عبد القادر بن دعماش في ندوة كريشاندو:

الزاهي أيقونة.. جرأتُه أدخلته باب النجومية

الزاهي أيقونة.. جرأتُه أدخلته باب النجومية
الأستاذ عبد القادر بن دعماش
  • القراءات: 561
لطيفة داريب لطيفة داريب

قال الأستاذ عبد القادر بن دعماش إن عمر الزاهي أحدث ثورة في الغناء الشعبي، من خلال تجديده ألحان القصائد المعروفة. كما تميّز بالجرأة والعبقرية، وهو ما جعل محبيه يفوقون أعداد معجبي العنقا وقروابي. استضافت مدرسة الفنون كريشاندو بالبليدة، أول أمس، الأستاذ ومدير الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي عبد القادر بن دعماش، الذي تحدّث عن إصداره الجديد "الشيخ عمر الزاهي، رائد الجيل الجديد لأغنية الشعبي"، الذي صدر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. كما عاد إلى مسيرته الفنية والعملية، والتي قضى جزءا منها في مدينة الورود.

وقال بن دعماش إنه حضّر مذكرة تخرجه من مدرسة الإدارة بالبليدة، واحتك هناك بالعائلة الفنية. كما سبق له تنشيط محاضرة بالمنطقة، ومن ثم تمت استضافته من طرف السيدة نادية بورحلة، لتقديم كتابه الجديد. وذكر بن دعماش أن الشاعر قديما، كان يقوم بدور الصحفي، حيث كان يقدّم في قصائده معلومات غزيرة، لينتقل إلى دور رجال الجزائر من الإعلاميين والتقنيين في تقديم الكثير للبلد، خاصة في فترة الاحتلال الفرنسي، مثل علي معاشي، الذي كان تقني صوت باهرا، وعيسى مسعودي، الذي قال له الرئيس بومدين، إنه ساهم 50٪ في إنجاح الثورة الجزائرية بصوته الجهوري، الذي كان يطلقه من تونس، ليؤكد إمكانية ترسيخ جزائر جديدة، مثل ما أكد الرئيس تبون، وهو ما يتطلب فترة من الوقت، ورجالا متحررين من كل قيود الماضي.

كما تحدّث بن دعماش عن برنامجه الذي كان يقدمه في القناة الإذاعية الثالثة "مايا وحسين" لمدة عشرين سنة، والذي توقف عن تنشيطه بعدما تيقن أن كل المعلومات التي تُقدم فيه، لن تترسخ في أذهان المتلقي، وهو نفس الاستنتاج الذي خرج به حينما واجهه أستاذ في جامعة وهران، مخبرا إياه أن كل ما يتحدث عنه مجرد كلام في الهواء، ليقرر بن دعماش الانطلاق في الكتابة. وبعد أقل من أربعة أشهر من الحادثة، قدّم  للأستاذ المعني، كتابين. ولم يكن الطريق إلى الكتابة صعبا بالنسبة لبن دعماش، لأنه، حسب تصريحه، كان يكتب كل ما كان يتفوه به في برنامجه الإذاعي. كما كان يقوم بأرشفة كل عدد منه، وهو ما سهل له الأمر حينما شرع في الكتابة، ليصدر له إلى حد الساعة، 31 كتابا. وفي هذا السياق، أكد بن دعماش اهتمامه البالغ بأرشفة المسيرة الفنية لفناني الشعبي والملحون، قال: "حينما أرحل عن الدنيا سأترك من ورائي كتبا، ومن بينها هذا الكتاب عن الزاهي، الذي استعنت فيه بشهادات من عرفوه خاصة عن قرب، مثل محمد شلال، فالكتب تساهم في بناء الأمم".

وفي رده على سؤال "المساء" عن سبب اختياره عمر الزاهي لكتابة مؤلَّف عنه، قال بن دعماش إنه اتخذ هذا القرار حينما حضر جنازة الفنان، ودهش للعدد الهائل من محبيه، الذين أبوا إلا أن يرافقوه إلى مثواه الأخير، ليقول في نفسه إن هذا الفنان يستحق أن يُكتب عنه. وأضاف أنه لم يستطع إصدار كتابه بفعل الجائحة، إلى أن تمكن من تحقيق هدفه في الفترة الأخيرة، والمشاركة، أيضا، في الصالون الدولي للكتاب، الذي نُظمت طبعته الأخيرة في مارس الماضي. وتابع مجددا أنه كان يعرف الفنان عمر الزاهي منذ بداياته، خاصة أنه كان، أيضا، مطربا شعبيا، وكانا يتحدث كثيرا في أمور تتعلق بالفن الشعبي والملحون، وكانا يلتقيان في الحي الشعبي للزاهي "لوني أرزقي"، وفي مقهى عمي السعيد، لكن بن دعماش ابتعد عن الزاهي حينما بلغه انه أصبح يبتغي العزلة.

وتابع أن الزاهي لم يزهد على شاكلة المتصوفة، بل لم يعد يحب الحياة الاجتماعية، معللا ذلك بعيش الزاهي طفولة قاسية، حيث تخلى عنه والده وكان في عمره أربع أو خمس سنوات، وارتحل إلى أكثر من منطقة، وفي كل منها كان ينجب أطفالا، ويتخلى عنهم أيضا. وهكذا غادر عمر رفقة والدته وجده، قرية إيغيل بوعماس (بني يني)، وانتقل جميعهم إلى باب الجديد، وبالضبط في "رامب فالي" أو لوني أرزقي، حيث كانت وماتزال تسكن هناك عائلات حافظوا على القيم الحميدة، خاصة تلك التي تنص على التآخي فيما بينهم، وهو ما حدث مع الزاهي، حيث اعتنت نساء الحي به صغيرا، وحتى كبيرا، خاصة بعد وفاة جده، ثم والدته، وبقائه وحيدا وكان في عمره 19 سنة، وحتى بعد اختياره العزلة، يضيف بن دعماش.

وقال بن دعماش برفض الزاهي مبلغ 50 مليون سنيتم منحته له وزارة الثقافة عام 2012، وهو القرار الذي مس فنانين كبارا، حتى إنه رفض وساطة قروابي. كما رفض تسلّم المال من تاجر باع أسطوانات الزاهي بشكل غير قانوني، وأخبره عبر الفنان إسماعيل هني، بأن يصرف هذا المال على أولاده. وأشار بن دعماش إلى تواضع الزاهي الكبير، حيث قال في أحد حواراته النادرة جدا للصحفي حميد كشاد، إنه فنان متواضع جدا، ولا يفهم اهتمام الصحافة به. كما كان يشيد بعبقرية الجوق الموسيقي الذي كان يرافقه، مثل خير الدين ميكاكيش، وموح الصغير، وهو ما كان يسعدهم كثيرا. كما كان الزاهي يتدرب كثيرا في بيته، وكان جريئا وعبقريا، فكان يغيّر من ألحان القصائد الشهيرة مثل ما كان يفعل العنقا، علما أن الكتاب الجديد لبن دعماش سيكون حول العنقا. وكان الزاهي يوظف صوته بشكل جميل جدا يدخل قلب كل من يستمع إليه، ليكون بذلك نجما خالدا.