قويدري فيلالي في ندوة حول "ولاّدة":

أطالب بالغوص في تاريخنا العميق والرد على المشككين في عراقتنا

أطالب بالغوص في تاريخنا العميق والرد على المشككين في عراقتنا
جانب من ندوة البليدة
  • القراءات: 1032
 لطيفة داريب لطيفة داريب

أكد الكاتب سيد علي قويدري فيلالي في ندوة نشطها أول أمس بمدرسة الفنون (كريشاندو)، أن روايته ولادة، آخر أندلس، تمثل ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي شكك في عراقة تاريخ الجزائر، مطالبا في السياق نفسه، بأن نعرّف ـ نحن الجزائريين ـ تاريخنا بكل مراحله؛ حتى نواصل نباتنا على أسس صحيحة، وهذا بكل فخر واعتزاز.

تحسّر الكاتب لجهل الكثير من الجزائريين بعراقة تاريخهم، وبالتالي استحالة ردهم على أقوال من يشكك في عراقة التاريخ الجزائري، الذي لم ينبت من الحكم العثماني للجزائر ولا من الاستعمار الفرنسي لها، بل يعود إلى آلاف وآلاف السنين. وأضاف أن الجزائري البسيط لا يعرف من تاريخ بلده إلا ما يشاهده في التلفاز ويسمعه في الإذاعة وما درسه في المدارس لا غير، مشيرا إلى أن اختياره كتابة قصة ولاّدة بنت المستكفي في قالب رواية وليس في كتاب تاريخي، مرده نشر حقائق تاريخية لصالح أكبر عدد من القراء المحبين للروايات، بدلا من أن يكون حبيسا في الجامعات ككتاب أكاديمي. وانتقل فيلالي في الحديث عن كتابه، فقال إن الأندلس تمثل جزءا من تاريخ الجزائر، إلا أن أغلب الكتابات عنها إما من أقلام مشرقية تبالغ في التعظيم، أو من أقلام مستشرقين مجدوا أبناء بلدتهم. وفي هذا السياق قال إنه انطلق من الكتابة عن الأميرة الأندلسية ولاّدة، ليكتب، بالفعل، عن محيطها، وعن العديد من الشخصيات التي احتكت بها، وعلى رأسها حبيبها الشاعر ابن زيدون، وكذا عن ابن حيان وغيرهما، مضيفا أنه لم يتحدث عنها مثل خليجي ومشرقي، ولا مثل مستشرق، بل مثل رجل ينتمي إلى منطقة شمال إفريقيا. واعتبر الكاتب أن الأندلس قريبة من الجزائريين؛ فهي جزء من حياتنا اليومية؛ مثل طريقة كلامنا وشربنا القهوة وغيرها من الأمور، ليدحض من جديد، قول الرئيس ماكرون عن تاريخنا، ويؤكد عدم إمكانية المقارنة بين حكم الزيريين القوي في الأندلس، وحكم الكابيسيان بفرنسا وهذا خلال القرن 11؛ تاريخ أحداث الرواية التاريخية.

