المجاهد حاج حفصي شعبان لـ"المساء":

نحن ضحينا وحررنا الجزائر وليس لدينا وطن أخر

نحن ضحينا وحررنا الجزائر وليس لدينا وطن أخر
المجاهد حاج حفصي شعبان
  • القراءات: 319
س. زميحي س. زميحي

قال المجاهد حاج حفصي شعبان، إن ذكريات ثورة التحرير ستبقى راسخة في ذهنه ما دام على قيد الحياة رغم ما حملته من مآس وقساوة، لأنه بفضلها ـ كما قال ـ استعدنا استقلال وطن اسمه الجزائر الذي ليسنا لدينا من دونه بديلا، ولأجل ذلك نحن على العهد باقون وعلى خطى الأجداد سائرون ويتعين على الأجيال مواصلة المسير. 

ورغم السنوات وويلات الحرب والمعاناة إلا أن عمي شعبان، وبذاكرته القوية احتفظ بتفاصيل أحداث ترسخت في مخيلته وأرخت لمحطات من محطات الثورة المظفرة بالولاية الرابعة التي حمل السلاح في جبالها ووهادها. وعاد بذاكرته وهو يتحدث إلى "المساء" إلى سنوات عمره الأولى، عندما كان يحلم بمقعد دراسة مثل أترابه من ميسوري الحال وأبناء المعمرين ولكنه حلم تبخر بعد أن فقد والده في تلك السن المبكرة، طارئ حتم على عمه  بداية سنة 1955 العودة من فرنسا، حيث كان يشتغل لإعالة عائلة شقيقه المتوفي. وأضاف المجاهد حاج حفصي، أنه رغم تلك الأحداث إلا أن حلم الدراسة والتعلم بقي يراوده وهو في سن 14 ليقتنع في خضم أخبار الثورة والمجاهدين، أن القدر رسم له طريقا آخر بعد أن أعاد أول نوفمبر الأمل للشعب الجزائري بأن الاستقلال آت لا محالة.

واستحضر عمي شعبان، في سياق شهادته ذكرى لا تزال راسخة في ذهنه، حديثا دار بين والده وعمه أياما بعد اندلاع الثورة مع معمرين فرنسيين لكنه لم يفهم معناه لصغر سنه عندما أكد أحد الفرنسيين لوالده بقوله "ستنالون حريتكم"، ما يدل على أن فرنسا وجنودها كانوا يدركون خسارتهم للحرب مسبقا وأن نهوض الشعب وحمله السلاح وخوضه الحرب دليل على عزيمته على تحرير نفسه وأرضه. وعاد المجاهد إلى بداية نضاله شهر جويلية 1955، عندما رافق عمه عاشور إلى مزرعة العائلة بمنطقة آث ويشن، حيث رأى بأم عينيه  ولأول مرة في مكان كثيف الأشجار ثلاثة مجاهدين كان ضمنهم شخص ممشوق القامة حاد النظرة واسمر البشرة، كانت عيناه لا تفارقان وجه ذلك الفتى اليافع وكان يتحدث  بروية وحكمة وتعقّل، عرف بعدها أن ذلك الشخص هو العقيد عميروش، قائد الولاية التاريخية الثالثة.

وأضاف أنه عندما عاد إلى المنزل انتابه شعور غريب، بدأت معه الأفكار تتزاحم في مخيلته بين سنوات طفولته وما عاشه الشعب والثورة في أولى خطواتها وخضوعه وهو لا يزال مراهقا لجلسة استنطاق بعد حملة تمشيط قام به جنود الاحتلال لقريته طرحت عليه خلالها أسئلة حول الشهيد عنتر رابح، وتعرضه للضرب والصفع عدة مرات ولكنه اعتمد سياسة البكاء وتحمل الألم والعنف والتهديد حتى لا يدلي بأي سر بشأنه. وتذكر حفصي شعبان، إيواء وإخفاء قادة الثورة بالولاية الثالثة، كريم بلقاسم وعمر اوعمران والعقيد عميروش وغيرهم بمنزل العائلة، معتبرا تلك الأحداث بمثابة نقطة تحول في حياته ما حفزه لخوض غمار النضال والجهاد، حيث تم قبوله في صفوف الثورة شريطة مواصلة ممارسته مهنة الخياطة التي تعلمها في مدينة سيدي عيسى، حيث قبل المجاهد بدون تردد هذا الدور وهو في سنة 17 سنة، بقناعة أن كل مهمة وسيلة للانتصار على العدو وواجب كل جزائري غيور على وطنه، حيث كان الموعد بشلالة العداورة لتكون الانطلاقة كمسبل ثم مجاهد قبل أن يترقى لرقيب أول يوفر الأسلحة وينقل الأخبار وغيرها من المهام إلى غاية الاستقلال.

وتحدث المجاهد عن تاريخ 18 مارس 62، حيث كان رفقة مجاهدين عدما زف إليهم  خبر وقف إطلاق النار، مستذكرا آخر مجاهد ينحدر من شلالة العذاورة سقط شهيدا في ميدان الشرف في نفس ذلك اليوم، عندما انهار عليه المخبأ الذي كان بداخله ليلتحق بقوافل الشهداء مجهولي الهوية عشية الاستقلال من اجل الجزائر. وأصدر المجاهد حاج حفصي شعبان، كتابا بعنوان "من الجزائر إلى المنطقة الخامسة بالولاية الرابعة" اختزل فيها مساره الثوري  ومحطات النضال التحرري للشعب الجزائري منذ سنة 1830 إلى غاية انضمامه إلى صفوف الثورة، بما فيها لحظات استشهاد رفقاء الدرب تحت رصاص العدو ورؤيته رأي العين، مجاهدين أصيبوا في معارك ضد قوات المحتل ومعالجة بعضهم بإمكانيات محدودة وبدون تخدير.