الروائي أمين زاوي يؤكد:

“جوع أبيض”.. ليس كتابا سياسيا

“جوع أبيض”.. ليس كتابا سياسيا
  • القراءات: 866
لطيفة داريب لطيفة داريب

❊ اللغة العربية أكبر من أي إساءة تتعرض لها

قال الروائي الدكتور أمين زاوي، إن موضوع روايته الأخيرة “جوع أبيض” الصادرة حديثا عن دار النشر “داليمان”، قض مضجعه لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات، ليتحرر منه في الأخير، من خلال كتابته رواية تنضح حبا، وإن تمرغ في وحل من العنف الذي يتسم به واقعنا.

قدم الدكتور زاوي روايته الصادرة حديثا “جوع أبيض”، أول أمس، بمدرسة الفنون “كريشاندو” بالبليدة. وتحدث عن موضوعها قائلا؛ إن فكرة الرواية راودته منذ سنوات، تناول فيها قصة زوج متشكل من جزائرية ومغربي يعيشان قصة حب، في ظل تعفن العلاقات بين الجزائر والمغرب، ابتداء من حرب الرمال سنة 1963، مرورا بما سمي بالمسيرة الخضراء، وانتهاء بيوم صدور الرواية، الذي صادف يوم قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب.

أضاف زاوي بأن روايته ليست كتابا سياسيا، لكن لا يمكن له كمثقف، أن يكتب بعيدا عما يدور في بلده، وعما يمس المجتمع الذي ينتمي إليه، معتبرا أن قصة الحب التي تناولها في الرواية هي ضحية للسياسة، في انتظار ما سيفصح عنه الجزء الثاني لهذا العمل. وفي هذا، دعا زاوي إلى التعايش بين الشعبين الجزائري والمغربي، اللذين تجمع بينهما الثقافة واللغة والدين، مؤكدا أنه لا يقدم في عمله هذا أي خطاب سياسي، أو حتى أخلاقي، بل يحكي قصة حب بين شابين.

تابع أنه استعمل في روايته كالعادة، الجانب الحسي، إضافة إلى التقطيع السينماتوغرافي، حيث يخيل لقارئ “جوع أبيض” أنه يشاهد فيلما، علاوة على اقتصاده في كلمات الرواية، حيث اختزل عدد صفحات الكتاب من 300 إلى 197 صفحة، بحذف كل ما اعتبره مكررا.

أما عن سبب اختياره لعنوان روايته “جوع أبيض”، فقد أرجعه إلى تسمية عرب مسيردة لأكلة الكسكسي بالحليب، بـ"الجوع الأبيض”، كرمز للفقر والحاجة، مضيفا أنه كان ينزعج حينما كان يجد رفقة أخواته السبع أكلة الكسكسي بالحليب، إلا أنهم كانوا ينسون الأمر بعد سرد والدتهم للحكايا قبل النوم، فقد كانت حكواتية بارعة.

في المقابل، اعتبر زاوي أن الحب رأس مال كبير علينا الاستثمار فيه، مشيرا إلى أن الجزائر تفتقده، حتى أننا نعتبر كلمة “أكرهك” عادية، في حين نتحرج من سماع كلمة “أحبك”. وفي هذا السياق، طالب زاوي بضرورة تغيير هذا الوضع، والبداية تكون من المدرسة، من خلال تعليم أبنائنا أن الحب ليس استهلاك جسد، بل ارتقاء بالروح واحترام الشريك والاعتراف بالاختلاف، وهكذا يمكن أن نعيش في دولة عصرية حقة.

وتابع، أننا نستعمل ألفاظا عنيفة حينما نتحدث، لهذا وجب تغيير هذا الأمر، لأننا نحب بلدنا ونريد له الأفضل، ليطالب بضرورة الاختلاط من دون خلفيات مريضة، وكذا التنصل من استثمار الدين في السياسة من طرف أناس دعوا إلى ثقافة الكراهية، واستثمروا شيئا من التراث وخلقوا فتنا، في حين أن الدين بريء من هذه الأفكار، كيف لا وهو الذي يدعو إلى الحب الذي يعتبر ضرورة لبناء إنسان حضاري في دولة حديثة.

تحدث زاوي عن كتابة أعماله باللغتين العربية والفرنسية، لأنه يعتبر نفسه مثقفا وصورة لهذا المجتمع، الذي يستعمل اللغتين، إضافة إلى اللغة الأمازيغية، مضيفا أنه إذا أراد مواكبة والتواجد مع المجتمع بكل شرائحه، وأن يكون في مستوى النخبة، فعليه أن يستعمل اللغات في كتاباته. وأكد عدم وجود أي عقدة لديه تجاه اللغة العربية أو الفرنسية، فهو يقرأ القرآن والأعمال الأدبية الكبيرة المكتوبة باللغة العربية، مثلما يطالع الأدب الفرنسي، معتبرا أن هذا الأمر أحدث له توازنا حقيقيا في حياته.

قال المتحدث، إن توظيف الإسلام في السياسة أساء إلى اللغة العربية والمدرسة والمسجد، كما انجر عنه حقد كبير ضد تعلم اللغات، وفي مقدمتها اللغة الفرنسية. وتابع أنه حاضر مؤخرا، في ملتقى بقرطبة (إسبانيا)، حيث قدمت مداخلات باللغات العربية والفرنسية والإسبانية، في مستوى واحد، وهو دليل على أن اللغة العربية كبيرة، وأنها أكبر من أي إساءة تتعرض لها.

اعتبر زاوي أن حبه الكبير لبلده يدفعه إلى عدم مغادرتها، رغم إمكانية تدريسه في بلاد العرب والعجم، حتى أنه فضل سنة 1999 مغادرة جامعة باريس، حيث كان يدرس بدرجة بروفسور، والعودة إلى الديار والتدريس في الجزائر، مؤكدا عدم تراجعه عن كل مواقفه ومواصلة كفاحه التنويري، وكذا تجاهله للشتم الذي يتعرض له أحيانا في وسائط التواصل الاجتماعي.

كما نوه زاوي بتنظيم النشاطات الثقافية من طرف فضاءات مختلفة، وهو ما سيوفر الوقت والمكان لكي يسمع المثقفون لبعضهم البعض، كما أن كل شيء كبير يبدأ صغيرا. شكر أيضا كل ما تقدمه له زوجته الكاتبة والشاعرة ربيعة جلطي، سواء في حياته أو حتى في مسيرته الأدبية، حيث يأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتها لما يكتبه، مضيفا أنه عرفها وهو في عمر 19 سنة، فهي قلبه وحياته وأم أطفاله الثلاثة.