"فيسبوك وإخوانه" للكاتب كباشي

ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟

ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟
  • القراءات: 540
  ق. ث ق. ث

صدر عن دار "إي كتب"، ومقرها لندن، حديثا، كتاب "فيسبوك وإخوانه: ماذا فعلت بنا وسائل التواصل؟ " للكاتب والصحفي نت، عثمان كباشي، مدرب صحافة الأنترنت والتحرير الصحفي بمركز الجزيرة للتدريب. 

الكتاب، حسب المؤلف، هو عصارة أكثر من 10 كتب صدرت في السنوات الثلاث الماضية، كان موضوعها العام، تأثیر العصر الرقمي في حیاة البشر، وقد حاول بعضها تقدیم جوانب مضیئة للعصر الرقمي وتحولاته التي أثرت وتؤثر في كثیر من مناحي الحیاة، بید أن معظمها تناول بالنقد الشدید الجوانب السلبیة لأبرز منتجات هذا العصر، وهي منصات التواصل الاجتماعي وما تقدمه من محتوى.

في تقديمه للكتاب، روى الدكتور محمد العلي، الصحفي في "الجزيرة نت"، كيف تعرف على معنى القراءة خارج إطار المناهج الدراسية، عندما يمم وجهه شطر إسبانيا لطلب العلم في أواسط السبعينات. وعن هذا يقول "بعد زوال دهشتي الأولى من تجربة المترو واستخدامه في تنقلاتي اليومية، ألفيتني أمام دهشة أكبر؛ في كل رحلة بواسطة هذا القطار المنطلق بسرعة في باطن الأرض، كان ينتصب قبالتي مشهد متكرر، لرجال ونساء وفتيان وفتيات من كل الأعمار، يقتلون الوقت الذي تستغرقه رحلتهم إلى مقاصدهم، وهم يحملون كتابا صغيرا، وفي بعض الأحيان صحيفة".

تغير ديدن الشعوب

أضاف "قراء من كل الأعمار يستعينون بالمعرفة والمتعة الذهنية، لقتل الوقت الذي تستغرقه رحلاتهم اليومية المملة.. تغير ديدن الشعوب المتقدمة، والأقل تقدما على حد سواء، مع دخول البشرية عصر الأنترنت ووسائل التواصل، ابتداء من نهاية ثمانينيات القرن الـ20. وفي أقل من ربع قرن، انقلب المشهد الذي وقعت عليه أول مرة في إسبانيا إلى مشهد نقيض لرجال ونساء وفتيان وفتيات، مسمرين أمام شاشات هواتفهم، وفي بعض الأحيان يواصلون النظر إليها والتمعن فيها حتى وهم يجتازون طرف شارع إلى ضفته الأخرى".

وهذه هي واحدة من تجليات العصر الرقمي الذي بات حقيقة نعيشها في كل ساعة، وفي كل تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا الإنسانية التي باتت الهواتف النقالة وسيطا دائما فيها، حتى داخل الأسرة الواحدة، حسب مقدمة الكتاب. وبتلخيصه لأكثر من 10 مصادر معرفية تتناول العصر الرقمي، يقدم المؤلف -الشغوف بمتابعة كل ما ينشر بالإنجليزية في عالم الإعلام والأنترنت- كتابا يحاول مساعدة القراء "على فهم المصيدة التي وقعنا فيها منذ تسلسل العصر الرقمي في حياتنا اليومية، محدثا تحولا هائلا في مشاعرنا وعلاقاتنا الإنسانية".

مخاطر التحول الرقمي

كیف تبدو الحیاة في العصر الرقمي؟ وما مخاطر التحول الرقمي على حیاة الناس؟ هذا السؤال العمیق والكبیر كان عنوانا لتقریر شامل صدر في فبرایر 2019 عن المنظمة الدولیة للتعاون والتنمیة الاقتصادية (oecd).