وذكر فيلالي أن ابن حيان في كتابه "المقتبس"، ذكر أن الزيريين ـ وهم سلالة حاكمة صنهاجية من منطقة المغرب الأوسط (الجزائر حاليا) ـ حكمت في شمال إفريقيا الجزائر وتونس وأجزاء ليبيا ما بين 971 - 1152م، ومناطق من الأندلس، وكانوا يتحدثون الدارجة، ويفتخرون بها؛ فلم تكن لهم عقدة في كونهم من بربر شمال إفريقيا. وقدّم أرقاما تخص تلك الفترة؛ حيث إن 23 طائفة كانت تحكم الأندلس، 16 منها من البربر، "وهو ما لم ندرسه في المناهج الدراسية الجزائرية"، مضيفا أن الأندلس بلد فريد من نوعه، يقع في أوروبا، ويدين حكامه وجزء كبير من شعبه، بدين الإسلام. وتابع المتحدث أن الإسبان تصالحوا في السنوات الأخيرة، مع تاريخهم؛ حيث بدأت الدراسات تنهمر حول الأندلس، في حين كان بعض المؤخرين الإسبان ينكرون حتى وجود الأندلس، وها هم، اليوم، يعترفون بأنهم كانوا مسلمين في وقت ما، وكمثال آخر عن ذلك تدشين ملكة إسبانيا متحف بربر غرناطة، التي أسسها الجزائري زاوي بن زيري. وتابع مجددا أن زاوي بن زيري تقاتل مع أخيه بولوغين لحكم الجزائر بعد وفاة والدهما، وكانت الغلبة لبولوغين، فانسحب زاوي إلى منطقة ما بين بومدفع وخميس عين الدفلى، وتحالف مع قبلية مطماطة التي لم يعد لها وجود في الجزائر، بل في تونس، وكذا قبيلة حموديد المغربية، وأسقطوا آخر الأمويين، والذي كان والد ولّادة، فتقاسموا الأندلس، واستقر زيري في غرناطة، التي شبّهها بالمناطق التي ألِفها مثل مليانة ومتيجة وغيرهما.

وطالب فيلالي بأن نفتخر بتاريخنا، وأن يكون لنا نوع من النرجسية حيال هذا التاريخ، وهذا لا يعني أن نصدر أحكاما على الآخرين، مضيفا أننا نريد فقط أن نعرف تاريخنا، وأننا كرجال ونساء ننتمي إلى منطقة شمال إفريقيا التي كان لها حضور مميز في العالم، ومن بينها في الأندلس، ممثلا باليابان وألمانيا، اللتين انهارتا بفعل الحرب العالمية الثانية، ولأنهما استطاعتا النهوض مجددا بفعل مكانة تاريخهما الكبيرة، وبالتالي أصبحت تنعم شعوبهما بالذات القوية. وأضاف الروائي أنه يمكن أي بلد أن يسقط ويعاود النهوض كذا من مرة، وهي حال الجزائر التي تمر بظروف غير يسيرة، إلا أنها ستظل خالدة، ولن يتأتى ذلك إلا بالفن والأدب ومعرفة تاريخنا. وتابع مرة أخرى: هل يدرك الجزائري أننا قبل ثلاثة قرون قبل الميلاد، كدنا نُسقط روما؟ لقد قام وزير الخارجية السيد لعمامرة ردا على تصريحات ماكرون المسيئة لتاريخنا، بزيارة قبر يوغرطة بروما؛ فهل يدرك الجزائري أن يوغرطة كان العدو الأول لروما، التي قررت محوه من الوجود بدلا من أن تُزال هي من الخارطة؟. وتأسف لقلة اهتمام المناهج الدراسية بتاريخ الجزائر السحيق، في حين تهتم بشخصيات مشرقية؛ صحيح أنها مسلمة مثلنا لكنها لا تقاسمنا الأرض، ليؤكد أن التعريف بالتاريخ مسؤولية جماعية، وبالأخص التاريخ الجغرافي؛ أي تاريخ منطقتنا تحديدا.

وبالمقابل، اعتبر فيلالي أن الشعوب التي لا تفنى دواوينها مثل ديوان النونية لابن زيدون أكبر شعراء الأندلس، دليل على عظمة تاريخها، وأن الجزائر التي خرج شعبها في الخامس من أكتوبر 1988 للمطالبة بالديمقراطية في وقت كانت ألمانيا مقسمة، دليل على قوّتها، واستغراق 77 سنة لإدخال شعوب شمال إفريقيا الإسلام مقارنة بأربع سنوات للفرس وأربع سنوات لبيزنطة ما عدا قسطنطينية، دليل على استماتتهم، وكان ذلك بفعل جهلهم بالإسلام، وكذلك استقلال الدولة الفاطمية ومن بعدها الرستمية عن الدولة العباسية، وهو ما لم يحدث من قبل، دليل آخر على قوة هذه الدول التي حكمت منطقة شمال إفريقيا.