في "بناء الرواية مقدمات قصيرة"

الأعرج يستعرض مفاهيم تبسيطية عن الرواية البنيوية

الأعرج يستعرض مفاهيم تبسيطية عن الرواية البنيوية
  • القراءات: 576
نوال جاوت نوال جاوت

ضمن سلسلة كتب "كتارا الدورية- مقدمات في الرواية"، صدر للأكاديمي والروائي الجزائري واسيني الأعرج، كتاب بعنوان "بناء الرواية مقدمات قصيرة"، تناول فيه فلك المقاربة التي تتحول فيها الأداة النقدية إلى مقاربة منهجية، للفهم والسيطرة على معنى النص بشكل أشمل، والإمساك بمعنى الحياة، لا في تسطحها، لكن في مختلف مظاهرها التي تجعل من الإنسان كائنا حيا قادرا على الإنتاج المستمرة.

يقول الأعرج في المقدمة التي جاءت بعنوان "في أسئلة هذا الكتاب"، إنه يتناول بتفاصيل دون الإغراق الأكاديمي، فهو موجه للمختص، ولغير المختص، الذي يريد أن يعمق معارفه بالنسبة إلى الرواية، بوصفها عالما تخيليا وليست خطابا يقينيا يتم البحث من ورائه عن الحقائق الموضوعية، مبينا أنه رغم تشتت وتعدد البنيات داخل النص الروائي الواحد، التي تعطي الانطباع التشظي والفوضى، فهي تخضع لنظام بنيوي موحد، هو الذي ينظم النص الروائي ويعيطه المعنى الذي يبحث عنه القارئ.

للمختص وغير المختص

أشار الكاتب إلى أن هدفه، هو محاولة تقديم معرفة تبسيطية للمفاهيم الروائية البنيوية، على الرغم من تعقدها النقدي، للمختص وغير المختص، والقصد من ورائه، التوجه إلى جمهور واسع لديه رغبة في الاطلاع على كل ما يغيب عنه من معارف، بما في ذلك مكونات النص الروائي، والابتعاد عما هو أيديولوجي وسياسي بكل ما يفرضه المفهوم من خلفيات سياقية ليس هذا مكانها. فقد انطلقنا من المنجز البنيوي في تحديد بنية النص الروائي، كما تجلت عند الرواد اللغويين البنيويين الأوائل.

لفت الأعرج إلى أن هناك الكثير من الدراسات النقدية المهمة حول البنية الروائية، أو الخصائص البنائية الجوهرية التي تجعل من نص معين ينتمي إلى جنس محدد دون غيره، وبين أن هناك مؤلفات مهمة ومفيدة إلى حد كبير، جعلت من الطروحات النظرية الأوروبية، الفرنسية والأنجلوساكسونية، بشكل خاص، مستندها ومرجعها الدائم في عمليات التحليل النصي. وقال "حتى اللحظة يبدو الأمر طبيعيا، لأن النظرية النقدية المعاصرة بكل أدواتها الإجرائية انبثقت من الغرب، وأصبح النشاط النقدي مقترنا به، وإن وجدت بعض علاماتها في النقد العربي البلاغي الكلاسيكي، بالتحديد في نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني. لكن نظرية هذا الأخيرة توقفت عند حدود الجملة الواحدة، ولم تتخط جملا قليلة في أحسن الأحوال، إذ لم يكن انشغالها النظر إلى النص باعتباره وحدة، ونسقا دلاليا".

يرى المؤلف أن مشكلة النظريات الغربية كثيرا ما تحولت إلى "منقذ من الضلال"، وأخذت بمفهوم المقدس، فاتكأ عليها الناقد العربي دون التفكير في فهمها جيدا وتخطيها تجاه تنميتها، والإضافة إليها بما يحتاجه النص العربي، واعتبرت هذه النظريات درسا مطلقا يمكن تمرير كل النصوص العربية من خلاله، دون طرح سؤال الخصوصية الذي يقتضي تطويرا للنظريات، وعدم أخذها في كليتها دون سؤال.

رهين المعضلات الثقافية والحضارية

يشير الأعرج إلى أبرز مشكلات التي تواجه النقد العربي، وهي بقاؤه رهين معضلاته الثقافية والحضارية، التي تأسست في مناخات المثاقفة المهيمنة على الاستهلاك المعرفي، دون الاعتماد في الوقت نفسه، على صيغة التعامل مع المنجز الغربي بشيء من التبصر والتحليل، والنقد أيضا متى وجب ذلك. النظريات الغربية، رغم شموليتها وإنسانيتها، أنجزت في الجوهر لفهم آليات اشتغال النص الغربي.

