كنوز ترقد تحت تراب إقليم الزاب

آثار طبنة الإسلامية ببريكة غيبها النسيان

آثار طبنة الإسلامية ببريكة غيبها النسيان
  • القراءات: 1606
ع. بزاعي  ع. بزاعي

تعد آثار مدينة طبنة الإسلامية، من ضمن أهم الكنوز التاريخية بمنطقة الأوراس، التي تعاقبت عليها العديد من الحضارات، وتوجد على بعد 4 كلم جنوب مدينة بريكة، الواقعة على بعد 88 كلم، جنوب ولاية باتنة، على الطريق المؤدية إلى مدينة بسكرة.

تتميز هذه المنطقة الضاربة في عمق التاريخ، بمعالم أثرية تعود إلى حقب زمنية قديمة، أرخت لتراث وثقافة المنطقة، والتي من شأنها أن تكون موردا هاما، إذا نفض عنها الغبار واستغلت في الترويج السياحي للمنطقة، وحسب العارفين بخصوصية المكان، فإن تثمين هذا الموروث سيحرك مختلف الفاعلين في المجالين السياحي والثقافي.

من هذه المعالم التاريخية الراسخة عبر الزمن بموقع طبنة الأثري، مسجد قديم يعود للفترة الأموية، ويعد أقدم مسجد يعود إلى تلك الفترة، حيث بني في القرن الثامن ميلادي، أي في الفترة الأموية، فيما بني مسجد آخر مشابه له، في نفس الفترة الزمنية، في منطقة جلعاد بمدينة السلط وسط الأردن، بحسب روايات تؤرخ لتلك الحقبة، وكذا لفترات تاريخية سابقة.

نوهت العديد من البحوث والدراسات بأهمية هذه الآثار، التي باتت تشكل إرثا حضاريا، لما تحمله من دلالات الماضي، ساهمت في أن تكون المنطقة الوجهة المفضلة للكثير من الحضارات التي استوطنت وسكنت المنطقة، حيث تشير الدلائل وأبار تجميع المياه المحفورة بطريقة ذكية ورائعة، أن العديد من الحضارات تعاقبت على المنطقة، واستمرت إلى العصور الإسلامية المختلفة.

أشارت المراجع إلى أن مدينة طبنة لم يعرف عنها شيء في عصر ما قبل التاريخ، إلا في العهد الروماني الذي انتشرت فيه القلاع المحصنة بتيمقاد ولمبازيس، وكانت “طبنة” تقع في الممر الذي يربط هذه القلاع بمدن الوسط، وتكمن أهمية هذه الحصون التي شيدت كحصون قلاعية، لأهميتها في الإستراتيجيات العسكرية المعتمدة وقتها. وحسب ما ورد في بحث الأستاذ سليمان قراوي، فقد شهدت هذه المدن خرابا شديدا على يد الوندال، في الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين. فيما تبقى طبنة شاهدة على ما خلفته الفتوحات الإسلامية من معالم أثرية مازالت بارزة إلى اليوم.

بتنوع الأحداث التاريخية والسياسية التي عرفتها طبنة، فإنها لم تنل حظها من الدراسة العلمية التي تكشف عن ماضيها السحيق، ولم تقم فيها حفريات متنوعة، رغم المظاهر التي لا تعد في المنطقة، على غرار قطع الحجارة المهذبة وغير المهذبة، والتي تشير فيما يبدو، إلى نشأة صناعة حجرية قديمة، وإلى حياة بشرية وحيوانية في هذه المنطقة في عصرها. وقد كشفت حفريات علمية عن نماذج قديمة جدا، لإنسان قديم في منطقة العلمة وشلغوم العيد، وتمثلها نماذج إنسان عين الحنش ومشتى العربي.

تعد طبنة، في نظر الجغرافيين القدماء، ضمن إقليم الزاب واسع الامتداد، الذي يوجد حده عند مشارف أشير، وأطراف المغرب الأدنى، في حين أن منطقة الزاب، حسب نفس المصادر، لم تستعد مكانتها إلا في العصر الفاطمي، انطلاقا من مدينة المحمدية التي أضحت مقرا لعامل منطقة الزاب كلها، وقد عرفت تطورا وازدهارا ومثلت دورها كاملا، أيضا نصرة للفاطميين، وكان أميرها علي بن حمدون، ثم أبناؤه جعفر ويحي يشرفون على المنطقة كلها، وأصبح بلاطهم فيها مركز جذب للنبهاء والحذاق من الكتاب والشعراء، مثل ابن رشيق وابن هانئ الإفريقي الأندلسي، الذي خلد جعفرا بشعره ووصفه بالملك.

لا تزال آثار طبنة شاهدة للعيان، بحاجة لمن ينفض عنها الغبار، وينبش عن كنوزها التي ترقد تحت التراب وتثمين أهميتها التاريخية، وتستدعي تدخل وزارة السياحة ودائرة الآثار العامة، حيث أن هذه الآثار مهددة بالزوال بفعل العوامل الطبيعية ويد الإنسان التي امتدت إليها وزحف العمران. وهي انشغالات حملتها جمعيات ثقافية بالمنطقة، للمسؤولين المعنيين. وما يروى عن طبنة أنها إحدى أبواب مداخلها الرسمية المصنوعة من الفضة، وتحمل نقوشا لآيات قرآنية، وظف فيما بعد، بابا للمدخل الرئيسي للمسجد العتيق بسيدي عقبة. 

يؤكد مختصون على ضرورة القيام بمبادرات، لوضع منطقة طبنة الأثرية في صدارة الاهتمامات، من خلال وضع خارطة سياحية للمحافظة على هذه الكنوز التاريخية، التي أشارت إليها بحوث تعود للعصر الروماني والبيزنطي، حيث تم العثور على ضريح يعود لأحد القادة الرومان، وقرية سكنية وأبار وبرك لتجميع مياه، إضافة إلى معاصر النبيذ التي كانت مشهورة في ذلك الوقت، إضافة إلى كهوف محفورة بالصخر، يعتقد أنها كانت قد وظفت كسكنات.