"المساء" تميط اللثام عن حرفة عريقة في متيجة

صناعة المربى التقليدي.. "همة وشان وعولة"

صناعة المربى التقليدي.. "همة وشان وعولة"
  • القراءات: 1969
شيدة بلال شيدة بلال

حرفيات يبدعن في "المعاجن" ويتطلعن لتغطية السوق

 اكتسبت ولاية البليدة شهرة واسعة في صناعة مختلف أنواع المربى الطبيعي، بالنظر إلى طبيعة المنطقة المعروفة بزراعة الحمضيات، وبعض أنواع الفواكه الأخرى، حيث تشير الإحصائيات المستقاة من مصالح الفلاحة، إلى أن إنتاج الحمضيات على مستوى الولاية، يغطي 33 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، بأكثر من 40 صنفا من الحمضيات، مزروعة على مساحة تقدر بـ19764 هكتار، مما ساهم في إنعاش حرفة تحويل مختلف أصناف هذه الفاكهة إلى مربى طبيعي لذيذ، بأذواق ونكهات مختلفة، أصبح يزاحم الحلويات في الأعراس والمناسبات السعيدة.

لا تزال العائلات البليدية متمسكة بالعديد من العادات والتقاليد، التي تعتبرها جزءا من هويتها وانتمائها، ومن بين هذه العادات؛ صناعة مختلف أنواع المربى، بما تجود به سهول متيجة الشاسعة من حمضيات يزيد تعدادها عن الأربعين نوعا، وحسب ما رصدته "المساء"، على ألسنة عدد من الحرفيات، فإنه لا يكاد منزل من منازل العائلات البليدية يخلو من المربى على اختلاف أنواعه، تبرع ربات البيوت في صناعته بطريقة تقليدية طبيعية خالية من الحوافظ والملونات، ليكون حاضرا على طاولة الإفطار في الصباح وخلال السهرة، كتحلية تجتمع حولها العائلة، وبالمناسبة، أشارت بعض الحرفيات إلى أنهن بصدد التحضير لكميات من المربى، تحسبا لقدوم الشهر الفضيل، حيث تكون مثل هذه التحليات مطلوبة في سهرات رمضان، خاصة أن المربى أو "المعجون" لم يعد يقدم بالطريقة التقليدية في صحون صغيرة، إنما يقدم كقطع من الحلوى مختلفة الأشكال والأذواق، ترافق كؤوس الشاي، وبعضها يتم مزجه مع بعض المكسرات، لتقديمه في شكل مختلف وجذاب، فيما يتم الاستعانة ببعض الأنواع في أطباق اللحم الحلو.

تقليد متوارث يعكس الانتماء إلى المتيجة

من بين الحرفيات اللواتي برعن في صناعة مربى مختلف أنواع الحمضيات، الحرفية نورة كهبوب، التي أبت إلا أن تخرج حرفة صناعة المربى من المنازل والتعريف بها، من خلال مشاركتها في مختلف المعارض المحلية والوطنية، في دردشتها مع "المساء"، قالت إنها تعلمت حرفة صناعة المعجون على يدي والدتها، التي كانت تحول كل أنواع الحمضيات إلى مربى، كمربى "الارنج" و"السفرجل" و"التشوينة"... وغيرها من الفواكه التي تجود بها حقول الولاية، مشيرة إلى أن أهم ما كان يميز البيوت البليدية قديما، وجود المعجون مخزنا في المنازل، ويتم تناوله بصورة يومية، حيث يكون حاضرا على طاولة الإفطار، ويقدم أيضا للضيوف، وكما يقال في الثقافة الشعبية بالمنطقة "برج تشينة خير من كأس قازوز".

