حفاظا على تاريخ الجزائر ومؤسس دولتها الحديثة

إنشاء منصة رقمية لصون تراث الأمير عبد القادر

إنشاء منصة رقمية لصون تراث الأمير عبد القادر
  • القراءات: 336
ب. هشام ب. هشام

أنجزت الأستاذة الجزائرية نجاة شنين، الخبيرة في رقمنة المكتبات ومراكز التوثيق والأرشيف، بوابة رقمية جمعت فيها الإرث المادي واللامادي للأمير عبد القادر، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، بهدف الحفاظ على إرثه وصون تاريخ الجزائر وذاكرة شعبها من كل أصناف التشويه والتحريف.

تحتوي البوابة التي تعتبر الأولى من نوعها فيما يخص تاريخ الأمير عبد القادر، الكثير من الكتب، الصور والوثائق الثمينة المتعلقة بتاريخ الأمير وإرثه، يمكن الاطلاع عليها وقراءتها وأيضا تحميلها وطباعتها، وهي تحوي حقائق تاريخية حول كفاح الأمير وسيرته التي تعكس نضاله وشخصيته البطولية العالمية.

رقمنة 538 وثيقة في المرحلة الأولى

تقول نجاة شنين، وهي أستاذة بالمعهد الوطني للإنتاجية والتطوير INPED ببومرداس، في ميادين التكنولوجيات الجديدة، الرقمنة والتسيير الإلكتروني للوثائق ورئيسة مكتب معسكر لجمعية المكتبات الوطنية في تصريح لـ"المساء” إن فكرة البوابة استوحتها في عام 2019، عندما كانت تشتغل على مشروع رقمنة مكتبة بلدية معسكر التي تحتوي على حوالي 75 ألف وثيقة منها 30 ألف وثيقة ورقية و40 ألفا إلكترونية، بما في ذلك رصيد معتبر خاص بالأمير عبد القادر، يتكون من حوالي 156 كتاب ورقي.

وتزامن عمل الباحثة مع الحملة المغرضة التي تعرض لها الأمير عبد القادر، أنذاك من طرف أحد الناشطين السياسيين الذي اتهم الأمير بالخيانة وهي تهمة ليست جديدة، لكنها جاءت في سياق أثار الكثير من الجدل، حيث دفعها إلى إنشاء هذه البوابة الرقمية من باب الرد على هؤلاء والحفاظ على إرثه وصون تراثه الذي يعتبر تراث كل الجزائريين.

"أنا شخصيا لم أكن أعرف الكثير عن الأمير عبد القادر، لكن عملي على أرشيفه سمح لي بتكوين رصيد معرفي، جعلني أستنتج بأن الكثير من الجزائريين يجهلون تاريخ الأمير، ولذلك تجد بعضهم يردد هذه الترهات عن جهل وبعضهم لا يعرف كيف يدرئ عنه الإشاعات والرد على منتقديه”، تقول السيد شنين، التي استطردت بالقول ”لكن من خلال جمع أعماله وتاريخه في مكان واحد سيكون ذلك سهلا على كل من يريد المعرفة عن الأمير”.

وأضافت الباحثة، ”الأمير لم يستسلم ولم يقم أبدا بتسليم سيفه للعدوـ كما يروج له البعض.. بالعكس فهو الذي تعرض للخيانة عندما اشتد عليه الحصار في السنوات الأخيرة من المقاومة”.

وذكرت الباحثة شنين، في سياق متصل أنه ”عند توقيع ملك الرباط أنذاك معاهدة صلح مع فرنسا، كان الأمير عبد القادر مخيرا بين مواصلة الكفاح - وهو يعرف أن ذلك سيكون انتحارا - أو عقد معاهدة صلح والتي كانت بشروطه.. ومن بين الشروط الحفاظ على أرواح كل الجزائريين وأن يتم ترحيله إلى مصر أو عكا رفقة أفراد عائلته وكل من يريد الرحيل معه، لكن فرنسا خانت المعاهدة ونقلته قسرا الى فرنسا وبالضبط الى الإقامة الجبرية بقلعة لامبواز..”.

