المجاهد محمد صدوق المدعو "سي محمد"
200 شهادة حفظت الذاكرة الثورية من النسيان
- 395
رشيدة بلال
يعود الحديث في كلّ مناسبة احتفالية بإحدى المحطات التاريخية إلى أهمية كتابة التاريخ وتدوين شهادات المجاهدين، حتى تبقى الذاكرة الوطنية حية لا تموت، ويتمكّن جيل الاستقلال من الاطّلاع على تضحيات أجداده في سبيل أن تنعم الجزائر بالحرية والسيادة. في هذا السياق، التقت "المساء"، بأحد مجاهدي مدينة العفرون الثورية، الذي كان له فضل كبير في تدوين أكثر من 200 شهادة حية لمجاهدي المنطقة، حفاظًا على ذاكرة المدينة الثورية.
يقول المجاهد محمد صدوق، المعروف في صفوف الولاية الرابعة التاريخية المنطقة الثانية الناحية الثالثة باسم "سي محمد"، في معرض حديثه لـ "المساء"، إنّه رغم تقدمّه في السن إلاّ أنّه لا يتوانى أبدًا عن المشاركة في كلّ المحطات التاريخية التي تُحيى عبر ربوع الوطن، ليقدّم ما يعرفه من معالم وأحداث عاشتها مدينة العفرون، خلال الثورة التحريرية، حتى تبقى الذاكرة حية ويطلع أبناء المنطقة على ثورات المجاهدين من أجدادهم وعلى أهم المحطات التي صنعت تاريخهم.
أضاف المجاهد أنّ الثورة مرّت بعدة مراحل، من بينها الفترة الممتدة بين 1958 و1962، وهي مرحلة اعتلاء الجنرال ديغول الحكم في الجمهورية الفرنسية الخامسة، وهي من أصعب الفترات التاريخية، لما اتّسمت به من مواقف استعمارية خطيرة كادت أن تقضي على الثورة الجزائرية. وأشار إلى أنّ ديغول، انتهج جملة من السياسات الماكرة، من بينها وقف تنفيذ أحكام الإعدام، وطرح مشروع قسنطينة الذي ركّز على بناء المدارس والقرى ورفع أجور العمال، وهي إجراءات هدفت إلى كسب عقول بعض الضعفاء وإضعاف روح المقاومة في نفوس الشعب، فضلاً عن الحملة الدعائية الفرنسية الواسعة التي روّجت لفكرة أنّ الثورة في واد والشعب في واد آخر، وهي سياسة موجّهة لتشويه صورة المجاهدين وإضعاف الالتفاف الشعبي حولهم.
بعد تلك المرحلة المفصلية الصعبة، جاءت أحداث 11 ديسمبر 1960 التي كشفت الكثير من ألاعيب الاستعمار الفرنسي، لتتبعها انتفاضة 17 أكتوبر 1961 في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والتي رغم المجازر الرهيبة التي ارتكبت خلالها، فإنّها عجّلت بوقف القتال ومهّدت لتقرير مصير الجزائر.
من هنا، يضيف المجاهد، تظهر أهمية الاطلاع على الثورة الجزائرية من خلال تتبع أحداثها مرحلةً بمرحلة، والعمل على البحث في التاريخ الوطني وتدوينه على ألسنة المجاهدين ومن عايشوا الثورة، لفهم كل ما كان يحدث عبر مختلف مناطق الوطن. وعن سؤالنا حول كيفية قيامه بتدوين التاريخ خلال المرحلة الصعبة التي عاشتها الجزائر، في العشرية السوداء خلال تسعينيات القرن الماضي، أوضح المجاهد محمد صدوق أنّ فكرة التدوين تعود إلى تلك الفترة تحديدًا، حيث تم إنشاء لجنة مكوّنة من عشرة أفراد تضمّ مناضلين ومجاهدين، وكان هو الكاتب الخاص بها، وقد أوكلت إليه مهمة كتابة شهادات المجاهدين حول الأحداث الثورية التي شهدتها مدينة العفرون.
ويضيف "كنت أستمع يوميًا إلى المجاهدين وهم يسردون الأحداث التاريخية التي عاشوها والأعمال التي قاموا بها، وعند الاشتباه في بعض الوقائع أو عدم التيقّن منها كنا نبحث ونتحقّق من صحّتها، وأحيانًا نتنقل إلى الأماكن التي وقعت فيها الأحداث. كانت السرية التي طبعت الثورة التحريرية تجعل التوثيق صعبًا، لأنّ كلّ مجاهد كان مكلفًا بمهمة محدّدة لا يعلم عنها غيره، وهو ما ساهم في نجاح الثورة من جهة، وصعّب عملية التدوين من جهة أخرى خاصة وأنّ بعض المجاهدين توفوا ولم نتمكّن من أخذ شهاداتهم".
وأشار المجاهد إلى أنّه رغم الصعوبات، فقد كان يدوّن كلّ ما يسمعه يدويًا في سجل خاص، حتى بلغ عدد الشهادات المدوّنة أكثر من 200 شهادة حية، جُمعت كلّها في سجل واحد وضع على مستوى قسم المجاهدين ببلدية العفرون، ليكون بمثابة الذاكرة الحية للتاريخ الثوري للمدينة. وأعرب المجاهد صدوق في ختام حديثه، عن أسفه لعدم تمكّنهم من تدوين جميع الشهادات، خاصة وأنّ العديد من المجاهدين رحلوا عن الدنيا دون أن تُوثق رواياتهم، مؤكدًا أن كل الشهادات التي تضمنها سجل مدينة العفرون صحيحة ،توثّق للأحداث الثورية التي عاشتها مدينة العفرون التاريخية الشاهدة على عظمة الثورة الجزائرية.