانعاش الاقتصادي

شكّل مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة، انطلاقة حقيقية في بناء اقتصاد له كلمته في المنطقة الإفريقية والعربية، من خلال تشجيع قطاعات الصناعات الناشئة والمتوسطة لجعل الجزائر تطوي التجارب السابقة في مجال الاستثمار.

وبالنظر إلى أن الواقع في الجزائر أثبت مرات عديدة أن مشكلة الاقتصاد ليست في التشريع رغم أهميته، بل في التنفيذ، سعت السلطات من خلال قانون الاستثمار الجديد إلى تحويل المضامين النظرية إلى مشاريع اقتصادية ميدانية منتجة للثروة وموفرة لمناصب الشغل.

في هذا الشأن، وقعت شركة سوناطراك و«ناتيرجي” الإسبانية اتفاقية جديدة، لتصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإسبانية لمدة 10 أعوام، قدرت كميتها بـ8 مليارات متر مكعب سنويا. كما تم التوقيع على اتفاقية أخرى مع شركة ”إيني” الإيطالية لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام 2049، لتوريد 1,5 مليار متر مكعب على مدار 29 عاما من 3 حقول غازية.

وتعمل الجزائر من خلال القانون الجديد، على تكريس مبادئ حرية الاستثمار والشفافية والمساواة، وإعادة تنظيم الإطار المؤسساتي المتعلق بالاستثمار، ومحاربة البيروقراطية، عبر رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار من خلال  استحداث المنصة الرقمية للمستثمر، والتسليم الفوري لشهادة تسجيل المشروع الاستثماري، وتوسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها، إلى المستثمرين غير المقيمين.

ولتخفيف العراقيل التي يمكن أن يصطدم بها المستثمرون، تم اعتماد العديد من المقاربات في القانون الجديد، من بينها تحويل الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ليكون لها بذلك بعد ترويجي، بالإضافة إلى استحداث شباك وحيد على مستوى كل ولاية، وآخر ذي اختصاص وطني للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية. ولحماية المستثمرين، نص القانون الجديد للاستثمار، على تسليط أقصى العقوبات على كل من يعرقل إنجاز المشاريع الاستثمارية، إضافة إلى تنصيب لجنة تابعة لرئاسة الجمهورية تتلقى شكاوى المستثمرين لحلّ العراقيل التي قد تواجههم، كما تم إقرار مزايا جبائية كالإعفاء من الضريبة على أرباح الشركات، لمدة تتراوح من 3 إلى 20 سنة حسب طبيعة المشروع، إضافة إلى الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، وتأجيل دفع الضريبة للمستثمرين.

قطع الطريق أمام الفساد المالي

عرفت الجزائر محاكمات متوالية لرجال أعمال متهمين بقضايا فساد، حيث تقرر في مرحلة الجزائر الجديدة، ألا يكون للمال الفاسد والممارسات السابقة مكانا فيها، باسم الاستثمار والاقتصاد، بالنظر إلى الحاجة الملحة إلى رجال أعمال لا إلى رجال مال، مع تكريس الشراكة بين القطاعَين الخاص والعام ومع المستثمر الأجنبي، الذي يمكن أن يقدم قيمة مضافة ضمن مناخ اقتصادي عنوانه الشفافية والنزاهة. وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد شدّد  أكثر من مرة، على ضرورة تعزيز النظام القانوني لحماية المستثمرين من التعسفات البيروقراطية، عبر استحداث آلية مستقلة رفيعة المستوى، تضمّ قضاة وخبراء اقتصاديين وماليين، توضع لدى رئاسة الجمهورية، وتتولى الفصل في الشكاوى والطعون المقدمة من المستثمرين، مع اعتماد المعايير الدولية في استقطاب الاستثمارات، والتركيز على السرعة والنجاعة والديمومة.

أمن دوائي وغذائي

تعكف الجزائر على تسجيل مداخيل خارج قطاع المحروقات تقدر ما بين 5 و 7 ملايير دولار مراهنة ضمن هذه الاستراتيجية على عدة قطاعات استراتيجية منها قطاع الصناعة الصيدلية، من خلال محادثات جمعت المصنّعين المحليين بشركات إنتاج أجنبية قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدة أدوية ومنتجات صيدلانية. 

وأثمرت هذه الشراكات المتزايدة بإعلان شركة ”بتال” القابضة التركية إحدى أكبر المجموعات التركية المتخصصة في إنتاج المستحضرات الصيدلانية في 24 ماي الماضي أي بعد أسبوع فقط من زيارة الرئيس تبون إلى أنقرة، الشروع في بناء أحد أكبر مصانع إنتاج الأمصال في الجزائر، باستثمار بلغت قيمته 50 مليون دولار.

وتسعى الجزائر لتعزيز الأمن الغذائي الذاتي، عن طريق التنمية في المناطق الصحراوية والغابية والهضاب العليا، ومن بين الأهداف رفع المساحات الزراعية من 200 ألف هكتار إلى 500 ألف، مع توسيع مناطق الري بالتقطير.

وعملا بمبدأ ”الأرض لمن يخدمها”، تقرر منح الأراضي وفق دفتر شروط يحدد نوعية الزراعات والمنتجات التي يفترض أن تخرج منها، كما تمكنت الجزائر من تحقيق المرتبة الأولى إفريقيا في مجال الأمن الغذائي في آخر تصنيف لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقد وضعها هذا الإنجاز في ”الخانة الزرقاء” في نفس المستوى مع أقوى دول العالم.

ووصف خبراء هذا التصنيف بأنه إنجاز كبير، مرجعين ذلك إلى دور الزراعة في دعم اقتصاد البلاد في إطار البحث عن فرص جديدة لتنويع مداخيل الدولة. وصنف تقرير الأمم المتحدة، الجزائر ضمن البلدان المستقرة غذائيا، واضعا البلاد ضمن فئة البلدان التي تقل فيها نسبة الأشخاص الذي يعانون من سوء التغذية عن 2,5 بالمائة من العدد الإجمالي للسكان، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2018-2020، لتصنف الجزائر في نفس فئة غالبية البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكندا والصين وروسيا والبرازيل وأستراليا وغيرها.