الفواكه الموسمية تحدد نوعية المربى المحضر

في السياق، أوضحت المتحدثة "بأن الميزة التي كانت تحرص عليها ربات البيوت في الماضي، هي تحويل مختلف أنواع الفواكه إلى مربى، حسب الموسم، بمعنى "أن كل موسم يتميز بالمربى الخاص به، مما يؤكد إيلاء المرأة البليدة اهتماما كبيرا لهذه الحرفة، التي عرفت في الآونة الأخيرة، الكثير من التغيرات، خاصة من حيث الشكل في محاولة عصرنة المربى وإخراجه من طابعه الكلاسيكي"، وذكرت المتحدثة، أنها اليوم وبعدما اختارت تحويل هذه الحرفة إلى صنعة تسترزق منها، تعمل على تجهيز كميات مختلفة قصد بيعها، حيث حولت منزلها إلى شبه ورشة صغيرة لتلبية طلبات محبي المعجون، غير أن المؤسف، حسبها "أنه على الرغم من توفر الحمضيات بمختلف الأنواع على مستوى الولاية، إلا أن أسعارها باهظة، خاصة لمن يمتهن هذه الصنعة، بالنظر إلى حاجته إلى كميات كبيرة من الحمضيات، أو حتى إلى باقي أنواع الفواكه، كالسفرجل، لتحويله إلى مربى أو صنع بعض أنواع من الشاربات من الليمون، الذي ارتفعت أسعاره أيضا بعد ارتفاع الطلب عليه"، لافتتا إلى أن الأنواع المتوفرة في كل المنازل من المربى وعلى مدار السنة، هي "مربى الارنج والبومبلوموس "الليمون الهندي" والسفرجل". حول الطريقة التي يحضر بها المربى، أشارت المتحدثة إلى أن أغلب ربات البيوت على مستوى ولاية البليدة، يعتمدن على طريقة واحدة لصناعته، وهي الطريقة التقليدية البسيطة التي لا يتم إضافة أي منكهات أو حوافظ على المربى، باستثناء مربى "الارنج" الذي يضاف له ماء الزهر من أجل تعطيره، ولعل هذا ما أسهم في شهرته وارتفاع الطلب عليه.

مربى البليدة بحاجة للتعريف به خارج الولاية

تعتقد الحرفية زبيدة لشهب من سكان مدينة بوفاريك، أن الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها ولاية البليدة في صناعة مختلف أنواع المربى  أو المعجون، خاصة معجون الحمضيات، يحتاج إلى التعريف به خارج الولاية، من خلال المشاركة في معارض وطنية، وحسبها، فإن تجربتها التي تزيد على 20 سنة في صناعة المربى، جعلتها تتأكد بأن بعض الولايات في الشرق والغرب وحتى الجنوب الجزائري، بحاجة إلى تتذوق ما تعده المرأة البليدة من مربى بنكهات وأذاق مختلفة، خاصة الأكثر شهرة، مثل مربى "التشوينة" و"ألارنج" و"السفرجل".

ما جعل الحرفية زبيدة تختار صناعة المعجون، هو مشاركتها في دورة تكوينية لصناعة الحلويات التقليدية، غير أن صناعة المربى استهوتها أكثر من الحلويات، فقررت التخصص فيها، لتنجح، وتقرر أن تصنع اسما لها في السوق، فتحولت صناعة المربى من حرفة تقليدية إلى نشاط اقتصادي، وشيئا فشيئا، أصبحت تعد طلبيات لمختلف أنواع المربى من داخل ولاية البليدة وخارجها، حيث تأتيها طلبات بتحضير المربى من العاصمة وتيبازة ومن بعض الولايات المجاورة، خاصة أن المربى ـ حسبها ـ "أصبح له نصيب في الأعراس ومختلف المناسبات"، قائلة بأن أهم ما يمز المربى الذي تعده، احتفاظ الفاكهة بشكلها، والذي يعود فيه السر إلى طريقة تحضيره التي تتطلب أن يطهى على نار هادئة، لا تفقده خواصه ونكهته وشكله.

