روجي غارودي

المفكر السياسي والفيلسوف المتعمق

المفكر السياسي والفيلسوف المتعمق
الفيلسوف والمفكر الفرنسي روجي غارودى
  • القراءات: 717

شغل نفسه بهموم الإنسان والبحث عن سعادته، من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، فكان واسع الاطلاع على شتى ثقافات العالم، ونظرته إلى الحياة نظرة شمولية، وكان يتأمل بعقل المفكر السياسي والفيلسوف المتعمق، فدرس الإنسان وأبعاده المتعددة، عاش حياته في صراعات فكرية وتحولات عنيفة، وسبح في كثير من الأحيان ضد التيار، إنه الفيلسوف والمفكر الفرنسي روجي غارودى.

ولد غارودي في 17 جويلية عام 1913 في مرسيليا بفرنسا، لأم كاثوليكية، وأب ملحد، التحق بمدارس مارسيليا وبسبب تفوقه حصل على منح دراسية من الدولة في جميع مراحله الدراسية، اعتنق المسيحية البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة، درس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة أيكس أون بروفانسن، وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1933، وعين أستاذا للفلسفة في مدرسة الليسي من ألبي عام 1937، شارك في الحرب العالمية الثانية ووقع في الأسر بالجزائر 1940. أول حديث لفت انتباهه للإسلام أثناء أسره، حيث أرسل إلى معسكر جنوب الجزائر، وقام مع زملائه المعتقلين الفرنسيين بحركة احتجاج داخل المعسكر، الذي كان يقوم على حراسته جنود جزائريون مسلمون، رفضوا إطلاق النار على المحتجين، عندما صدرت الأوامر بذلك، لينقذوا أرواح المعتقلين، ومن بينهم غارودي الذي مثلت تلك الواقعة بداية إعجابه بالإسلام، وانتخب بعد عودته من الحرب عضوا بالبرلمان الفرنسي 1945.

حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، عن النظرية المادية في المعرفة عام 1953، ثم حصل على الدكتوراه مرة ثانية عام 1954 في العلوم من جامعة موسكو، أسس المعهد الدولي للحوار بين الحضارات في باريس وترأسه، كما أسس المركز الحضاري في قرطبة، وهو عضو في أكاديمية المملكة المغربية، وفي المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن. تميزت مسيرته المهنية بالنزاعات، وطرد من الحزبِ الشيوعي الفرنسي عام 1970، بعد انتقاده غزو الاتحاد السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وفي نفس السنة، أسس مركز الدراسات البحوث الماركسية، واستمر مديرا له لمدة عشر سنوات، رغم أنه كان مؤيدا للتدخل السوفيتي في المجر قبل 12 سنة.

اشتهر بعدائه الشديد للأمبريالية والصهيونية، وبعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، أصدر بيانا وقعه معه اثنان من رجال الدين المسيحي، واحتل صفحة كاملة من جريدة "لوموند" الفرنسية بعنوان "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان"، وكان ذلك البيان بداية صدام بينه وبين المنظمات الصهيونية، التي شنت ضده حملة شرسة في فرنسا والعالم، واتهمته بالعنصرية ومعاداة السامية، خاصة بعد أن نشر بحثه ملف إسرائيل. حُكم بتهمة التشكيك في المحرقة اليهودية في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، وصدر الحكم عليه بغرامة مالية كبيرة، ولم يتراجع عن موقفه، رغم أنه تجاوز التسعين من عمره. في 2 جويلية 1982، أشهر إسلامه في المركز الإسلامي في جنيف، وعقد قرانه على سلمى الفاروقي فلسطينية الأصل، بحضور الإمام الجزائري المعروف محمود بوزوزو، الذي أصبح واحدا من أصدقائه المقربين، وكتب بعد إسلامه عدة كتب، لكن بعدت عنه الدوائر الإسلامية، خاصة عندما انتقد تيارات الفكر الإسلامي المعاصرة، وأعلن أنه لم يتخل باعتناقه الإسلام، عن جوهر المسيحية وكونه الماركسية. 

اختار غارودى الإسلام دينا لبقية حياته، بعد بحث ودراسة وفكر وتأمل واقتناع، وقال إنه هو الدين الوحيد الذي تقوم على أكتافه، حضارة أنارت أوروبا في عصور الظلام. ومن أهم الأقوال والاقتباسات "الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين"، و"أن تكون بريئا لا يعنى أن تكون ساذجا أو أن تعيش في عزلة"، و" البراءة هي أن ترى العالم على اتساعه مفتوحا، مثلما تراه بعيني طفل". يقول غارودي عن الإسلام "انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة، إنما جاء بعد رحله عناء ورحلة بحث طويلة، تخللها منعطفات طويلة، حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل، فالإسلام في نظري هو الاستقرار".

صدر أول كتاب له عام 1946، ونشر له أكثر من 50 كتابا، منها حوار بين الحضارات، الإسلام يسكن مستقبلنا، إنذار إلى الأحياء، ومحمد الإسلام، كيف صار الإنسان إنسانا؟، والمسجد مرآة الإسلام، وعود الإسلام، ومحاكمة الصهيونية الإسرائيلية، فلسطين أرض الرسالات السماوية، والقضية الإسرائيلية ـ كشف السياسة الصهيونية، وفي تلك الكتب وضح مكانة الإسلام ومبادئه وصحة أصوله وقدرته على توفير الكرامة للإنسان على مرِ العصور، والدفاع عن فلسطين وأهلها، من خلال مواقفه وخطبه وكتاباته، وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من عشر لغات.

حصل على العديد من الجوائز، منها ميدالية الشرف لمقاومته الفاشية الهتلرية بين عامي 1941 و1944، وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1985. توفي في 13 جوان 2012 عن عمر يناهز الـ98 عاما في بلدية شينفيير في سور مارن، جنوب شرق باريس، ورثاه في الأيام التالية عدة كتاب، منهم الدكتور سعيد اللاوندي، حسن طلب، الدكتور علي مبروك، مها النحاس، عائشة عبد الغفار، ليلى الراعي.