"المساء" تقف على واقع المركب الرياضي بالخروبة

إرث ثمين في طريق الزوال

إرث ثمين في طريق الزوال
المركب الرياضي للخروبة
  • القراءات: 621
ع. اسماعيل ع. اسماعيل

الحديث عن المركب الرياضي للخروبة، القريب من الأحياء الشعبية؛ حسين داي والحراش والمقرية، يجرنا دائما إلى ذكر الجمعية الرياضية لديناميكية اتحاد البناء، التي جسدت في هذا المكان بالذات، تجربة رائدة في التسيير الرياضي المدروس، قبل زوالها من الخارطة الرياضية الوطنية.

تم الشروع في تحويل فروع الرياضات الجماعية لديناميكية اتحاد البناء إلى نادي أولمبي العاصمة، الذي أنشأته ولاية الجزائر، للحفاظ على استمرار النشاط الرياضي في هذا المركب، الذي ـ للأسف الشديد ـ تراجع دوره الريادي في توفير شروط الممارسة الرياضية، بسبب الوضعية المزرية لجزء كبير من مرافقه، التي تشهد تدهورا كبيرا منذ توقف نشاط نادي ديناميكية البناء، الذي لا زالت الذاكرة الرياضية تحتفظ بالمرحلة الذهبية التي قضاها في هذا المركب، بعد تأسيسه في شكل جمعية رياضية، نجحت في الجمع بين ممارسة الرياضية الجماهيرية ورياضة النخبة، بفضل سياسة رائدة ورشيدة في التكفل بكل الفئات الشبانية، من فئة الأصاغر إلى فئة الأكابر وفي مختلف الاختصاصات الرياضية، مما جعل تشكيلات هذا النادي تتواجد في مختلف أطوار البطولات الوطنية، ومنافسة الفرق والجمعيات الرياضية على أعلى مستوى، بل ونالت ألقابا وكؤوسا ومثلت الجزائر في المنافسات الإفريقية، على غرار فريق الأكابر لكرة القدم، الذي سجل اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ هذا النادي، بعدما صعد إلى القسم الأول وخاض منافسة الكأس الإفريقية للأندية الفائزة بالكؤوس، عقب نيله سنة 1982، لقب كأس الجزائر على حساب نصر حسين داي.

زوال جمعية رائدة في التسيير الرياضي

نادي ديناميكية اتحاد البناء، لم تكن لديه، على عكس الفرق الرياضية الأخرى، قاعدة شعبية يرتكز عليها خلال مشاركاته في المنافسات الرسمية، لكنه توصل رويدا رويدا إلى كسب تعاطف وحب الجماهير الشعبية التي تعشق الرياضة، بفضل النتائج الباهرة التي كان يسجلها في مختلف الاختصاصات الرياضية، وبفضل أيضا السياسة الرياضية الرشيدة التي كان يتبعها مسيروه، وعلى رأسهم المرحوم العقيد عبد المجيد أوشيش، الذي لا زال يلقب بالأب الروحي لاتحاد البناء، إذ كان وراء إنشاء هذا النادي وبعث نشاطه على أوسع نطاق، بفضل المؤسسات العمومية للبناء التي كانت تحت إشرافه، وأصبحت فيما بعد الممول الرئيسي  للنادي، الذي تحول إلى قاعدة رياضية جماهيرية، أشبه بالنظام الاحترافي في بعض فروعه الرياضية، والذي عمر لمدة عشرين سنة في فروع كرة القدم، كرة اليد، كرة السلة، الكرة الطائرة، السباحة، الفنون القتالية، وألعاب القوى بكل اختصاصاتها.

لكن، كما يقول المثل، تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، بعدما بدأت أسسه الرياضية تتهاوى واحدة بعد الأخرى، عقب صدور مرسوم 1989، الذي أعلن عن تخلي الشركات الوطنية الاقتصادية عن التكفل وتقديم الدعم المالي لكل النوادي والجمعيات الرياضية، فكان اتحاد ديناميكية البناء من بين ضحايا ذلك المرسوم المشؤوم، الذي قضى على تجربة رائدة في تكفل الدولة بالرياضة على نطاق واسع، وبكثير من الجهد والعطاء، لتطوى بذلك الصفحة الذهبية للإصلاح الرياضي الذي بدأ في 1977.

هيكل رياضي بدون روح

في 1982، وبعد إعادة هيكلة "la DNC"، حاولت هذه الأخيرة التقليل من حجم التسيير المالي لفروعها الرياضية، من خلال توزيع هذه الأخيرة على مؤسساتها الفرعية، غير أن هذه السياسة لم تصمد طويلا، فاضطرت إلى التخلي عنها بصفة نهائية، وأوكلت مهمة تسييرها إلى نادي حديث النشأة، يحمل تسمية نادي أولمبي العاصمة (OCA)، الذي تم ربطة بولاية الجزائر، تحت رعاية ديوان الولاية للحظائر والتسلية (OPLA)، الذي يتكفل بتخصيص ميزانية سنوية لهذا النادي، تسمح له بالحفاظ على ديمومة فروعه الرياضية ولو بكثير من الصعوبات، الراجعة أساسا إلى ثقل حجم النفقات التي يتطلب الأمر توفيرها لتسيير هذه الأخيرة.      رافق تخلي جمعية اتحاد البناء عن جمعياتها الرياضية، رجوع المركب الرياضي إلى مالكه الأصلي ولاية الجزائر، التي ربطت هذه المنشأة الرياضية بمؤسستها الجديدة ديوان الحظيرة والتسلية (OPLA)، الذي يعد اليوم، الجهة المسؤولة عن المركب الرياضي للخروبة، والذي بقي كهيكل رياضي بدون روح، هجرته الحيوية التي كانت تدب يوميا في ساحاته ومضاميره وقاعاته الرياضية.

هيكل رياضي يندثر ببطء

أكثر ما يفاجئك عند زيارتك للمركب الرياضي بالخروبة، الحالة المزرية التي تتواجد عليها مرافقه الرياضية، بما فيها مقراته الإدارية الجاهزة، التي تضم مكاتب ومصالح إدارية، فالوضع أصبح كارثي داخله، وهو الذي كان في الماضي، جوهرة رياضية، جمعت بين الممارسة الرياضية للجميع ورياضة النخبة.

بعض مرافقه الرياضية، مثل القاعات الرياضية المخصصة للألعاب الجماعية والفنون القتالية، أصبحت غير مؤهلة لاحتضان التدريبات والمنافسات، واضطر مسيرو النادي الأولمبي للعاصمة، إلى غلق أبوابها في وجه الرياضيين، الصعوبات المالية التي ما انفك يواجهها هذا النادي من موسم رياضي إلى آخر، دفعته إلى حد اتخاذ قرار توقيف نشاط بعض فرقه من صنف الأكابر سيدات وذكور، وتم الاحتفاظ بفريق صنف الأكابر إناث لكرة السلة وبعض الرياضيين أكابر ذكور وإناث في الرياضات الفردية، لأن تسيير نشاطاتهم ماديا غير مكلف كثيرا للنادي، الذي أبقى على الفئات الشبانية فقط في الرياضات الأخرى.