هبّة تضامنية عوض الاحتفال بمئوية مولودية الجزائر:

“ما كانش فيميجان ... كاين أكسيجان”

“ما كانش فيميجان ... كاين أكسيجان”
  • القراءات: 690
ط. ب / و. أ ط. ب / و. أ

مرت، أمس، 100 سنة على تأسيس نادي مولودية الجزائر، الذي أحيا مئويته في ظروف خاصة بسبب تفشي وباء كورونا؛ ما منع من تنظيم حفل كبير، مثلما كان مقررا له من قبل، بحضور المحبين والأنصار، الذين حضّروا لهذا الحدث منذ عدة سنوات، غير أنهم غيروا الاحتفال إلى هبّة تضامنية بشعار “ما كاش فيميجان.. كاين أكسجين”، في ظل ما تعيشه البلاد، لتوفير الأكسجين للمرضى في المستشفيات.

ففي وقت كان أنصار أعرق نادي جزائري يمنّون النفس بالاحتفال بمئوية التأسيس بأجمل الطرق وأفخم التتويجات، اصطدموا، بمرارة، بالموسم الأبيض الذي خيب آمالهم وأفشل مخططاتهم الاحتفالية.

وتمتعت المولودية بمكانة مرموقة بفضل تاريخها النضالي وشعبيتها على مستوى القطر الوطني، لتشكل قاطرة حقيقية لكرة القدم والأندية المحلية، عكس الزمن الراهن، سيما هذا الموسم، الذي شهد تضييع التشكيلة العاصمية لكامل أهدافها، لتخرج بعام صفري على طول الخط؛ فلم ينجح أشبال المدرب نبيل نغيز في التتويج بلقب البطولة ولا برابطة أبطال إفريقيا، ولا حتى بكأس الرابطة (أعيد إطلاقها هذا العام تعويضا عن كأس الجزائر الملغاة)، ليخفق الجيل الحالي في مواصلة تشريف إرث ثقيل تركه الجيل الذهبي، الذي كتب تاريخ مولودية الجزائر بأحرف من ذهب، خاصة عام 1976، الذي سجل علامة فارقة بتسيّد المولودية الكرة الوطنية والقارية، بفضل التتويج بالثلاثية؛ بطولة، كأس الجزائر، وكأس إفريقيا للأندية البطلة.

الفترة الذهبية

تأسست المولودية الشعبية الجزائرية من طرف المرحوم عبد الرحمان عوف المدعو “بابا حمود”، بأزقة القصبة العتيقة، في سياق سياسي -ثوري؛ دعما للقضية الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، عبر توظيف اللعبة الأكثر شعبية عالميا، وكذا بقية الرياضات.

وانتظر الفريق إلى غاية موسم 1935- 1936 للصعود إلى القسم الأول، لتشهد سنوات السبعينيات سيطرة المولودية على كرة القدم الوطنية، ثم الإفريقية بفضل أرمادة من اللاعبين الموهوبين، يتقدمهم الثنائي عمر بتروني وزبير باشي.

وتُعد سنوات عقد 1970- 1980 الفترة الذهبية لمولودية الجزائر عقب الاستقلال، لثرائها بالألقاب والتتويجات. وطال صبر النادي نصف قرن من أجل تحقيق أول لقب كبير، وهو كأس الجزائر عام 1971 بقيادة المدرب علي بن فضة على حساب الجار اتحاد الجزائر (2-0)، الاختصاصي في منافسة الكأس؛ باعتبار خوضه ثالث نهائي تباعا تلك السنة. وفتح الفوز بهذا اللقب، الأبواب للمولودية العاصمية من أجل المشاركة للمرة الأولى، في الكأس المغاربية للأندية الفائزة بالكؤوس التي احتضنها الملعب البلدي بالعناصر (20-أوت-1955 حاليا)، بالجزائر العاصمة.

وعقب عام واحد تمكنت مولودية الجزائر من انتزاع أول لقب بطولة وطنية في رصيدها، ليكون فاتحة لديناميكية حصد الألقاب، بما أن أصحاب الزي الأحمر والأخضر فازوا بكأس الجزائر 1973 ضد “الغريم” التقليدي كذلك اتحاد الجزائر (4 - 2 بعد الوقت الإضافي).

وشهدت سنة 1976 ذروة أمجاد مولودية الجزائر، حينما نجح أشبال المدرب التاريخي عبد الحميد زوبا، في اكتساح كل من وقف في طريقهم. فبعد خسارة الفريق في نهائي الكأس المغاربية، تدارك رفاق المدافع عبد الوهاب زنير بأفضل طريقة، بنيل ثلاثية تاريخية، لم يتمكن إلى حد الآن، أي ناد جزائري من تكرارها (بطولة- كأس الجزائر -كأس إفريقيا)، بفضل تشكيلة ثرية يقودها هجوم “ناري”، متشكل من بتروني، وباشي، وبوسري وبن شيخ، ليتابع شبان المولودية كتابة أمجاد فريقهم. ففي العام الموالي أضحى “العميد” أول فريق جزائري يضع أقدامه فوق أرضية ميدان ملعب “سانتياغو بيرنابيو” الشهير، إثر دعوة من ريال مدريد للمشاركة في دورة ودية؛ احتفالا بمرور 75 سنة على تأسيس النادي الإسباني العملاق.