وأضافت محدثتنا، ”هناك حرب يشنها الغرب ضد رموز الدولة الجزائرية، يريدون من خلالها تشويه تاريخنا وطمس هويتنا والتشكيك في رموز بلادنا وأبطالها”. وأكدت بالمناسبة أن مشروعها الذي يعتبر أول مشروع رقمي خاص بالأمير عبد القادر، سيساهم في الحفاظ على تراثه والرد على منتقديه..”فالأمير عبد القادر كان رجل حرب وسياسة ودين، أسس دولة بكل ما تحملها الكلمة من معاني وعمره 19 عاما فقط وهذا يغيظ أعداء الوطن”.

كما أوضحت شنين، بخصوص مشروعها أن ”هذه المنصة تحتوي حاليا على 538 وثيقة خاصة بالأمير، منها كتب تحصلت عليها من الدكتور الليبي علي الصلابي، الذي زودنا بجميع الكتب التي ألفها حول الأمير وهناك أيضا كتب تحصلنا عليها من مؤسسة القادر الأمريكية التي أسسها الكاتب الأمريكي جون كايزر، والذي ألف بدوره كتابا عن الأمير وغيرها من الكتب الموجودة في المكتبات الوطنية”.

مشروع قابل للتوسعة

بالرغم من أن المنصة تحتوي حاليا على 538 وثيقة مقسمة بين كتب وصور ورسائل وغيرها، إلا أنها ستعرف في المستقبل إضافات كثيرة ستثريها أكثر، حيث تفكر الباحثة في الخطوة القادمة، وهي رقمنة المذكرات الجامعية التي تم إنجازها في المعاهد والجامعات الوطنية حول الأمير عبد القادر وربما أيضا التي أنجزت خارج الوطن. ومن المنتظر أيضا أن تقوم مؤسسة الأمير عبد القادر، بتزويد المنصة ببعض الوثائق التاريخية التي هي بحوزة المؤسسة أو بحوزة أحفاد الأمير وأسباطه الذين أبدوا استعدادهم لإثراء المشروع، بما لديهم من وثائق أو معلومات أو حتى صور وغيرها من الوثائق. كما تتوقع صاحبة المشروع، تنظيم خرجات علمية إلى المدن التي وطئتها أقدام الأمير عبد القادر، لاقتفاء أثاره والبحث عن تراثه، حيث أكدت ذلك بقولها ”المشروع يهدف إلى حصر وجمع كل ما كتبه الأمير وما كتبه غيره عن حياته وخصاله من مقالات ورسالات ومذكرات ومراسلات داخل وخارج الوطن”.

كما أشارت إلى ضرورة تعيين لجنة بحث وتحقيق في كل الوثائق والكتب الخاصة بالأمير ”لأن هناك منها ما يبدو مزورا”، حيث قالت في هذا الصدد، ”الأمير عبد القادر شخصية عالمية ولذلك فقد طاله التشويه كما تعرضت مراسلاته للتزوير لأن هناك بعض الوثائق المزورة التي عثرنا عليها أثناء عملنا والتي يستغلها البعض لضربه وتخوينه.. ونحن نسعى من خلال منصتنا إلى توضيح كل ذلك، وبالتالي نسهل على الباحثين والقرّاء بصفة عامة التعرف على الوثائق المزوّرة حتى لا يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه كثيرون”. 

قــــالـوا عـــن المشــروع وعـن الأمـــير عبـــد القـادر:

حبيب مرابط سبط الأمير عبد القادر الجزائري:

حبيب مرابط الحسني، هو من أسباط الأمير عبد القادر الذين ترعرعوا في الجزائر وعضو في مؤسسة الأمير عبد القادر الجزائرية، التقته ”المساء” وتحدثت معه حول هذا المشروع الواعد، حيث أكد بأنه ”كان من الضروري إطلاقه حتى يتم جمع إرث الأمير في منصة واحدة لتسهيل البحث على المختصين وفتح المجال للجمهور للاطلاع على تاريخه وأيضا للرد على منتقدي الأمير”.