ركز تقریر المنظمة الذي صدر بـ10 لغات -لیس من بینها العربیة- على 11 بعدا مهما في حیاة الناس هي: الدخل والثروة، الوظائف والأرباح، الإسكان، الحالة الصحیة، التعلیم والمهارات، التوازن بين العمل والحياة، المشاركة المدنية والحكم، العلاقات الاجتماعية، الجودة البیئیة، الأمن الشخصي، الرفاه الشخصي. وقد خلص التقریر إلى أن للتحول الرقمي نحو 39 أثرا في حیاة الناس، وأن هذه التأثیرات یمكن أن تكون إیجابیة، إذ تساهم التقنیات الرقمیة في توسیع حدود توفر المعلومات وتعزيز الإنتاجية البشریة، لكنها قد تنطوي أيضا على مخاطر على رفاهية الأشخاص، بدءا من التسلط عبر الأنترنت، إلى ظهور معلومات مضللة، أو وقوع قرصنة إلكترونية.

لكن كثيرين تساءلوا قبل هذا التاریخ، عن تأثیر الثورة الرقمیة والتحولات التي أحدثتها في مناحي حیاة الناس كافة، سواء كانت إیجابیة أم سلبية. ويقول المؤلف في مقدمة كتابه، إنه ربما لا ینكر أحد أن للثورة الرقمیة فوائد جمة أثرت في كثير من مناحي حياة الناس، وفي أحيان كثیرة، یسرت سبل عيش البشر في مختلف الأصعدة، سواء تعلق الأمر بالمجال السياسي أم الاقتصادي أم الثقافي. في المقابل، كان للتحول الرقمي العدید من الأوجه الضارة التي أثرت في حیاة الناس وطرائق معیشتهم، وقد كان التأثیر السلبي لوسائل التواصل في حیاة الناس مجالا للعدید من الدراسات، وصدرت في السنوات الأخيرة الكثير من الكتب التي تناولت ذلك.

"غزو البلهاء"

البروفیسور فیدیاناثان مؤلف كتاب "كيف يساهم فيسبوك في قطع العلائق بين الناس وتقويض الديمقراطية؟" لا یرى في هذه المنصة إلا الشرور، إذ یقول "إن كنت ترغب في أن تبني آلة من شأنها أن تنشر الدعایة لملايين الأشخاص، وتشتت انتباههم عن القضایا المهمة، وتعمل على تغذیة الكراهية والتعصب، وتساهم في تآكل الثقة الاجتماعية، وتقوض الصحافة المحترمة، وتشجع الشكوك في العلوم، وتنتظم في مراقبة شاملة للبشر، فإنك حتما ستصنع شیئا یشبه فیسبوك تماما".

وهو هنا یصطف مع رأي ینسب للفیلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إیكو (1932-2016) الذي یلقي باللائمة على شبكة الإنترنت "التي أتاحت لبعض الناس إمكانية أن یقولوا ما یرونه". ویرى أمبرتو إیكو أن "أدوات مثل تویتر وفیسبوك، تمنح حق الكلام لفیالق من الحمقى ممن كانوا یتكلمون في الحانات فقط، بعد تناول 11 كأسا من النبیذ، دون أن یتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان یتم إسكاتهم فورا. أما الآن، فلهم الحق في الكلام، مثلهم مثل من یحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء". وقد اختلف كثیرون مع وجهة النظر تلك المنسوبة إلى إیكو، إذ یرون أن الحق في التعبیر حق إنساني أصیل، ولا یمكن أن تمنعه بحجة أن ثمة من يسيء استعماله.

الافتتان بالذات

ثمة صورة أخرى للتأثیر السلبي للثورة الرقمیة، نجدها في الكتاب الثاني الذي یحمل عنوان "سيلفي.. كيف أصبح الغرب مفتونا بالذات؟" إذ تقوم أطروحة هذا الكتاب على أن الثورة الرقمیة ومنتجاتها، كرست نوعا من السلوك الإنساني، يعطي قیمة كبرى للذات التي یرید صاحبها دائما أن یظهر بالمظهر الذي یجلب له الإعجاب والثناء ممن یعیش ویتفاعل معهم عبر العوالم الافتراضية.

