المرأة الحديدية تحاصر بقايا "الريع التربوي"

السيدة بن غبريط مصممة على خوض إصلاحاتها دون توقف. عزيمة من حديد لاستدراك وتصويب، بل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما أرتكب في سنوات من تراكم الأخطاء المغلفة بـ«السياسة" و«الشعبوية" للمنظومة التربوية.
هناك شبه إجماع حول تقييم المدرسة الجزائرية في مختلف أطوارها، فلا أحد تقريبا يجيبك بالرضا، وفي أفضل الحالات، يخفف الحكم بمعسول الكلام على أن فيها أشياء تحققت. بالتأكيد إن هناك إيجابيات كثيرة تحققت حتى لا نبخس حقوق الذين كدوا وتعبوا وواجهوا الصعوبات ومتاعب تسيير "فوقي" يكاد يستفرد بالقرارات ولم يشرك الفاعلين الحقيقيين، سواء كانوا الإطارات أوالنقابات. ولا أحد بإمكانه أن لا يشهد كيف كانت تتم المسابقات والترقيات والتوظيف وحتى تضخيم العلامات والكشوف والتعيينات ... ؟!، لذلك تواجه السيدة بن غبريط متاعب كبيرة من الذين "يضرهم" التغيير وإرجاع الأمور إلى طبيعتها. صعب أن تغير المألوف ولو كان خاطئا. والأصعب هو تغيير الذهنيات والسلوكات العوجاء. المستفيدون من "الريع التربوي" ومن الوضع السابق (وعلى مختلف المستويات) تخيفهم براغماتية الوزيرة الحالية. ثمة أيضا من لا تعجبهم الشفافية في التسيير، لأن الشفافية تؤلم الذين ألفوا الظلام أو منطق التحرك خلف الستار وقرارات الأبواب الموصدة.
منطق غريب أن يضرب البعض ويحتج في الشوارع مطالبا "بامتياز" التوظيف مباشرة دون إجراء مسابقة؟! . بطبيعة الحال هم تعودوا على ذلك من قبل. لو طالبوا بشفافية المسابقة وبصرامة التنقيط والتصحيح كان يقبل منهم ذلك. ولا أحد بإمكانه أن ينتقد مطلبهم وموقفهم واحتجاجاتهم في هذه الحالة. أما أن يحتج هؤلاء ضد قرار يساوي بين الجميع ويعطي الفرصة للجميع على قدم المساواة، فهذا هو جوهر إصلاحات بن غبريط. يجب إخراج المدرسة الجزائرية من قبضة الذين عاثوا فيها فسادا سنوات طويلة وحولوها إلى ما يشبه الجمعيات الخيرية. والأمر بطبيعة الحال لا يتوقف على المدرسة والمنظومة التربوية. كثير من المؤسسات العمومية تحتاج إلى "بن غبريط" وأمثالها لإخراجها من شرنقة عقلية التسيير المطبقة في "أسواق الفلاح" سابقا.
هذه المرأة الحديدية دعت نواب المجلس الشعبي الوطني إلى جلسة مفتوحة في الأسبوع الأول من أفريل القادم، تطلب منهم مناقشة إصلاحاتها لأنها تريد وضع حد لمنطق التغليط الذي يبثه بعض الذين أدركوا أن ساعتهم قربت ولا مكان لهم مستقبلا إذا انقشع الغبار وبدأت الإصلاحات تأخذ طريقها إلى تكريس النوعية والكفاءة. بالتأكيد المشوار طويل ويحتاج إلى جهد ودعم والتفاف الجميع. لكن يبدو أن إرادة بن غبريط مع شركائها طبعا، وجدت الطريق المؤدية إلى تغيير الوضع القائم، في الوقت الحالي هي ترسي لبنات تسيير تشاركي شفاف لإنجاح "ثورتها التربوية".