الدكتور عبد الحميد هيمة يقدّم:

عبقرية الكتابة للطفل عند محمد السائحي

عبقرية الكتابة للطفل عند محمد السائحي
الأستاذ الدكتور عبد الحميد هيمة من كلية الآداب واللغات (جامعة ورقلة)
  • القراءات: 760
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدّم الأستاذ الدكتور عبد الحميد هيمة من كلية الآداب واللغات (جامعة ورقلة)، مؤخرا، مداخلة في المهرجان العاشر "القراءة في احتفال" بالمكتبة الرئيسة للمطالعة العمومية، تحت عنوان "عبقرية الكتابة للطفل عند محمد الأخضر السائحي من خلال ديوان الأطفال". قال الدكتور عبد الحميد هيمة في مداخلته، إن شعر الأطفال حظي في الجزائر باهتمام الأدباء حتى قبل الاستقلال، بفضل الحركة الإصلاحية التي شجعت على الكتابة في هذا المجال المهم؛ لخدمة الأهداف الإصلاحية والتربوية. وبعد الاستقلال تطورت الكتابة للأطفال.

وكان نتاج ذلك صدور عدد من الأعمال لعدد من الشعراء، منهم محمد الأخضر السائحي، الذي يُعد من أبرز كتّاب شعر الأطفال، حيث يتميز شعره بنزعة وجدانية واضحة، وبتعبير سلس هامس، وخيال ميال إلى الإبداع والتجديد، وهو صاحب "ديوان الأطفال " الذي طُبع سنة 1983، وفيه يبرز مدى اهتمام السائحي بالكتابة للطفل. كما نلمس فيه تطورا كبيرا في الجانب الفني، وتنويعا جميلا في الموضوعات، بين الأناشيد الخاصة بالطبيعة، والإسلاميات، والمهن، والمدرسة، والوطنيات، وغيرها من الموضوعات التي تهم عالم الطفولة. 

وذكر المحاضر أن "ديوان الأطفال" ـ مجموعة أناشيد وقصائد للأطفال، صدر عن مؤسسة "دار الكتب الجزائرية" سنة 1983م، وأعيد نشره في طبعة ثانية عن دار السائحي سنة 2016 ـ يقع في (111) صفحة، ويضم 54 نشيدا. كما نوّع الشاعر في الموضوعات، فنجد أناشيد في وصف الطبيعة، وأخرى حول الأسرة والعمل والمدرسة، إلى جانب القصائد الوطنية والسياسية ذات الأبعاد القومية والإنسانية، فضلا عن أن أغلب هذه الموضوعات مستمَدة من واقع الحياة اليومية للطفل، والمحيط الذي يعيش فيه.

كما هيمنت على الديوان الموضوعات الخاصة بوصف الطبيعة، والتي تُعد مصدرا أساسيا للإبداع، وأهم العناصر الفاعلة في القصيدة، يستمد منها صوره، خاصة إذا ما تعلق الأمر بشعر الأطفال، ولذلك نجد السائحي يعمد إلى الإكثار من موضوعات وصور الطبيعة في أناشيده. ومما لا مراء فيه أن عبقرية الشاعر أيّا كان، إنما تتفجر في ما يمت بصلة إلى الطبيعة وسحرها ورونقها، والهدف من ذلك هو غرس حب الطبيعة في نفوس الأطفال حتى يكبر الطفل، ويكبر معه هذا الحب، ليتحول في الكبر، إلى العناية بالطبيعة، والمحافظة عليها، يضيف هيمة. وأشار هيمة إلى تنوع نصوص السائحي، لتشمل مواضيـع اجتماعية وأخلاقيـة مختلفة، من ذلك موضوع المهن وتعظيم العمل وخاصة الزراعة، ومختلف الحرف كالنجارة، والبناء. ومن الموضوعات الرئيسة في الديوان الإشادة بطلب العلم، والتغني بالمدرسة والكتاب والقلم والمحفظة.

وتابع أن السائحي في هذا الديوان، يعطي اهتماما كبيرا للأناشيد الوطنية، حاثا الأطفال على الاجتهاد في العمل، فهم رجال الغد، الذين سيتحملون مسؤولية بناء الوطن والدفاع عنه. كما انفتح الشاعر على قضايا الأمة العربية الإسلامية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، والدعوة إلى الوحدة العربية، فقد خصص في هذا الديوان، قسما مهما للوطن الصغير (الجزائر)، والوطن الكبير (الوطن العربي)، لكي يغرس في نفوس الأطفال، حب الوطن، والارتباط بالأمة العربية. ولا نغادر الديوان بدون الإشارة إلى أنشودة "وداع الحديقة الساحرة"، التي حظيت بشهرة وانتشار كبيرين، ما جعلها تُقرر في أغلب المناهج التعليمية.

وقد جمع السائحي في هذه الأنشودة، بين قمة الجمال الفني، وروعة الصورة الشعرية، والنغم الموسيقي المعبّر، وهي عوامل ساهمت في انتشار الأنشودة على أوسع نطاق، حتى علقت بأذهان الأجيال، وغدت أيقونة أناشيد الأطفال في الجزائر. كما أشار هيمة إلى توفيق السائحي في تحقيق شروط الكتابة للطفل من الناحية الفنية، فجاءت جل القصائد سهلة واضحة المعاني والأفكار، تتوفر على أهم الشروط الفنية لشعر الأطفال، مثل الاعتماد على الصور المجازية، والرموز القريبة التي لا تطمس المعنى وتبتعد به عن المقصود، والإيجاز والتركيز في الأبيات، واعتماد أسلوب السرد القصصي، وتوظيف البحور الشعرية ذات الإيقاعات الخفيفة والجذابة، التي تناسب الأناشيد.