ویأخذنا المؤلف في رحلة طویلة عبر سطوره، یرینا فیها نماذج لذلك الهوس الذي یقود أصحابه في أحیان كثیرة إلى الموت، مع أنهم سلكوا دروبا كانوا یعتقدون أنها سترسو بهم في مرافئ آمنة، تشبع جوعهم ونهمهم للتقدیر والإعجاب. الكتاب الثالث في السلسلة المنتقدة للعصر الرقمي وتحولاته، یحمل عنوان "البشر في مواجهة التكنولوجيا: كيف يقضي الأنترنت على الديمقراطية؟"، وتقوم فكرته الأساسية على تبصیرنا بما سماه المؤلف مخاطر الثورة الرقمیة، ویقدم لنا فیه حلولا ملموسة لكیفیة حمایة خصوصیتنا الشخصیة، بل حمایة العملیة الدیمقراطیة نفسها من تلك المخاطر.

حسب المؤلف، فقد كان المنتظر من الثورة الرقمیة وولیدها المحظوظ الأنترنت، أن تطلق سراح البشر وتمنحهم مزیدا من الحریة. لكن -یتساءل المؤلف- هل سلمنا عن غیر قصد الكثیر مما نملك لقوى غامضة تختبئ وراء جدار الشفرة؟ وهل تلاعب بكل ذلك حفنة من الرجال الخیالیين في وادي السلیكون؟ رجال الإعلان وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة.

"الكل يكذب"

في الكتاب الرابع "الكل يكذب.. كيف تجيب الأنترنت عن سؤال من نحن؟" یتطرق المؤلف إلى ما سماه سطوة البیانات الضخمة على حیاتنا، ویفصل في موضوع تأثیر البیانات الضخمة التي وفرتها ثورة المعلومات في حیاة الناس.

وینطلق من سؤال "لماذا یكذب الناس في الحیاة العامة؟"، في حين أن سلوكهم على شبكة الأنترنت یعبر عن توجهاتهم ومشاعرهم الحقیقیة التي لا یریدون لها أن تعرف، وأن تظل طي الكتمان. یخبرنا المؤلف في صفحات الكتاب أن الكل یكذب.. ولكن عند غوغل الخبر الیقین، ویتساءل "هل أصبح غوغل ونظائره من محركات البحث، كرسي الاعتراف الحدیث الذي یسر إليه البشر طائعین بما یخفونه من مشاعر حقیقیة عن الآخرین؟"

فخ الأنترنت

أما الكتاب الخامس بعنوان "فخ الأنترنت.. كيف يبني الاقتصاد الرقمي الاحتكارات ويقوض الديمقراطية؟"، فهو أیضا یذهب في اتجاه الكتب السابقة نفسه، ویسعى إلى توضیح مستوى السیطرة المذهلة التي تمارسها منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئیسة على الخطاب السیاسي، وما یعنیه ذلك لعملیة الدیمقراطیة.

ویرى ما ثیو هندمان في كتابه الصادر عن دار جامعة برینستون الأمريكیة، أن ثمة فخا للأنترنت، وقع فیه كثیرون، وهو هنا یبحث تحدیدا في ظاهرة الاحتكارات الرقمیة التي ترفع علمها شركات كبرى مثل غوغل وفیسبوك، وتجني بها الأرباح الهائلة من الأنشطة التي یمارسها البشر على الأنترنت. الكتاب السادس یحاول النظر في وضع العالم العربي في ظل العصر الرقمي، وعنوانه "تسريبات، قرصنة وفضائح: الثقافة العربية في ظل العصر الرقمي"، وهو للمؤلف اللبناني طارق العریس، صدر في أوائل دیسمبر 2018 عن دار نشر جامعة برینستون الأمريكية. یبحث الكتاب في التغییرات التي أحدثتها وسائل الإعلام الرقمیة في مجالات الأدب والسیاسة والثقافة في العالم العربي، ویركز على المواجهة بین الناشطین العرب والأنظمة الاستبدادية في الشوارع، وعلى تأثير الأنترنت.

