المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث:

ستبقى الجزائر غصة في ذاكرة الفرنسيّين، وأعوانُهم عبيد الدار

ستبقى الجزائر غصة في ذاكرة الفرنسيّين، وأعوانُهم عبيد الدار
  • القراءات: 1416
لطيفة داريب لطيفة داريب

ذكّر المؤرخ الأستاذ محمد الأمين بلغيث، "المساء" بقراءته إجابة لصديقه الفاضل البروفيسور أحمد رواجعية حول هذه النقطة بالذات باللغتين الفرنسية والعربية الجميلة، يقول فيها: "إن تصريحات ماكرون حول الجزائر وقادتها غير لائقة، ولا تُنسب إلى رئيس الجمهورية الذي يريد أن يكون ممثلا لأمة عظيمة، في حين نتوقع من رئيس الدولة أن يدلي بتصريحات حكيمة أو محسوبة أو محايدة. وها نحن نواجه، على العكس من ذلك، رئيسا مهتاجا كمحارب في معركة، متمسك بكل الكليشيهات التي يروج لها المتمسكون بمبدأ الجزائر الفرنسية ويحنّون إليها. والواقع أن كلامه الذي يحمل في طياته العنصرية، ليس ما يريد إيريك زمور ورفاقه تأكيده".

أضاف بلغيث: "وهل الاستشارات المقدمة للرئيس ماكرون ليست في محلها؟ كيف يمكن لماكرون الذي يحيط به مستشارو (الذاكرة الفرنسية الجزائرية) من اليمين واليسار على حد سواء مثل بنيامين ستورا، أن يرتكب مثل هذه (الأخطاء)، ناهيك عن مثل هذه الانزلاق السياسي الخطير؟! كيف لم يتمكن ستورا المؤرخ "اليساري" و"صديق" الجزائر، من كبح أو تخفيف الغضب الملتهب للرئيس إيمانويل ماكرون؟!".

الفرنسيون نخبة وذاكرة استعمارية طافحة

ويجيب بلغيث بدوره، بأن الفرنسيين نخبة وذاكرة استعمارية طافحة، لاتزال تتذكر أن فرنسا كانت قوة عظمى ودولة تعانق الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس. وأضاف أنه يعتقد أن الثورة قد أفلحت في الرد على الفرنسيين، وبنيت الثورة الجزائرية على قيم سامية لن تتغير بتغير الزمان والمكان، حيث عبّر الثوار الجزائريون عن وجه إنساني متفرد طيلة سنوات الكفاح، نابع من بيئة مسلمة نظيفة، لا تعرف مكانا للكراهية، حيث إن عبقرية مفجري الثورة تجلت في توظيفهم المتغيرات الدولية آنذاك، ووعيهم الكبير بالبعد الإقليمي المغاربي والعربي، وكيفية استغلاله بعمق لخدمة القضية داخليا وخارجيا.

وقد أشار في وقت سابق، إلى أن بيان نوفمبر حمل معاني قوية، خاطبت الجزائريين والعالم أجمع، وبيـّن من خلال كلمات معدودة، خارطة طريق الكفاح التحرري، وأهدافه، ووسائله، وركائزه المتماشية تماما وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية السامية؛ ما جعل الثورة التحريرية مفخرة للشعوب. وتابع أن الثورة الجزائرية وبإجماع المؤرخين، من أعظم ثورات القرن 20؛ فما الذي يجب على الجيل الحالي الداخلي والخارجي، أن يعرفه عنها حتى يتأكد أنها كذلك؟ وفي هذا السياق، يعتقد الأستاذ بلغيث أن الثورة الجزائرية المباركة مفخرة العالم في القرن العشرين؛ فعند العرب والمسلمين هي تجديد لمعارك الإسلام الفاصلة في تاريخ العالم؛ لأنها تذكرهم بانتصارات قلة من المسلمين في العالم آنذاك أمام الجيوش الجرارة البيزنطية والفارسية، وأمام الأساطيل التي تملأ فضاء البحر الأبيض المتوسط مشرقا ومغربا؛ ما أثار حيرة المؤرخين في ذلك العصر.

