الأستاذ محمد بن ساعو يؤكد:

بن ساعي قامة ثقافية تعرضت إلى التهميش

بن ساعي قامة ثقافية تعرضت إلى التهميش
  • القراءات: 626
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدم الأستاذ محمد بن ساعو، مداخلة خلال الندوة التي نظمتها مؤخرا، جمعية "الضياء" بالمكتبة البلدية عين الحجر (سطيف)، تحت عنوان "محمد بن ساعي (1902-1998).. المثقف والإكراهات"، استحضر فيها اسما ثقافيا مغيبا في الساحة الفكرية الجزائرية، حاز تقديرا كبيرا من مثقفين ومفكرين جزائريين وفرنسيين خلال بداية مساره.

يتعلق الأمر بمحمد حمودة بن ساعي (1902-1998)، من مواليد مدينة باتنة، حيث اعترف المحاضر أن التأريخ لمثل هؤلاء الأعلام من الأمور الشاقة والعسيرة، حيث يصطدم الباحث بندرة المادة العلمية التي تؤرخ لمسيرة الرجل، من جهة، وبقاء جل أثره في حكم المخطوط أو المفقود، من جهة ثانية، حينها يكون من الصعب الاقتراب من مواضيع مفخخة، لأن ذلك يستدعي الكثير من الحذر، لإعادة تناول هذه الشخصيات ضمن فضائها المعرفي، وفي إطار سياقاتها التاريخية والثقافية.

انطلاقا من هذا العبء، جاءت المداخلة للكشف عن بعض المحطات من حياة محمد بن ساعي، التي تشكل تجربة تجسد الإكراهات التي تعترض المثقف بالأمس واليوم، إكراهات ثقافية وسياسية وإيديولوجية ومادية ... لذلك فقد حاول المحاضر معالجة جملة من التساؤلات الأساسية، التي تفرزها الإشكالية الرئيسية للموضوع، من بينها "هل يمكن اعتبار حمودة بن ساعي مفكرا حاملا لمشروع فكري متكامل؟"، "وفي أي اتجاه يمكن تصنيفه؟". "ما قيمة المنجز الفكري والفلسفي الذي خلفه حمودة بن ساعي وما مدى قوته في إطار سياقه التاريخي والفكري؟"، وأيضا "ما السر وراء العلاقة الحميمية التي جمعته بالمفكر مالك بن نبي؟"، و"كيف نقرأ علاقته بجمعية العلماء التي كانت تحاول احتواءه؟". "ما الذي جعله يغيب فكريا بعد مرحلة أثبت من خلالها حضوره الوازن في الساحة الثقافية؟" و"هل هو استسلام وعجز، أم كان ضحية استهداف وتهميش؟".

عرجت الندوة على محطات مهمة وقضايا مركزية في مسيرة حمودة بن ساعي، حيث استعرضت ومضات من مسار النشأة والتكوين وتأسيس الكينونة المعرفية، من مدينة باتنة إلى قسنطينة فباريس، ثم العودة إلى باتنة، مع إثارة مسألة علاقة بن ساعي بمالك بن نبي، الذي يلقب بن ساعي بـ"معلمي"، رغم التقارب العمري بينهما، وينم ذلك عن حجم التأثير الذي تركه بن ساعي في المشروع الفكري لبن نبي.

شكلت علاقة بن ساعي بالمستشرقين الفرنسيين، وتحديدا بلويس ماسينيون، محور نقاش وإثراء كبير في تدخلات الحضور، فضلا عن رؤيته للمشروع الإصلاحي الذي تبنته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهو الذي يجعله الكثيرون في خانة الإصلاحيين، ومع ذلك حاول أن يترك مسافة لا بأس بها بينه وبين رجال الجمعية، حتى يتمكن من ممارسة فعل النقد، رغم العلاقة الوطيدة التي كانت تجمع الرجل بعبد الحميد بن باديس.

لم يختلف الوضع كثيرا في الدولة الوطنية بعد الاستقلال، حيث استمر تهميش بن ساعي إلى غاية وفاته سنة 1998، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها مأساوية. رغم أنه مثقف بارز متميز بنظرته الفلسفية والفكرية ووطنيته الفياضة، جمع بين تراثه العربي والإسلامي وتطلعه للفكر الغربي بمختلف توجهاته ومناهجه ومدارسه. وقد ساعده على ذلك، إتقانه للغتين العربية والفرنسية، ورحلته العلمية إلى فرنسا التي شكلت دفعا قويا في بناء شخصيته العلمية، قبل أن تؤثر الظروف التي طبعت تلك المرحلة على نشاطه، فحدت من تألقه الفكري.