سنحتفظ بالصوت والصورة .. ومواقفك

العربي ونوغي العربي ونوغي

رحل أمس أحد كبار الصحافيين العرب، محمد حسنين هيكل، قلم يؤرخ لمراحل من الصحافة، لكن أيضا لمراحل من الحكم في مصر وللسياسة. حياة هيكل الإعلامية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسية وما بينها.  

أولها: مرحلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المتميزة بالشعارات الثورية والعروبة والزعامة والقومية والاشتراكية وقضايا الشعوب التواقة إلى التحرر والاستقلال. كتابات هيكل في هذه المرحلة كانت لا تختلف عن صحافة الحزب الواحد في بلادنا. أي الموالاة والدعاية (وليس مهما التأكد إن كانت قناعة وانسياقا أم من باب أسلم تسلم. أولا سباحة عكس التيار).  لذلك أعطاها الصحفي الراحل وصفا على أنها مرحلة "الجاهلية الأولى للصحافة". وقال إن لها مبرراتها ودوافعها وحتى ضغوطها. ومع ذلك هناك ما يقبل منها وما لا يقبل كما جاء في تصريح أدلى به قبل أربع سنوات إلى صحيفة خليجية. 

المرحلة الثانية: هي ما وصفها بمرحلة الممانعة والترويض، وهي ما بعد عبد الناصر، أي مرحلة التطبيع التي قادها الرئيس الراحل أنور السادات، ووصفها هيكل بأنها أصعب مرحلة كانت في حياته الصحفية، ليست لكونها تعد "انقلابا أبيض" في التوجه والمواقف فحسب، ولكن بسبب "فجائيتها" كما صرح لصحيفة بريطانية، إذ لم يتم التحضير لها فكريا وإعلاميا وحتى سياسيا. وذكر أن أنور السادات باغت خصومه ومن اختلف معه بأسلوب يشبه "العلاج بالصدمة".

ويقول هيكل إنه شخصيا تفاجأ بسرعة التطبيع، وعاش صدمته طويلا. 

المرحلة الثالثة: هي مرحلة ما بعد السادات، هي مرحلة مبارك ومرسي. لأن مرحلة السيسي لم يعايشها هيكل صحيا، حيث لم يسعفه المرض الذي طوّقه. 

يقول هيكل إن ما بعد السادات هي مرحلة ليس لها وصف بذاته، ليس لها طعم أو شكل أو لون سياسي، هي تشبه مناخ فصل خريف متقلب، ليس جافا وليس ممطرا، فصل يحتاج فيه كل مصري إلى حمل مظلة، فقد تباغته الغيوم كل لحظة، ولكن هي مرحلة "أكل عيش" ـ كما قال ـ يعني لا مجال فيها للسياسة أوللقراءة.

وقال أيضا بشأن هذه المرحلة: "إنها الأصعب في عمره الصحافي، لأنه لم يعد يدري هل بقي في الساحة المصرية من يقرأ له؟!. وإذا بقي منهم أحد، فهل من باب الوفاء والألفة والمعاشرة، أم من باب الإطلاع على رأي مخالف". ولم يخف هيكل أنه استجاب إلى دعوات عديد البرامج والفضائيات من باب الخروج من انقباض نفسي إلى حد الأزمة التي لازمته طويلا، وليس لسبب أو دافع آخر. 

أي أن تلك الاستضافات أصبحت متنفسا للراحل الكبير. وكانت جملته الشهيرة لقناة خليجية: "لم يعد هناك وقت للكتابة والقراءة. أريد أن يحتفظوا بصوتي وصورتي فقط... لأنني توقفت عن الكتابة لما رأيت الناس يريدون أن نكتب لهم ما يريدون وليس ما يجب كتابته". نعم يا هيكل، هم يريدون أن نكتب لهم ما يحبون سماعه وليس ما رأينا أو نريد كتابته.