"وفد بغداد " للكاتب ياسين نوار

رواية تاريخية تعود لزمن الإشعاع الحضاري الإسلامي

رواية تاريخية تعود لزمن الإشعاع الحضاري الإسلامي
  • القراءات: 749
 د. وليد بوعديلة د. وليد بوعديلة

صدر عن دار الباحث للنشر والإشهار بالجزائر، رواية "وفد بغداد" للكاتب الجزائري ياسين نوار، في طبعتها الأولى 2021، نقرأ في الرواية تجربة فنية وفكرية جديدة لكاتب أتقن مغامرة الخطاب الروائي في تعاريج الأساطير والتاريخ والموروث الشعبي؛ رواية "كاف الريح"، ورواية "صحاري السراب"... كما كتب عن الحدث الاجتماعي، والتحول السياسي الوطني والعربي في نصوص عديدة أخرى؛ رواية "ثلاثة أيام"، و"قصص شتاء دمشق"...

ويقترح نوار في روايته "وفد بغداد" على القارئ، سفرا نحو مملكة أوربية مسيحية، عبر وفد عربي مسلم في زمن هارون الرشيد؛ حيث تتناقل الحكايات والأخبار، ويكتشف القارئ التفاعل والحوار بين الثقافات والحضارات، في ظل سيطرة الحضارة العربية الإسلامية، وتأثيرها الكبير على الآخر المختلف عقيدة وسياسة وثقافة.

وبتقنية السرد الكلاسيكي الواقعي، يحكي السارد يوميات زيارة الوفد البغدادي للمملكة الإفرنجية، وكيف انبهر الأوروبيون من قوة وسلطان وعلوم وتنظيم قافلة الخليفة هارون الرشيد نحو الملك شارلمان.

ويمكن أن نجد الكثير من الأنساق الثقافية والأنتروبولوجية للحياة الإسلامية من جهة، والحياة الإفرنجية من جهة أخرى. وقد قرأنا في الرواية مشاهد سيطرة وتأثير رجال الدين المسيحيين على المجتمع، ودلالات حصارهم ملك الإمبراطورية الكارولنحية (عاصمتها اخن، تأسست 768)، وتوجيه قراراته ومواقفه. كما قرأنا إحالات استشراقية تدل على معرفة الغرب بحضارة الشرق المسلم، مثلما هو الأمر بمعرفة مستشار الملك لثقافة وتاريخ وعادات العرب والمسلمين. كل هذا حضر بحكي جمالي، وبتقنيات سردية يتفاعل فيها الفني مع التاريخي، حيث الشخصيات واللغة والأمكنة والأزمنة المختلفة في خدمة الهدف الدلالي الكبير، ألا وهو تقديم صورة الحضارة الإسلامية في العهد العباسي، وكيف كانت حضارة للتسامح والحوار والعلم، كما كانت فيها الصراعات الداخلية والفتن والدسائس.

وتجلى في الرواية جدل الراوي والمؤرخ؛ حيث يكاد يحدث الصراع الخطابي بينهما؛ وكأن المبدع كان يريد أن يقدم التاريخ بدون أن يفشل في الرهان الجمالي، لكن يبدو أن في  الصفحات الأخيرة للرواية، قد طغى خطاب التاريخ ووعيه على خطاب الفن وتلميحاته، عند مساءلة أهم مصادر التاريخ العربي الإسلامي.

وباختصار، هي رواية تاريخية، تفرض على القارئ البحث في كتب التاريخ ومصادره للتمييز بين الجمالي والحقيقي. وتمثل، أيضا، تواصل سفر الكاتب ياسين نوار (ابن مدينة قالمة) في طريق الإبداع والتميز والخصوصية، ليكون اسما متميزا في الأدب الجزائري والعربي الحديث والمعاصر.