طريقة تحضير المعجون تحكمها نوعية الفاكهة 

ردا على سؤال "المساء"، حول طريقة تحضير المربى، أوضحت الحرفية "بأن طريقة تحضير المربى تختلف من فاكهة إلى أخرى، حيث تحتاج بعض الفواكه لأن تطهى على البخار، مثل "التشوينة"، ومن ثمة تطهى في السكر والماء، بينما تحتاج أخرى إلى أن تغلي مباشرة في الماء والسكر، غير أن السر في تحضيره هو الاختيار الجيد للفاكهة وطبخها على نار هادئة، حتى لا يحترق السكر ويتغير لون المربى، مشيرة إلى أن من أكثر أنواع المربى طلبا على مستوى الولاية؛ مربى "ألارنج" و"التشوينة" وكذا معجون "المرقة"، الذي يتم إضافته إلى طبق اللحم الحلو في الشهر الفضيل، وتشتهر به الولاية. من جهة أخرى، أشارت الحرفية "إلى أن مختلف أنواع المربى مطلوبة في شهر رمضان، حيث تشرع مختلف الحرفيات في تحضير أنواع مختلفة من المربى لتلبية الطلب عليه، خاصة مربى التفاح والسفرجل، بغية إضافته إلى طبق اللحم الحلو الذي يزين المائدة في الشهر الفضيل.

أسعار السكر تتحكم في ثمن المربى

من بين التحديات التي تواجه حرفة صناعة المعجون بمختلف أنواعه على مستوى ولاية البليدة، شح المعارض التي تراجعت بفعل جائحة "كورونا"، الأمر الذي دفع بالكثيرات للتوجه إلى الترويج لحرفتهن عبر منصات التواصل الاجتماعي، من خلال عرض نماذج عما يتم تحضيره من أنواع "المعاجن"، غير أن التواصل مع الجمهور يبقى،  حسب الحرفيات، السبيل الأحسن للترويج والتعريف بحرفتهم، خاصة أنهن يمنحن للزوار إمكانية التذوق وأخذ فكرة عن منتجهن.

إلى جانب شح المعارض، فإن غياب الدعم هو الآخر أرهقهن، حيث تجد بعض الحرفيات صعوبة في التمسك في الحرفة، بسبب عدم وجود محلات لممارسة النشاط، حيث تعمل جل الحرفيات اللواتي تخصصن في تحضير المربى بالمنازل، من خلال تخصيص جزء من أركان البيت وتحويله إلى شبه ورشة لتحضير المربى، الذي يتطلب، حسبهن، من ثلاثة إلى أربعة أيام حتى يكون معدا للتسويق تبعا للكمية التي يتم تحضيرها، وحسبهن، فإن أسعار المربى يتحكم فيها سعر السكر "فإن ارتفع سعره ينعكس ذلك على سعر المربى، باعتباره أهم عنصر لابد من توفيره، إلى جانب الفاكهة المراد تحويلها إلى معجون، غير أن الأكيد أن أسعاره تظل معقولة وفي متناول محبي هذه التحلية الطبيعية اللذيذة".

من جملة التحديات التي تتطلع حرفيات البليدة إلى تجاوزها؛ التسويق للوصول إلى تغطية السوق بما يحضرنهن من مربى تقليدي، وهذا لا يتحقق بالاعتماد على إمكانيات بسيطة لتلبية بعض الطلبات، ومن ثمة يؤكدن أن هذه الحرفة بحاجة إلى تدعيمها، من أجل توسيع النشاط وفتح المجال للراغبات في تعلم هذه الحرفة، ولما لا التأسيس لمؤسسات مصغرة تنتج المربى بالطريقة التقليدية الطبيعية التي تحافظ على صحة المستهلك، وتحفظ حرفة الأجداد، خاصة في مجال الحمضيات، إذ يشتكي الفلاح من وفرة الإنتاج في غياب السوق التحويلية.