القصبة تحتفل بفن الشعبي

قيمة فنية واجتماعية باركها العمالقة

قيمة فنية واجتماعية باركها العمالقة
  • القراءات: 549
مريم. ن مريم. ن

استنشق حي القصبة العتيق، أول أمس، نسائم فن الشعبي التي حملت معها ذكريات أيام العز. وبدت الأزقة والمعالم والبيوت متزيّنة ومبتهجة باحتفالية "القصبة تحتفل بالشعبي"، التي بادرت بتنظيمها جمعية "شباب ومواهب"، لتتعالى الأنغام والأشعار من القصبة السفلى حتى العين المزوقة، ولتنصَّب معارض الرسم والحرف التقليدية، وجلسات الآلي، وطواف الحايك هنا وهناك، وغيرها من الفعاليات التي تحيي مئوية فن الشعبي العريق، الذي جلب الحديث عن تاريخه وخصوصياته، جموعا غفيرة من المواطنين والسيّاح. شهد فناء المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط "قصر مصطفى باشا"، تنظيم لقاء بعنوان "احكي لي الشعبي" نشطه الأستاذ نور الدين سعودي والهادي العنقى.

وفضّل الأستاذ سعودي افتتاح هذا اللقاء بتقليد "التقدام"، فردّد: "محمد محمد صلوا يا الأمة عليه"، لتجيبه الحاضرات بالزغاريد، علما أنه أعاد هذا التقدام ثلاث مرات، ثم اختتم به محاضرته. والسر في ذلك ـ كما أوضح ـ هو لجلب الحضور، وتثمينا لتراث القعدة واللمة الذي كان يجمع الجزائريين والعائلات، والذي أصبح مفقودا، إلى حد كبير، اليوم، مشيرا إلى أن فن الشعبي جاء لترسيخ هذه القيم الاجتماعية، فهو يتجاوز الطبع الغنائي إلى كونه ظاهرة اجتماعية جزائرية خالصة. وأشار الأستاذ سعودي إلى أن منبع الشعبي كان الجزائر العاصمة، وبالضبط حي القصبة، ثم انتشر إلى باقي مناطق الوطن. كما يعتمد هذا الفن بشكل أساس، على الكلمة ومعناها، لذلك ارتبط الشعبي، دوما، بالقصيد، مذكرا بأن الشعر العربي تطور من الكلاسيكي إلى الموشح، فالزجل، فالملحون، وصولا إلى الشعر بالدارجة.

وتناول المحاضر بالمناسبة، رحلة القصيدة ابتداء من زرياب الذي حط بشمال إفريقيا والأندلس (الغرب الإسلامي)، ليظهر، بعدها، الموشح، وهو، كما وصفه، اختراع مغاربي، ثم جاء الزجل الذي هو أبسط وعام، ليأتي بعده الحوزي والعروبي والزنداني، وكلها طبوع رافقت تطور المجتمع المغاربي والأندلسي، إلى أن أتى الشعر بالدارجة، فدخل الأوساط الشعبية، وهو ما يتجلى، مثلا، في أشعار القوالين، الذين كان يطوف بعضهم بالقصبة، وكان هذا الشعر مرآة المجتمع، يعكس يومياته وأحداثه، ولم تكن الموسيقى سوى مرافق أو مساعد للكلمة، كي تبرز أكثر؛ بمعنى أن النص هو الذي كان يمثل الأولوية. وظهر الشيخ الناظور (حضرت حفيدته الفعالية)، وتتلمذ على يديه الحاج العنقى الذي أبدى عبقريته، وزجّ بالكلمة في إطارها الثقافي الجزائري، علما أنه تجول في عدة مناطق من الوطن، وكوّن فرقته، وأدخل الكثير من الآلات الموسيقية، بعضها كان جديدا كالموندول. وأحيا، أيضا، تراث الديوان والحلقة، معتبرا اللمة أهم مظهر اجتماعي وثقافي جزائري، وغالبا ما كان يبدأ حفله برمل ماية، ثم انصرافات واعراقات، ثم مخيلص.

بعدها ظهر العنقى في أغان أخرى خارج التراث، منها "الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا"، و"سبحان الله يا لطيف!" وغيرهما. كما شق تلاميذه طريقهم، وأعطى كل واحد بصمته كالحاج العنقيس، وقروابي، وحسيسن، ثم ظهرت مدارس أخرى للشعبي العصري، منها مع الراحل الحراشي، وكذا محبوباتي، الذي أحدث ثورة في نوع الشعبي، وأصبح من عباقرة الموسيقى في العالم رغم أنه لم يلق الاهتمام الكافي. وبدوره، تحدّث الفنان الهادي العنقى عن هذا التراث، شاكرا منظمي التظاهرة التي تساهم في إعادة مجد القصبة الفني والثقافي، منبها إلى ضرورة الابتعاد عن السطحية في العمل الفني، والتقيد بالتكوين المعمّق، سواء في الأداء أو العزف.

وعلى هامش اللقاء تحدّث الأستاذ الهادي العنقى إلـى "المساء"، عن ضرورة تواصل الأجيال لردع القطيعة الفنية والاجتماعية، علما أن هذه المبادرات تفعّل هذا الاتجاه، وتجمع الأجيال. وبالنسبة له، فقد رافقته حفيدته التي يكوّنها فنيا ولتكتشف الجديد، داعيا كل الشباب مثلها، إلى التكوين العالي قبل أن يتحدثوا عن أي طبع جزائري، ثم قال: "الشعبي كالقصبة؛ ينحني أمام الرياح، لكنه لا يُكسر". كما عرّف "المساء" ببعض العازفين الذين كانوا معه ورافقوا والده، منهم الأستاذ فرج الله. وتناول الأستاذ درسان تاريخ الآلات الموسيقية خاصة المرتبطة بالشعبي، منها الطار والدربوكة والقانون والناي، ثم الموندول والبيانو وغيرها.

وفي الأخير، كُرم الفنان الهادي العنقى بلباس تقليدي؛ هدية من أحد الحرفيين، ثم قدّم معزوفات من الشعبي، استمتع بها الجمهور الحاضر. وشجع، أيضا، العازف الصغير المبدع أيمن بلقاسم ذا 13 سنة. وبالنسبة للمناقشة فقد كانت ساخنة، أثار فيها الأستاذ الهادي رائعة "سبحان الله يا لطيف!"، مؤكدا أن القصائد كانت تسمى ببيتها الأول، لذلك فليس صحيحا أن هذه الأغنية تحمل اسم "الزغلولية" (ابن الحجل). كما استحضر سعودي الراحل بودالي سفير ودوره في فن الشعبي. وردّ على بعض الأسئلة، منها أن الشعبي لا علاقة له بـ "النعناعة ولباس الشونغاي"، بل هو أداء وحسّ. أما عن الشعبي النسوي فقال إنه مجرد منوعات.