صحف تعاونت على الإثم والعدوان؟!

العربي ونوغي العربي ونوغي

من السذاجة، بل من الغباء اعتبار ما ارتكبته صحيفة لوموند الفرنسية مجرد خطأ مهني!؟ ليس لأن الجريدة لا تخطئ ولكن لأن ما ارتكبته لوموند لا يمكن إدراجه إلا في خانة "الفعل المتعمد" لخلفيات وأسباب يبدو أن الجزائر أدركت مراميها بدقة وإلا لما تم استدعاء السفير الفرنسي من طرف الخارجية الجزائرية، حول مجرد نشر موضوع صحفي. ولما حصل كل ذلكم الإجماع حول إدانة "المناورة" المبتذلة في أسلوبها من طرف جريدة عوّدتنا على إعطاء الدروس لغيرها في الاحترافية والمهنية... أية احترافية أن تنشر صورة مع موضوع لا علاقة له بتلك الصورة، ثم تعتذر بعد ذلك عن الخطإ؟!. ثم أية صورة؟  صورة رئيس جمهورية لدولة مستقلة وذات سيادة، هذا لا يمكن أن يكون خطأ، ولا يرتكبه حتى أبسط مبتدئ في الصحافة.

من السذاجة أن ننظر إلى ما حدث بتبسيط. لقد اكتمل المشهد أمس الأول بإعلان جرائد ووسائل إعلام فرنسية (ليبراسيون  ولوفيغارو وحتى تي أف1 وفرانس 2 وفرانس أنتير...) مقاطعة زيارة الوزير الأول الفرنسي من باب التضامن مع الزميلين: لوموند و"لوبوتي جورنال" (اسم على مسمى !) اللذين لم يحصلا على تأشيرة الدخول إلى الجزائر. في الحقيقة لسنا نفهم هذا التضامن إلا من باب المغالطة أو التعاون على الإثم والعدوان؛ إذ من غير المعقول أن نتضامن مع زميل خرق مبدأ الاحترافية وشوّه المهنية. وحرية التعبير لا تعني الدوس على الأخلاق والتلفيق والتشويه المتعمد والمكائد المدسوسة إلا إذا كانت الاحترافية والمهنية تخضع لمقاييس غير تلك المتعارف عليها دوليا في الإعلام، وهم فعلا عوّدونا على ازدواجية مواقفهم السياسية والدبلوماسية، والكيل بمكيالين. 

من حقنا أن نفهم ونقول بأن جريدة لوموند نفّذت "مهمة إعلامية" ولم تنشر خبرا إعلاميا. وواضح أن المهمة مرتبطة بأهداف وحتى "بصكوك مالية"، سيما أنها تأتي عشية زيارة الوزير الأول الفرنسي إلى الجزائر؛ أي مهمة التشويش على هذه الزيارة التي يراهن عليها البلدان في إخراج العلاقات الثنائية إلى مرحلة لا تتأثر بالزوابع المفتعلة وغير المفتعلة. ومعلوم أن اليمين في فرنسا غير راغب في تقارب أقوى مع الجزائر. قياداته لا تخفي ذلك، بل تنتقده وتطالب علنا بتجميده؛ لذلك نقول إن فالس نفسه مستهدف من حملات الإعلام الفرنسي. ثم إن زيارة فالس و"مشاريعه الثقيلة" التي حملها أزعجت الكثيرين في المنطقة؛ لأنها قد تقلب موازين جيواستراتيجية مألوفة فوّتت على الجزائر فرصا كثيرة في التموقع الاقتصادي والاستثماري. ولا ننسى أن زيارة الوزير الأول الفرنسي تأتي أيضا عشية تقرير المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية وكذا الأمين العام نفسه، الذي يعتزم تقديم تقرير أسود عن حقوق الإنسان ومعاناة الصحراويين تحت الاحتلال. وترجح العديد من المصادر أن يسفر اجتماع مجلس الأمن الدولي هذه المرة، عن مستجدات على الأقل إذا لم يتوصل إلى قرارات ملزمة بتواريخ وجداول تنفيذية، طبعا هذا أيضا ليس بمعزل عن حملات وسائل الإعلام الفرنسية.