الدكتورة حليمة مولاي:

تصريحات ماكرون سياسية وغبية!

تصريحات ماكرون سياسية وغبية!
  • القراءات: 1282
لطيفة داريب لطيفة داريب

قالت الدكتورة حليمة مولاي إن تصريحات ماكرون يجب وضعها في سياقها الحقيقي، وهو السياق السياسي الذي لا علاقة له بالتاريخ ولا بالبحث ولا بالعمل الأكاديمي، ولا حتى بالعلاقات السياسية الجزائرية الفرنسية، بل هو تصريح لرئيس فرنسي "يخصه" على ما تعتقد، والدليل على ذلك أن ردة الفعل لم تكن فقط من الجزائريين، وإنما كانت هناك حتى ردود فعل فرنسية؛ إذ أحرجهم بعد كل تلك الأبحاث التي قاموا بها؛ فقد ضرب بأعمال الجزائريين وغيرهم، عرض الحائط. انتقلت الدكتورة في التاريخ الحديث والمعاصر إلى نقطة تؤكد أن ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون، مجرد كلام من سياسي لا يعنينا كأمة جزائرية ولا كمؤرخين ولا كشعب جزائري، ولا حتى النظام الجزائري؛ لأن هذا الأخير لم يفتح النقاش مع ماكرون حول موضوع إن كنا أمة أم لا؛ ولهذا فهي تصريحات استفزازية لأسباب يعلمها ماكرون وحده.

جبهة التحرير الوطني لم تجد صعوبة في لمّ شمل الجزائريين

وتابعت: "بما أننا لم نكن أمة، كيف نفسر القوانين التي وضعتها فرنسا في بداية الاحتلال الفرنسي؟ بما أننا لم نكن أمة؛ بمعنى كنا مشتتين باعتبار أن الأمة تعتمد على كل ما هو مشترك، يعني كل ما يجمعهم من لغة وتاريخ ودين وأصل، هذه مكونات الأمة تجعل الشخص الذي ينتمي إليها يشعر بنوع من الاعتزاز لهذا الانتماء، بما أننا نحن لم نكن نتميز بكل هذه الميزات ماذا يعني قانون الجنسية الذي صدر سنة 1824 والذي يعتبر كل جزائري ليس فرنسيا، فالقانون، في حد ذاته، يعترف بأن هناك أمة جزائرية، وبأن هناك استعمارا فرنسيا. كيف نفسر قانون الأهالي سنة 1871؟ كيف نفسر قانون التجنيس سنة 1865؟ بما أننا لم نكن أمة ولا يوجد بيننا ما يجمعنا، لماذا كان كل ذاك التمييز العنصري ضد الجزائريين في بداية الاحتلال، وكل هذه القوانين الاستعمارية لإثبات أن الجزائري يختلف عن الفرنسي، وبأنه أقل منه؟!".

وأضافت المتحدثة بأن الجزائريين حينما كانوا يقاومون المحتل الفرنسي من خلال المقاومات الشعبية، لم يكن في بالهم أن يثبتوا شيئا لفرنسا، لم يكن نوعا من التحدي بقدر ما كان نوعا من اللامبالاة بهذه القوانين التي لا تعنينا؛ لذلك ظهرت المقاومات الشعبية في كل مكان. وتابعت مجددا: "قبل اندلاع الثورة المجيدة، تأسست أحزاب جزائرية، وتشكلت جمعيات، وعلى رأسها جمعية العلماء المسلمين. هذه الحركة كان لها مناضلون من جميع أنحاء الجزائر، وحينما نتحدث هنا عن الأمة، فنحن لا نقصد فقط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك، بل هناك أيضا تصرفات ومواقف، هي في حد ذاتها، تثبت أننا أمة واحدة. وأثناء اندلاع الثورة سنة 1954، لم تجد جبهة التحرير الوطني صعوبة في لم شمل الجزائريين، ولم تفكر أصلا في أنها ستثبت للجزائري بأنه جزائري؛ لأنه، أصلا، ينتمي إلى هذه الأرض، ويشارك أخاه نفس الدين والتاريخ واللغة والمصير، وجميعهم تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، بل كان التحدي الكبير في التنظيم ولم يكن في الإثبات".

الأمة شعور بالانتماء

وأضافت الباحثة الدائمة بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك وهران"، أن المنضوين سواء في جبهة أو جيش التحرير، كانوا من شتى أنحاء الجزائر، وهو ما اعترف به المؤرخ الفرنسي الشهير شارل روبار أجيرو، الذي درس هذا الأمر بتفاصيله، حيث بحث عن أصول الشخصيات الجزائرية التي شاركت في الثورة التحريرية، وعن دينها ولغتها ومستواها التعليمي وغيرها، فوجد أن باختلاف المنطقة الجغرافية التي تنحدر منها هذه الشخصيات وباختلاف اللسان وإن كانت اللغة العربية التي تجمعهم وكذا الدين الواحد "الإسلام"، فقد انضمت كلها في جيش التحرير الوطني، وبنسب محددة حددها حتى الفرنسيون أنفسهم، هذا إلى جانب دراسات المؤرخين الجزائريين. وفي هذا السياق، أكدت الدكتورة أن كل هؤلاء حاربوا المحتل الفرنسي، وبالتالي كانوا يشعرون بانتمائهم للأمة الجزائرية، فالأمة هي شعور بالانتماء.

وتتساءل: "لو أن الفرنسيين كانوا متأكدين بنسبة واحد من المائة، أن الجزائريين لا يشعرون بذلك الانتماء، لما ضيعوا لحظة واحدة في استغلال ذلك، فنجاح الثورة تحقق بفضل عدة عوامل، لكن المحرك الأساس لنجاحها هو أن جميع من حارب الاستعمار الفرنسي، كان يؤمن ليس فقط بالقضية، وإنما بانتمائه أيضا لهذه الأرض التي يدافع عنها، وانتمائه لهذا الشعب بغض النظر عن انحداره من منطقة مختلفة عن مناضل جزائري آخر؛ أليس هذا تكريسا للأمة؟ وهو دليل على أن هناك أمة جزائرية، لكن، للأسف، يبدو أن التصريحات السياسية، أحيانا، تكون تصريحات، ليست فقط غير ملائمة، وإنما غبية".