"المساء" تفتح ملف حماية التراث الوطني

الخبراء: الوعي والقانون كفيلان بردع المعتدين

الخبراء: الوعي والقانون كفيلان بردع المعتدين
  • القراءات: 527
مريم. ن مريم. ن

وضعت الجزائر ترسانة قانونية ثرية ومحكمة، لحماية تراثها الوطني من مواقع أثرية ومحميات ومقتنيات وغيرها، ويعتبر قانون 04/98 المرجع في مسألة حماية التراث الثقافي، حيث ساهم في حماية التراث من السرقة والنهب والتشويه، بالتالي خطت الجزائر خطوة جبارة في التشريع القانوني الخاص، مشهود له من العديد من دول العالم.. في هذا الشأن القانوني ومدى أهميته في التراث الوطني، تحدث بعض الخبراء والمهتمين لـ"المساء"، بين من يؤيد هذه الترسانة، ومن يوصي بأهمية انتشار الوعي بين الناس، كحام أول للتراث والممتلكات الثقافية العامة.

 


 

الدكتور محمد الأمين بلغيثالقوانين ضمان للحقوق

أشار الدكتور بلغيث في حديثه لـ "المساء"، إلى أن حماية التراث تعني حماية الأرشيف الوطني المادي منه والمعنوي، وأيضا ضمان الملكية الفكرية والتأليف، ويقول هناك صراع اليوم مع جيراننا حول ملكية اللباس والمأكل والتقاليد وكل ما له صلة بالتراث، فمثلا أغنية تؤديها كل الشعوب عبر العالم، لكن صاحبها واحد وله جنسية، بالتالي ملكيتها تكون له، تماما كما أغنية حيزية لبن قيطون، قد يغنيها مغربي، لكن عليه أن يدفع حقوقها ويطلب الإذن من وزارة الثقافة الجزائرية".

تكمن فائدة القوانين، حسب متحدث "المساء"، في جعل المعتدى عليه وصاحب العمل يأخذ حقه عن طريق المحاكم الدولية والمحلية، فمثلا يضيف كتاب ما إذا تجاوز عمره 50 عاما، يصبح ملكا عاما، لكن قبل ذلك يكون ملكا لدار النشر، بالتالي فإن القوانين هي من ينظم العلاقات الثقافية بين البشر". كما يؤكد المتحدث أن القوانين تبقى أداة من أدوات الردع، لضمان حقوق أصحابها، وإلا أصبحت الفوضى هي الحكم.

 


 

الدكتور عبد الحميد بن شيخالقانون يضبط الأمور

أكد الدكتور عبد الحميد بن شيخ من جانبه، أن القوانين هي الأهم في مسألة حماية التراث، هذا الأخير الذي يؤصل لعمليات اجتماعية تجري داخل البلد الواحد، بالتالي فإن القانون يضبط الأمور، ويضيف المتحدث "وحتى النزاعات والمشاكل تحل في ظل القانون بآلية والأمور تجري بسلاسة، وتسهل المهام على العاملين في مجال التراث، من ذلك المطالبة بالمسروقات المنهوبة والتهريب في فترة الفراغات القانونية، فمثلا منذ أيام، استرجعت السلطات الليبية مسروقات هربت في فترة الفوضى لتعاد للمتحف الليبي، ونحن أيضا لدينا الكثير في فرنسا، إذ هربت المسروقات والقطع إبان الاحتلال وتواصلت بعد الاستقلال، وبيعت بثمن باهض، لكن الاتفاقيات الثنائية سهلت المطالبة بها وبأشياء ضائعة أخرى".

 


 

الأستاذ محمد لمين بلحميسي (إطار بمنظمة الأمم المتحدة): الوعي يسبق القانون

من جهته، قال الأستاذ محمد لمين بلحميسي "عرفت قيمة تاريخنا وتراثنا من والدي الراحل مولاي بلحميسي، الذي دحض بالدليل، الدعاية الفرنسية التي قالت، إن الجزائر لم تكن قائمة قبل 1830"، كما تحدث عن تجربة حياته في إيطاليا التي دخلها والده ليفتش عن الجزائر، ووصل إلى أرشيف الفاتيكان، وظل دوما يبحث عن وقائع التاريخ ليسجلها، وطبعا فإن "بلدنا القارة فيه من الكنوز ما يستحق الحفظ والصون".

أكد المتحدث أن الوعي في المجتمع يسبق القانون، وهذا يبدأ من تنشئة الصغار عبر المدرسة وتعريفهم بتراثهم وتاريخهم الضارب في القدم، وأن الجزائر لم تولد في 1962، بل هي قديمة قدم التاريخ، ويضيف لا تلوموا غيرنا على الهجوم على تراثنا ونهبه، علما أنهم يبيعون السراب والكلام، لكن في المقابل، علينا اليوم أن نقدم الأفعال ولا نترك الساحة فارغة ليلعب فيها الأعداء".