الاقتصاد والسلطة و"تجار الحقيقة"

أما الكتاب السابع، فیتناول تأثیر العصر الرقمي في الاقتصاد، عبر ظهور ما یعرف بالاقتصاد غیر الملموس، والكتاب بمنزلة تقریر شامل عن تزاید هيمنة الاقتصاد غیر الملموس، ویرى مؤلفاه أن ثمة ثورة اقتصادية هادئة حدثت في أوائل القرن الـ21، تمثلت في توجه الاقتصادات الكبرى في الدول المتقدمة نحو الاقتصاد غیر الملموس،  عبر الاستثمار بصورة أكبر في قطاعات، مثل التصمیم، والبرمجیات، والعلامات التجاریة وغیرها، مقارنة بالأصول الملموسة، مثل الآلات والمباني وأجهزة الحاسوب.

الكتاب الثامن یتطرق إلى عدد من الأسئلة من قبيل؛ ھل ثمة علاقة بین صعود دونالد ترامب إلى سدة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتفشي ما یعرف بظاهرة الهراء والتفاهات؟، وما دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الأخبار الزائفة؟ ولماذا أصبحت الحقیقة الضحیة الكبرى؟ ولماذا أخفقت وسائل الإعلام المحترفة في التصدي لكل ما سبقت الإشارة إلیه؟. هذه الأسئلة وغیرها، یحاول كتاب "ما بعد الحقيقة.. كيف سيطر الهراء على العالم؟" الذي صدر في بریطانیا عام 2017، البحث عن إجابات لها وسبر أغوارها. ویبحث الكتاب التاسع وعنوانه "أخبار زائفة.. المعركة بین الطغاة ووسائل الإعلام" في العلاقة ما بین وسائل الإعلام والسلطة.

ویورد المؤلف أن الإهانات والشتائم والعبارات من شاكلة "أخبار زائفة"، و"صحافة غیر شریفة"، و"عنصري"، و"غیر مستقر عقلیا" التي ظلت متبادلة بین معظم وسائل الإعلام الأمريكیة والرئیس الأميركي دونالد ترامب، لیست ولیدة الیوم، بل ثمة أحداث مشابهة وأمثلة كثیرة یحفل بها تاریخ العلاقة بین السلطة ووسائل الإعلام.

الاضطراب الإعلامي

أما الكتاب العاشر والأخير في هذه المجموعة المختارة، وهو بعنوان "تجار الحقيقة.. صناعة الأخبار في العصر الرقمي والمعركة من أجل الحقائق"، فیركز على حال الصحافة الأمريكیة في ظل العصر الرقمي، انكساراتها وانتصاراتها، ومؤلفته جیل أبرامسون شاهدة على تلك الحال، وحاضرة في معارك عدة في ذلك الشأن، بل كانت هدفا لبعض هذه المعارك. فقد شغلت منصب رئاسة تحریر صحیفة "نیویورك تایمز" الشهیرة من عام 2011 إلى 2014، وكانت أول امرأة تشغل هذا المنصب منذ صدور الصحیفة قبل 160 عاما.

ویركز الكتاب عبر فصوله الـ13 على مسیرة 4 مؤسسات إعلامية أمريكیة خلال العقدین الماضیین اللذین شهدا ما یمكن تسمیته بـ"الاضطراب الإعلامي"، وهي الحقبة التي بدأت بوصول ثورة الأنترنت، وشهدت انهیار نماذج العالم التقلیدیة، إذ لم تتمكن سوى قلة قلیلة من المؤسسات الإعلامية التقلیدیة من إيجاد سبل للبقاء على قید الحیاة، فضلا عن الازدهار.