وأوضح حبيب مرابط، بشأن الانتقادات ”أصبحت الانتقادات اللاذعة توجه للأمير عبد القادر حتى في التلفزيونات وهذا ليس مقبولا، لأن الأمير عبد القادر هو ملك لكل الجزائريين وتوجيه التهم الباطلة له هو مساس بذاكرة الأمة الجزائرية وتاريخها. لذلك فالمشروع له بعد وطني وسندعمه مستقبلا بمزيد من الوثائق والحقائق التاريخية التي لازالت مغيبة وقد اتفقنا على ذلك مع رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر، الدكتور شامل بوطالب”.

وأردف محدثنا قائلا ”سنجمع كل الوثائق التاريخية التي هي بحوزة أحفاد وأسباط الأمير، بالإضافة إلى ما نعرفه من حقائق حول سيرته وحياته منذ نشأته إلى غاية وفاته، ونضعها بين أيدي لجنة مختصة في التاريخ لتمحيصها وترتيبها لأن هناك ما هو مزوّر.. حتى بعض اللوحات الزيتية التي تم رسمها مسيئة للأمير وللجزائريين مثل اللوحة التي رسمها الفرنسي آنجي تيسيي  في 1861، حول إطلاق سراح الأمير من سجن لامبواز سنة 1852، حيث رسم والدة الأمير وهي تقبل يد نابليون الثالث.. وهذا لم يحدث لكن الرسام تعمد ذلك لإهانة الجزائر والجزائريين”.

في سياق حديثه عن بعض الحقائق التاريخية ذكّر حبيب مرابط، بحادثة إنقاذ الأمير لحوالي 12 ألف مسيحي في دمشق عام 1860، والتي يتحدث الكل عنها والدور الذي لعبه الأمير في حماية المسيحيين من القتل، لكن القليل ـ حسبه ـ من يعرف بأن الأمير لم يكن وحده، بل كان معه المئات من الجزائريين، ”حيث كان مع الأمير عبد القادر حوالي ألف جزائري أغلبهم كانوا قد تنقلوا إلى دمشق عام 1847، مع الشيخ أحمد بن سالم، الذي قاد مقاومة الاستعمار الفرنسي لمدة 10 سنوات في منطقة القبائل تحت إمارة الأمير عبد القادر، قبل أن يتم ترحيله مع نهاية مقاومة الأمير.

ويبدو أن ما قام به الأمير كان سببا في تأخير دخول فرنسا إلى بلاد الشام واستعمارها بـ60 سنة، لأنها حاولت اتخاذ هذه الحادثة ذريعة لكن الأمير قطع عليهم الطريق.

وأكد محدثنا في الأخير، أن كل هذه الحقائق والكثير منها سيتم عرضه بالتفاصيل في البوابة الرقمية للأمير وبالأدلة ”حتى نضع حدا للكثير من المغالطات التاريخية ونسلط الضوء أيضا على أخرى”.

الكاتب الأمريكي جون كايزر:

يعتبر الكاتب الأمريكي جون كايزر، من بين المـتأثرين بشخصية الأمير عبد القادر وأخلاقه وأفكاره. وقد أطلق عام 2008 مشروعا تربويا عالميا اسمه ”مشروع الأمير عبد القادر التربوي AEP”. وهو مشروع مؤسس على أخلاق الأمير عبد القادر، هدفه نشر قيمه ومبادئ تسامحه المبنية على الإسلام.

يقول الكاتب الأمريكي جون كايزر، في تصريح لـ"المساء”: ”لقد درست الإسلام وتعرفت عن قرب على الكثير من المسلمين، عندما كنت مقيما بفرنسا ووجدت أنهم يحملون قيما إنسانية كثيرة يجهلها الغرب، وعندما درست سيرة الأمير عبد القادر، وجدت بأنه يجسد لحد كبير هذه القيم الإسلامية التي تعتبر قيما إنسانية عالمية قلما نجدها عند القادة العالميين”.

وأضاف جون كايزر، ”لقد زرت الجزائر مرات عديدة قبل تأليف كتابي، وأنا أعتقد أن رقمنة إرث الأمير عبد القادر، يعتبر حفاظا على ذاكرة مؤسس الدولة الجزائرية وهذا مهم جدا في تاريخ أي بلد. وأنا أعتبر الأمير بطل قومي مجسد للإسلام الحنيف”.