فيضانات باب الوادي 2001

مأساة "السبت الأسود" تعود بمرارتها.. لكن بأمل في غد دون كوارث

مأساة "السبت الأسود" تعود بمرارتها.. لكن بأمل في غد دون كوارث
  • القراءات: 356
ك. م ك. م

استعاد سكان حي باب الوادي الشعبي وكل الجزائريين أمس، ذكرى فيضانات السبت الأسود  بكثير من الحسرة والألم على كارثة طبيعية أودت بحياة المئات، مازال الكثير منهم في عداد المفقودين ولكن وسط آمال بأن لا تتكرر المأساة التي ذاق مرارتها كل سكان الحي، الذين مازالوا يتذكرون مشاهدها لحظة بلحظة وبقيت راسخة في مخيلاتهم عقدين بعد حدوثها. وعادت الذكرى هذا العام وهواجس أثار الامطار التي تساقطت على العاصمة طيلة أسبوع، تسكن النفوس وخاصة لدى سكان حي باب الوادي الذي فقد أكثر من 800 شخص من سكانه جرفتهم مياه أمطار طوفانية تهاطلت على المدينة  طيلة ساعات كانت كافية لإحداث كارثة إنسانية لم يسبق للجزائر العاصمة، وكل الجزائر أن شهدت مثيلا لها منذ عقود.

واستعاد سكان أقدم الأحياء الشعبية بالعاصمة وأشهرها أمس، بكثير من الحصرة والألم ذكرى تلك التساقطات التي بدأت فجرا ودون انقطاع، لتتحول فجأة إلى طوفان جارف حمل كل ما صادفه في  مساره الذي بدأ في أعالي بوزريعة وحي الأرقم وسيدي بنور وبوفريزي إلى أسفل سوق تريولي على جانب شارعي الشهيدين رشيد كواش وحسن العسكري "ري ميزون" الذي تحول إلى مقبرة لعشرات "مجهولي الهوية" بعد أن جردتهم السيول من ألبستهم ووثائقهم الرسمية. كما تحول المكان إلى أكبر "مقبرة" لكل أنواع المركبات والسيارات وحتى الدراجات النارية التي كانت متوجهة إلى أعالي العاصمة، لتعيدها السيول من حيث جاءت ولكن بعد أن حولتها إلى مجرد هياكل حديدية غير صالحة وسط ركام أطنان الأتربة والأوحال وأصحابها إلى جثث هامدة. وكان يمكن تفادي تلك الكارثة لولا أن البحر كان هائجا في ذلك اليوم، أغرقت أمواجه العاتية الواجهة البحرية قبالة مركز التجنيد وساحة كيتاني وملعب كرة القدم المجاور، مما حال دون وصول السيول الجارفة القادمة من أعالي الحي إلى عرض البحر، ليجد كل من تواجد في المكان ساعتها نفسه بين فكي كماشة مياه متساقطة جارفة وبحر فاضت مياهه، لتكون نهايتهم المحتومة بموت مفاجئ لمئات المواطنين من سكان باب الوادي والعابرين له إلى وجهات أخرى في غرب العاصمة أو الذين قصدوها في ذلك اليوم المشؤوم.

وكان المشهد فظيعا عاش أطواره سكان الطوابق العليا من العمارات المطلة على شوارع، وأزقة حي باب الوادي بكل حيثياته وسط حسرة  لا توصف وقد وجدوا أنفسهم غير قادرين على مد يد المساعدة لنساء وأطفال وشيوخ ورجال كانوا يطلبون النجدة دون جدوى ليختفوا دقائق بعد ذلك في تلك الامواج المتدفقة. ومازال الكثير من سكان الحي يتذكرون تلك المشاهد بأدق تفاصيلها احتفظ كل واحد منهم بحكاية نغصت عليه حياته لعدة سنوات، بل أن الكثير منهم مازالت تشكل له كابوسا استدعى علاجا نفسيا لنسيان ما رأى. وكان كافيا لساعات من التهاطل المتواصل لأن تحول الحي من مكان يعج بالحركة إلى حي للأشباح ورائحة الموت وطيف الضحايا المحلق في سمائه. وبمجرد انزياح وهول الصدمة تحول الحي إلى مقصد لفرق إنقاذ دولية جاءت من كل بلدان العالم  في محاولة للعثور على أحياء وسط ترقب كل من فقد أما أو أبا أو أخا أو صديقا الذين كانوا يتابعون أخبار الكارثة والناجين وهوية الجثث التي عثر عليها ومن هم أصحابها.

استنفار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

وتحول حي "باب الوادي الشهداء" كما ينعته سكانه من الشباب مباشرة بعد ذلك إلى ورشة لإزالة، ركام البنايات المنهارة وأطنان بقايا السيول المنهمرة ضمن مشهد تواصل على مدار سنوات استعاد على اثرها الحي الوجه الذي يليق به كأحد أحياء العاصمة العتيقة أكسبته شهرة في كل الجزائر وخارجها. واستعاد سكان الحي الذين لم يتم ترحيلهم إلى أحياء جديدة بالعاصمة سكينتهم بشكل تدريجي وعادت الحياة لتدب من جديد في مفترق الشوارع المؤدية الى الساعات الثالث وسوق نيلسون وشارع أول نوفمبر تحولت معها المأساة إلى ذكرى من الماضي على أمل أن لا تتكرر، بعد أن حرصت السلطات على إعادة النظر في كل شبكة الصرف التي كانت السبب المباشرة في وقوع كارثة السبت الأسود.  وكل من تجول أمس، في شوارع الحي العتيق بعد عقدين من الزمن،  يكون قد لاحظ أن الكارثة أصبحت في حكم الماضي حتى بالنسبة لأولئك الذين تجرعوا مرارتها بفقدان قريب أو جار أو صديق، بعد أن استعاد حركيته التجارية وتحول من جديد إلى وجهة لسكان أحياء العاصمة الأخرى، يقصده كل واحد لاقتناء ما يريد كونه حي الزوالية والفرصة غير المنتظرة لكسب قوت اليوم.