وفي 21 مارس 1977، انهزم رفاق علي بن شيخ أمام فريق الريال القوي والمتكون من ديل بوسكي، وبرايتنير، وكاماتشو وغيرهم (1- 2)، لكنها خسارة بشرف جراء تقديم أداء فني راق للغاية، جلب احترام واعتراف بقية الفرق التي كانت حاضرة.

وواصلت المولودية سيطرتها على المستوى المحلي، بنيلها لقبي بطولة آخرين على التوالي (1978 و1979)، مختتمة عقدا كاملا من الانتصارات، شكل إرثا ثقيلا للأجيال المتعاقبة على حمل قميص “العميد”، ونموذجا ناجحا في مجال الإنجازات الرياضية.

السنوات العجاف

وفي الوقت الذي كان يُنتظر منها الحفاظ على ديناميكيتها والطموح لتحقيق نتائج أحسن، مرت المولودية بسنوات عجاف طويلة، أثرت كثيرا على نتائج الفريق، وهو ما أثار استياء كبيرا لدى الأنصار.

وخلال العشرية الممتدة من 1980 إلى 1990، لم تحقق المولودية سوى لقب وطني واحد، ويتعلق الأمر بكأس الجزائر سنة 1983 بعد الفوز في النهائي على جمعية وهران (4 -3 بعد الوقت الإضافي)، ثم مركز ثان كنائب للبطل خلال الموسم الكروي 1988- 1989.

وعجز الفريق في تكرار ما حققه زملاء بتروني وباشي وباشطا، بل تراجع بشكل رهيب، سيما موسم 1984- 1985، الذي كان بمثابة كابوس حقيقي عندما سقط إلى القسم الثاني.

وبعد عودة سريعة إلى حظيرة النخبة، لم يستوعب النادي العاصمي الدروس، وكاد يعود من حيث أتى لولا الفوز الصعب المحقق على وفاق سطيف (1-0) بملعب “عمر حمادي” ببولوغين في آخر جولة، والذي منحه ورقة البقاء في بطولة الكبار.

وانتظر عشاق “العميد” قرابة عشرين سنة، لمشاهدة فريقهم يعود إلى القمة من جديد، عندما تُوج بلقبه السادس في البطولة الوطنية، كان ذلك في 1999، بالفوز في النهائي على شبيبة القبائل (1-0)، بملعب الشهيد “أحمد زبانة” بوهران.

وبقيادة المدرب المحنك المرحوم عبد الحميد كرمالي، سيطر زملاء عامر بن علي على مجريات البطولة، مما سمح لهم بالعودة إلى الساحة القارية، إلا أن مشاركتهم فيها سرعان ما توقفت على يد جان دارك السنغالي (1-1 ذهابا، 1-5 ايابا) في الدور الأول من المنافسة.

ونفس السيناريو تكرر، فعادت المولودية إلى نقطة الصفر، عندما نجت من السقوط في الوهلة الأولى، لكنها لم تفلت من هذا المصير خلال موسم 2001- 2002، لتنزل إلى القسم الثاني، غير أنها عادت سريعا إلى القسم الأعلى بقيادة الراحل نور الدين سعدي، الذي توفي، مؤخرا، إثر معاناته من مضاعفات فيروس كورونا.

وعلى الرغم من حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الإداري والفني، إلا أن النادي الأخضر والأحمر تمكن من تحقيق الألقاب في النصف الثاني من العشرية الأولى لسنوات 2000، بافتكاكه كأس الجزائر مرتين متتاليتين (2006 و2007)، فضلا عن لقب وطني سابع وأخير في 2010.

وعرف الفريق عودة مجمع سوناطراك في 2013، إلا أن المولودية لم تحز سوى على كأس الجزائر في 2014 و2016 رغم الإمكانات الضخمة التي وفرها المساهم الرئيس.

ومنذ هذا التاريخ بقيت النتائج بعيدة عن طموحات “الشناوة”، الذين باتوا يطالبون بإحداث “ثورة” حقيقية في النادي، تسمح للتشكيلة بتسجيل انطلاقة جديدة على أسس متينة. كما قرر الأنصار عدم الاحتفال بـ “المئوية” بسبب تزامنها مع الوضع الصحي الصعب، على خلفية تفشي فيروس كورونا، مفضلين جمع التبرعات لاقتناء قارورات الأكسجين لفائدة المصابين بالفيروس، تحت شعار “ماكاش فيميجان.. كاين أكسجين”.