الكتاب جاء في خمسة فصول، يتحدث الأول عن المحيط النصي آليات قبل ـ نصية، فيما يتناول الثاني انفتاح/ انغلاق النص الروائي من البداءة إلى الخرجة، والثالث البنية المكانية والزمانية في الرواية معضلات الكرونوتوب، أما الفصل الرابع، فيتناول بنية الشخصيات الروائية الشخصية بوصفها علامة، ويتحدث الفصل الخامس عن آليات التخييل الروائي من الواقعي إلى السحري.

يقول المؤلف في خاتمة دراسته التي جاءت بعنوان "عود على بدء"، إن هذا الكتاب ليس دراسة أكاديمية بضوابطها التقليدية، بل رحلة في عمق الرواية بوصفها جنسا أدبيا له خصوصيته، بمكوناته الداخلية التي بني عليها، وشيد معمارها اللغوي على آلياته، مؤكدا أن الرواية قبل أن تكون خطابا، بمرجعياته السياسية والاجتماعية، والنفسية والحضارية وغيرها، "هي بنية تشتغل داخليا بشكل خفي، تحكمها قوانين صارمة، لها نظامها وآلياتها، تعمل هذه الدراسة على الكشف عنها وجعلها مرئية لمن أراد أن يعمق معارفه في هذا المجال".

كائن لغوي وعلامة سيميائية

يتحدث الأعرج عن كيفية بناء الرواية قائلا "تنبني الرواية أولا على مشروع حكائي لا يظهر جيدا بكل تفاصيله، إلا عندما تصل عملية الحكي إلى منتهاها، وينغلق النص بعدها، ليصبح تاريخيا نصيا وقرائيا، كما تتأسس على استراتيجية الحكي بكل دقتها"، ويفترض بالرواية وجود عتبات أولية ينفتح النص من خلالها على عالم جديد، عالم يولد فيه النص لأول مرة، قبل أن يتقاطع مصيره مع مصير قارئ افتراضي موجود في نقطة غير مرئية من هذا العالم. فيبدع النص بنيانه المكانية التي يشملها فضاء أوسع، وبنياته الزمنية التي تتحكم في دينامية سرد يتسع ويغتني، كلما اندفعت عملية إلى الأمام وفق وتيرة تتحكم فيها الوقائع والأحداث، وتقاطع معها حيوات الشخصيات الروائية التي تشكل معطى أساسيا في الرواية.

ينوه المؤلف إلى أن مسألة الشخصية الروائية أثارت جدلا كبيرا منذ فجر الرواية، بين الشخصية المرجعية التي تحيل إلى ما يعتمل في المجتمع، درجة تحولت إلى مجرد صدى لبشر حقيقيين، مبينا أن الوعي النقدي العالمي فصل بشكل نهائي، بين الشخص الذي يعني الإنسان من لحم ودم، الذي لا علاقة له بالرواية، والشخصية التي لا مرجع لها إلا النص الذي تنشأ فيه، وتتسع داخله فهي في النهاية كائن لغوي، علامة سيميائية، يجب أن تدرس في النص الروائي بهذه الصفة وليس بغيرها. دون أن ننسى التخييل الذي يتأسس عليه معمار الرواية، فهو جوهر الكتابة نفسها في ابتعادها عن اليومي والمكرر، وهو المحدد للقدرات الإبداعية المتوافرة في نص من النصوص الروائية، اللحمة الأساسية التي تلتقي فيها مختلف العلائق الروائية، هذا كله يحتاج إلى قدر كبير من الحرية، يسمح للنص الروائي بأن يتجلى في عمليتي الخلق والابتكار الفنيين. وعندما تجف عملية التخييل، يعني أن الحرية في خطر.

للإشارة، واسيني الأعرج، أكاديمي وروائي جزائري يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، ويعد أحد أهم الأصوات الروائية في الوطن العربي، ويكتب باللغتين العربية والفرنسية، صدر له العديد من الروايات والمؤلفات.

حصل على الجوائز التالية منها "جائزة الرواية الجزائرية" على مجمل أعماله، جائزة المكتبيين الكبرى عن روايته "كتاب الأمير"، التي تمنح عادة لأكثر الكتب رواجا واهتماما نقديا، في السنة، جائزة الشيخ زايد للكتاب (فئة الآداب)، جائزة الإبداع الأدبي التي تمنحها مؤسسة الفكر العربي ببيروت عن روايته "أصابع لوليتا"، جائزة كتارا للرواية العربية عن روايته "مملكة الفراشة"، جائزة أفضل رواية عربية عن روايته "البيت الأندلسي"، وتُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية، من بينها الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدانمركية، العبرية، الإنجليزية والإسبانية.