الثورة الجزائرية لاتزال تثير غرابة المعاصرين

وأشار المتحدث إلى أن الثورة الجزائرية مفخرة عالم أمريكا اللاتينية، التي تذكّره بثوار الحرية من سيمون بوليفار إلى  أرنستو شي غيفارا. أما في العالم الاشتراكي فهي ثورة الفلاحين؛ ثورة الداخل، وهو نفس ما ذهب إليه فرحات عباس الذي يُعد من كبار السياسيين والمثقفين، في حوار للقناة الفرنسية الثانية حين قال: كانت الثورة ثورة الفلاح الجزائري وأهل الداخل من البلد. وقال في أول يوم استدعته الإدارة الفرنسية، ماذا تقول في موقفك مما يحدث الآن؟ فقال في كلام رزين لسياسي مخضرم: "أما الفحول فهم الآن في الجبال. وأما المتخلفون الجبناء فهم أمامك الآن".

وأكد بلغيث أن الثورة الجزائرية المباركة أيقونة كل العرب بامتياز. كما أشار إلى ذلك المؤرخ اليساري بنيامين ستورا نفسه؛ "فهي التي أعادت لهم الاعتبار في عالم متغير جدا لا يعترف إلا بالفعل الثوري، والأعمال الإنسانية الراقية في السلم والحرب والثوار في الجزائر، عبّروا في كثير من الظروف عن الوجه الإنساني المتميز رغم التباين بين القوى المتصارعة بين مكر الآلة الاستعمارية وقوة وخبث العملاء، وبين أخلاق الجزائري المسلم، الذي يحمل في صدره قيما إنسانية تعلمها في بيئة نظيفة لا تعرف مجالا للحقد والكراهية، لهذا كان الثوار ورواد الثورة الأوائل يدركون أنهم يسعون لمحاربة وهزم الظاهرة الكولونيالية، ولا يحاربون المجتمع الفرنسي. وأضاف الدكتور أن الثورة الجزائرية لاتزال تثير غرابة المعاصرين في إعادة الفعل الثوري إلى مكانته الطبيعية، وهو ما تشير إليه كل الأعمال الجادة؛ من غربيين منصفين ومشارقة مطلعين جدا على ما وقع خلال الثورة الجزائرية المباركة.

ويعتقد أن نجاح الثورة يكمن في أسلوبين متميزين؛ حرصت الحركة الوطنية الاستقلالية في قهر الظاهرة الاستعمارية من جهة. كما نجحت الحركة الإصلاحية في الاستماتة دفاعا عن الذات والشخصية الجزائرية؛ وهذا لبّ ما ذكره عالم الاجتماع الراحل عدي الهواري في كتبه، منوها بأمر هام يقول: "إن مصالي الحاج وعبد الحميد بن باديس وجهان لعملة واحدة؛ الأول يسعى من أجل استعادة سيادة الجزائر المغتصبة من الفرنسيين ذات يوم في الخامس جويلية 1830، والعلاّمة عبد الحميد بن باديس كان يسعى لاستعادة الذات الجزائرية، التي ليست فرنسا ولن تكون فرنسا ولو أرادت؛ كما يقول العلاّمة ابن باديس: إن هذا الشعب له لغته، وهي العربية، ودينه، وهو الإسلام، ووطنه وهو الجزائر... إنكم لا تعرفون شيئا عن هذا الشعب، وتريدون كل مرة وبجرة قلم، أن تستبدلوا حضارته بحضارة أخرى، ومقوماته بمقومات أخرى، وتاريخه بتاريخ آخر... وهذا أمر مستحيل لو أنكم فكرتم قليلا". وفي الأخير، أكد بلغيث أن الجزائر ستبقى وثورتها المباركة في ذكراها السابعة والستين وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها، غصة في ذاكرة الفرنسيين، وأعوانهم عبيد الدار.