أوضح بلحميسي أن التاريخ أمر أساسي للدولة، وهو أمر اكتشفته مبكرا بعض الدول التي ليس لها تاريخ زاخر، مثل الجزائر، ورأت أن التاريخ لبنة تجمع الشعب قبل أن يوحدها الرخاء الاقتصادي، كما يرى المتحدث أن القانون وحده لا يكفي لحماية تراثنا وهويتنا، بل لا بد من تعزيز الوعي الجماعي، فمثلا بالنسبة لإيطاليا، عندما يتزحزح حجر من معلم ما، ينهض الجميع للإبلاغ عنه وإحاطته بالرعاية اللازمة والاستنفار، وذات مرة قام مناصرون لفريق رياضي بالكتابة على معلم تاريخي بنابولي، فاهتزت كل إيطاليا، بالتالي فإن بلحميسي في حديثه، مقتنع بأن القانون يضعه الشعب ويقف على تجسيده على أرض الواقع، بدل أن يبقى حبرا على ورق، وبأن هذا التراث والتاريخ لا يعني الدولة وحدها، فإنه يحتاج للوعي والثقافة والتعبئة. وأعطى المتحدث مثالا عن تركيا التي استثمرت في تاريخها وحققت به ما حققته.

 


 

عبد العزيز بوكنة (عميد جامعة العلوم الإنسانية): القانون لا يكفي

يرى الأستاذ عبد العزيز بوكنة (عميد جامعة العلوم الإنسانية) أن عملية سن القوانين وحدها لا تكفي لحماية تراث بلد ما، لكن يلزم في ذلك، توفر الوعي العام الذي تنتجه المدرسة والتنشئة، حيث يدرك الإنسان قيمة هذا التراث، عوض أن يمشي عليه ويدهسه برجليه. أشار البروفيسور بوكنة، إلى أن الحركة الإنسانية في إيطاليا، ظهر معها الوعي القومي العام، مركزا على تراث هذا البلد وثقافته منذ عهد الرومان، بالتالي تجسد وعي الفرد وقيمته، وهو الذي كان قبلها يهشم تراث روما ليصبح يحميه بشراسة. وأضاف أن في الجزائر لا يزال الإهمال ظاهرا في مواقع كثيرة، بالتالي فإن القانون وحده لا يكفي.

 


 

ليديا آيت علي (رئيسة مصلحة الاتصال بالمتحف البحري وأثرية مكلفة بالحفظ): القانون حامي التراث

في نفس السياق، أشارت الأستاذة ليديا آيت علي، إلى أن قانون98-04 ينص على حماية الممتلكات الثقافية تحت الماء وفوق الأرض، والمنقولة منها والثابتة التي يزيد عمرها عن 100 سنة، لتكون ملكا للدولة، بالتالي ليس لأحد أن يتاجر أو يتصرف فيها، إضافة إلى منع خروج أي قطع خارج حدودنا، علما أن حتى الخواص إذا وجدوا قطعة في أرضهم، فهي لزاما تدخل ضمن الممتلكات الثقافية، وتضيف المتحدثة، أن هذه الحماية الصارمة والتوثيق سبيل لصد السرقة والتهريب.

بالنسبة للمخطوطات بالجنوب، فإنها معنية بنفس القانون، وهي لا تباع ولا تشترى، رغم أنها في مكتبات وزوايا خاصة، كذلك البيوت الأثرية وغيرها، زد على ذلك البحث العشوائي عن الكنوز الذي يعاقب عليه القانون، أو طمس معلم ما يتيح الاستقرار وضمان التنمية المستديمة في قطاع السياحة. عموما، فإن القانون الجزائري، حسب المتحدثة، صنف الممتلكات الأثرية ضمن الممتلكات الثقافية العقارية والمادية، والتي تعد حسب المادة 02 من القانون 98-04 المؤرخ في 15 جوان 1998، المتعلق بحماية التراث الثقافي تراثا ثقافيا للأمة، الموروث عن مختلف الحضارات المتعاقبة منذ عصر ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا، والآثار العمومية، بما فيها الحظائر الأثرية، لاسيما الآثار الموجودة بالمتـاحف.

أضافت آيت علي، أن المشرع الجزائري اعتبر الأملاك الوطنية العمومية، حسب مفهوم المادة 16 من قانون 90-30 المؤرخ في 01/ 12 /1990، المتضـمن قانون الأملاك الوطنية المعدل والمتمم، وتضيف المادة 64 من القانون 98-04، بأن الممتلكات الثقافية الأثرية المنقولة الناجمة عن حفريات مبرمجة أو غير مبرمجة، أو اكتشافات عارضة حديثة أو قديمة في الإقليم الوطني، تعد من الأملاك الوطنية، ولا يمكن أن تكون محل صفقات تجارية .