النصف المملوءة من الكأس !

  • القراءات: 568
بلسان: جمـــــال لعـلامي  بلسان: جمـــــال لعـلامي

مرّ قطار التغيير وتجديد المؤسسات، عبر محطة التشريعيات، يوم 12 جوان 2021..فاز من فاز، وخسر من خسر، وسقط من سقط، وعاد من عاد، وهذه هي الديمقراطية وكلمة الصندوق واحترام الإرادة الشعبية، فلا داعي إذن للتركيز على النصف الفارغة فقط من الكأس.

الجزائريون الذين اختاروا المشاركة وأداء واجبهم وحقهم الانتخابي، اختاروا من اختاروا، بكلّ حرية ونزاهة وشفافية..والجزائريون الذين فضلوا ”المقاطعة” أو ”العزوف” أو البقاء في بيوتهم أو التسوّق أو الذهاب إلى شاطئ البحر، أو التغيّب لأسباب ومبررات مختلفة، لا يُمكنهم لوم الآخرين على التصويت.

هذه هي الانتخابات، رابح وخاسر..مُحتفل وحزين، لكن في الأول والأخير، في البداية والنهاية، المنتصر هي الديمقراطية، والناجح هي الجزائر، التي بدأت بعد رئاسيات 12 ديسمبر 2019، في التأسيس لأركان ”جمهورية جديدة” قائمة على الكفاءة والشباب وخرّيجي الجامعات.

نعم، ينبغي أن ينتهي منطق ”اللوم والعتاب”، ومرض تحطيم الآخر، وعقلية ”أنا أو لا أحد”، و"أنا ومن بعدي الطوفان”.. يجب أن يُفسح الطريق للراغبين في العمل والجدّ والاجتهاد، بعيدا عن محاولات التكسير وفوبيا وضع العصا في العجلة والدبابيز في ممرّ الراجلين!

لا فائدة من عرقلة هذا لذاك، بالإشاعات والبلبلة والقلاقل والتحريض، فكلها كمن يطلق ”الفيروس” للتخلّص من الآخر، وإذا بهذا الفيروس ”يهرب ويتسرّب ويتحوّل فجأة ودون سابق إنذار، إلى عدوى ثم وباء، فجائحة لا تبقي ولا تذر، ولا ينجو منها حتى من اخترعها ضدّ غيره!

مسيرة التغيير والتطوير انطلقت، استجابة لمطالب الحراك الأصلي والأصيل، فعلى كلّ الخيّرين والوطنيين والمواطنين، أن يقتنعوا بأن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، وعلى غلاة ”التخلاط” وفلول صبّ البنزين على النار، أن يدركوا بأن مدّة صلاحية الكليشيهات البالية، والسيناريوهات ”البايخة”، قد انتهت للأبد.

بعيدا عن أيّ قراءات أو استنتاجات أو تأويلات أو تفسيرات، على المقاس، فإن أرقام ونتائج الانتخابات البرلمانية، تبقى حقيقة وواقع سياسي، يجب على الطبقة السياسية وكلّ المنتخبين والناخبين، التعامل معه بكلّ ”روح رياضية”، مع الانتباه إلى أن الخارطة تغيّرت، وأن الأغلبية البرلمانية انتهت، وأن ”حلف الشيطان” بين أحزاب بعينها، تلاشى واندثر، وأن البرلمان لم يعد غرفة تسجيل وفقط.

حتى وإن أبقى الصندوق على أحزاب ”قديمة” وكلاسيكية وتقليدية، يكون الكثير من الجزائريين قد كرهوا وملّوا ويئسوا منها، فإنه لا ينبغي إهمال تراجعها وضعفها واهتزاز قواعدها النضالية، رغم ما كانت تدّعيه سابقا من انتشار وتأثير ونفوذ، خلال الانتخابات الموسومة بالتزوير !

لا يجب إغماض الأعين، عن افتكاك ”الأحرار” للمركز الثاني، داخل البرلمان، في سابقة انتخابية من نوعها، في وقت ”عاد” فيه جزء من ”الإسلاميين”، بعد سنوات من الانعكاف أو الانسحاب، مع صعود أحزاب جديدة.

وكلّ هذا، لا يمنع من القول، برأي مراقبين، بأن آلاف  الناخبين، أو ربما الملايين، ممّن لم يصوّتوا- وهم في ذلك أحرار- ربّما فوّتوا فرصة أخرى لاختيار نواب جدد من شباب وطاقات جامعية ونزهاء وأكفاء ونظفاء، ترشحوا ضمن عشرات القوائم المستقلة والحزبية، لأول مرة، ونيتهم المشاركة في التغيير والإصلاح، بعدما لمسوا احترام الإرادة الشعبية، وكلمة الصندوق، قبل يوم الانتخاب.

هي مجرّد لبنة أخرى، لإعادة الثقة، وبناء مؤسسات شرعية وشعبية، ومن الطبيعي أن يكون هذا الطريق وعرا ومحفوفا بالمخاطر والحواجز المزيّفة والمنعرجات الخطرة..لكن الأكيد، أن تكريس إرادة الناخبين واحترام سيادة الشعب، وإعلان الأرقام مثلما هي دون زيادة ولا نقصان، هو انتصار آخر على ثقافة التزوير والتدمير، وتأسيس لجزائر جديدة تبني ديمقراطيتها الحقيقية والصحيحة طوبة بطوبة، إلى غاية إكمال البيت الذي سيحتضن الجميع دون استثناء ومن دون إقصاء.