الحليّ التقليدية بباتنة

تراث وحرفة لم تفقد بريقها

تراث وحرفة لم تفقد بريقها
  • القراءات: 813
ق. م ق. م

اشتهرت منطقتا وادي عبدي والوادي الأبيض بولاية باتنة، منذ القدم، بامتهان قاطنيهما حرفة الحليّ التقليدية، ليظل هذا التراث متوارَثا بالجهة، أبا عن جد. ولم يفقد هذا التقليد الحرفيّ الذي استمد سماته الأساسية من الناحية الزخرفية والتصميمية من الطبيعة الأوراسية، لم يفقد بريقه، ومازال يحتفظ بجاذبيته وسحره في أوساط الحرفيين، الذين تحوّلوا إلى حماة وحراس حقيقيين لهذا الموروث الثقافي المتجذر في تاريخ المنطقة.

يقول الحرفي المختص في هذا المجال محمد أمغشوش، إنه ورث أسرار المهنة عن جده وأبيه، وعن أختيه "همامة" و"كوكة"، اللتين كانتا أولى ممتهنات هذه "الصنعة" بمنطقة الأوراس، لافتا إلى أن صناعة الحلي التقليدية بالمنطقة، كانت ـ  حسب المتداوَل في العائلة ـ تقليدا ضاربا في القدم، انطلاقا من مشونش بولاية بسكرة المجاورة، إلى غاية وادي الطاقة بباتنة، مرورا ببوزينة ومنعة ونارة وشير وثنية العابد، وحتى آريس. وما يميز الحلي التقليدية الشاوية الأصيلة، استنادا إلى المتحدث، خلوّها من الصبغات والألوان، فتظهر بسيطة، معتمدة، في الغالب، على أشكال هندسية ونباتية وحيوانية إلا في حالات قليلة، تزيَّن بعض قطعها بحجارة حمراء وخضراء، ومنها خاصة "إمساكن" أو "تيبزيمين"، وهي حِلية تثبَّت طرفي الملحفة على الكتفين.

وقد برع الحرفيون بالمنطقة، الذين اكتسبوا عبر الزمن، خبرة ودراية كبيرة في القولبة، وما تتطلبه من دقة وصبر، يردف ذات الحرفي، في تصميم وتنويع الحلي التقليدية، التي تغطي، تقريبا، كل أنحاء جسم المرأة من الرأس إلى القدم، من أقراط "تيمشرفن"، مرورا بالسخاب "لاي"، فالأساور التي تفوق أحيانا 12 قطعة في الساعد الواحد للمرأة، ثم الحلقات الخاصة بالأرجل أو ما يسمى "إيخلاخالن". ويستمد، في الغالب، الحرفيون الزخارف والرسوم التي يزيّنون بها الحلي التقليدية، وفق ما ذكر رئيس جمعية "أزطا ناللحاف" (نسج الملحفة)، كمال راجعي، من الزرابي، وهي الأشكال التي تجود بها قريحة المرأة وهي أمام المنسج، تحيك هذا الفراش التقليدي العريق، الذي يقال بأن النساء يودِعن فيه جانبا من أسرارهن وهمومهن اليومية.

ويرى المسؤول أن الحلي التقليدية ظلت وماتزال تلقى رواجا كبيرا بالمنطقة. وتحرص الكثير من النساء على التزين بها، ولا يقتصر ذلك على المناسبات فقط، بل يتعداه إلى باقي أيام السنة؛ تمسّكا بهذا الإرث الثقافي، ووفاءً لتراث الأجداد. ويحرص الحرفيون الذين استهوتهم هذه الصنعة، على الإبقاء على النماذج الأصلية للحلي التقليدية الشاوية، والمحافظة عليها من أي تشويه، باعتباره تراثا أصيلا، مازال يعكس التمسك والافتخار بالثقافة المحلية والترويج لها، كعامل دفع للسياحة، كما جرى توضيحه.

صناعة المجوهرات أكثر الأنشطة انتشارا

تشير إحصاءات غرفة الصناعة التقليدية والحرف بباتنة، إلى أن الحلي التقليدية وصناعة المجوهرات، أكثر الأنشطة انتشارا بالولاية، سواء في الإطار القانوني المنظم، أو غير القانوني. ويفوق عدد الحرفيين المسجلين في صناعة الحلي التقليدية، 483 حرفي، و1312 آخر في صناعة المجوهرات، يتمركزون، حسب ما صرح بذلك مدير القطاع العايش قرابة، بمدينة باتنة، لكن أغلبهم ينحدرون، خاصة، من البلديات التي تقع شرق الولاية التي تُعتبر قطبا في هذا المجال، منها وادي الطاقة، التي تأتي في المرتبة الثانية في مجال صناعة المجوهرات، متبوعة ببلديات منعة وشير وثنية العابد وبوزينة وآريس.

وبالنظر إلى أهمية هذا النشاط وازدياد عدد المنخرطين فيه، ظهرت، محليا في سنة 2006، جمعية حرفيي وتجار المجوهرات، التي تحولت إلى جمعية وطنية في سنة 2020، لتستفيد، بعدها، الجمعية، وفق المصدر، من اتفاقية شراكة في إطار برنامج دعم الجمعيات المهنية، الذي يدخل ضمن التعاون التقني الجزائري - الألماني. وعرفت سنة 2015، يقول السيد قرابة، انطلاق مشروع تطوير التجمعات المهنية في الصناعات الثقافية والإبداعية في جنوب البحر الأبيض المتوسط الذي يموله الاتحاد الأوروبي، بمساهمة من التعاون الإيطالي، والذي تنفّذه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، حيث اختير نشاط صناعة الحلي والمجوهرات بولاية باتنة.

وكان من بين أهداف هذا المشروع، تطوير مستوى أداء الحرفيين، من خلال اكتساب التقنيات والمهارات الحديثة، وتطوير نوعية المنتوج وجعله قابلا للتصدير، وإكسابه المعايير الدولية لتحقيق التنافسية، ليتم تنظيم عدد من البرامج لفائدة المنتمين إلى هذا التجمع، منها دورات تكوينية، وورشات إبداعية. وتندرج كل هذه المبادرات، حسب ما ذكر رئيس دائرة التطوير والتنشيط الاقتصادي بغرفة الصناعة التقليدية والحرف بباتنة إبراهيم بن جابو، في إطار تثمين هذا النشاط بشقيه الحلي التقليدية والمجوهرات.

فبالنسبة للحلي التقليدية، طوّر الحرفيون الناشطون فيها بالولاية، مهاراتهم، وأصبحوا، حاليا، يستخدمون تقنيات حديثة، كآلات التقطيع بواسطة أشعة الليزر والطابعات ثلاثية الأبعاد، إلى جانب تقنيتي "الفتلة" و"الصب والقولبة"، اللتين برع فيهما حرفيو الأوراس منذ القدم، وجعلتا منتوجهم متميزا، وذا سمعة عبر الوطن. وبدون التخلي عن حرفة الأجداد، أصبح الحرفيون يصنعون الحلي التقليدية من الذهب إلى جانب الفضة المعدن الأصلي الذي كانت تُصنع به، مستعينين، في ذلك، بنماذج عتيقة من الحلي التقليدية، التي مازالت، إلى حد الآن، حسب ما ذكر فاعلون في هذا المجال، تحتفظ بجاذبيتها، وسحرها، ومكانتها كتراث عريق، شاهد على إبداع حرفيّي المنطقة منذ القديم.