مدير الفضاء المسجـدي لـ"المســاء":

ننتظر من "دار القرآن" أن تكوّن "النخبة" لتأطير المشهد العلمي والحضاري

ننتظر من "دار القرآن" أن تكوّن "النخبة" لتأطير المشهد العلمي والحضاري
  • القراءات: 936
حاوره: رشيد كعبوب حاوره: رشيد كعبوب

 ❊ متفتّحون على كلّ الصروح الإسلامية وسنحيي فكرة "ملتقى الفكر الإسلامي"

 ❊ "الجامع" سيعنى بالبحوث العلمية الأكاديمية الرصينة والحوار مع الآخر

يتحدّث الأستاذ البروفيسور عماد بن عامر مدير الفضاء المسجدي بجامع الجزائر في لقاء مع "المساء" عن أهمّ مكوّنات الفضاء الذي يشرف عليه، باعتباره المرفق الذي يؤمّه المصلّون والزوّار والسيّاح المحليون والأجانب، ويكشف عن أهداف محورية لجامع الجزائر، من خلال مقاربة علمية وتخطيط محكم، تمت هندستها كي تعيد المرجعية الدينية إلى السكة، وتكوّن "النخبة" التي تؤطر المشهد العلمي والحضاري في الجزائر، وتبعث فكرة ملتقيات الفكر الإسلامي، وتحاور الآخر بعلمية وموضوعية. 

باعتبار "جامع الجزائر" مركّبا ضخما وصرحا دينيا وثقافيا وسياحيا بامتياز، وكونكم تشرفون على أهم مرفق فيه وهو الفضاء المسجدي، ماذا يقدّم وما هي الأقسام التي يحويها؟

البروفيسور بن عامر: يعدّ الفضاء المسجدي من أهم مرافق ومؤسّسات هذا المركب الديني الثقافي والحضاري، ويضمن إقامة الشعائر الدينية، حيث يتوزّع على 6 أقسام، منها قسم الأذان والصلوات، الذي يشرف عليه رئيس قسم، تحت مسؤوليته مؤذنون وأئمه يتداولون على إمامة الصلوات السرية والجهرية، بما في ذلك الصلوات الأخرى كالتراويح والعيدين وغيرهما، إلى جانب قسم الإفتاء، الذي يجيب على فتاوى الناس، سواء عن طريق استقبال المستفتين في المكتب المخصّص لذلك، أو عن طريق الهاتف ووسائل التواصل الحديثة الأخرى، فضلا عن قسم الإرشاد النسوي، الذي يتولى شؤون النساء وما يتعلّق بتعليم القرآن والفتاوى.

كما يتضمّن الفضاء المسجدي تقديم دروس مسجدية علمية وتربوية ووعظية يستفيد منها عموم الناس، و"كراسي علمية" في مختلف العلوم والفنون وتلقى فيها دروس متخصصة، دون أن ننسى قسم التعليم القرآني والإقراء، الذي يشرف عليه مدرّسون محفّظون يعلّمون الناس القرآن الكريم في مختلف المستويات العمرية.

ما هي المرافق الأخرى المدمجة في "جامع الجزائر"؟

من بين المرافق المدمجة نجد المنارة وبها مؤسّستان، أولاهما متحف العلوم الدينية وحوار الحضارات، الذي يحتوي على العديد من المخطوطات، انبهر بها رئيس الجمهورية الذي دشّن هذا الصرح ومن معه من الضيوف، كما يضمّ ألبسة تقليدية تعبّر عن موروثنا المادي، وثانيهما مركز البحث في العلوم الحضارية أو الدينية وحوار الحضارات، الذي سنعوّل عليه كثيرا، خصوصا بالتوأمة مع المدرسة العليا للقرآن "دار القرآن" الذي سيعنى بالبحوث العلمية الأكاديمية الرصينة والحوار مع الآخر، وهذا من أهم الرسائل التي ستنبعث من "جامع الجزائر".

أما المركز الثقافي فهو مركز إشعاع به قاعة محاضرات تتّسع لـ1400 مقعد، استعملت في حفل التدشين وسيعوّل على المركز ليكون مكانا لإقامة المؤتمرات والندوات والأيام الدراسية، لكلّ من يهمّه الأمر، كما سيعول على المكتبة التي تحوي مليون عنوان وبإمكانها استقبال الهبات من مختلف الجهات الرسمية، فهي مفتوحة لطلاب "دار القرآن"، الذين سيتخرّجون بشهادة دكتوراه وينتسب إليها كلّ من تحصّل على شهادة ماستر أو مهندس وهي فريدة من نوعها، لا تشبه كلياتنا وجامعاتنا، كونها تزاوج بين العلوم الإسلامية والعلوم التجريبية الكونية، حيث تضم 11 تخصّصا منها "صناعة الفتوى"، "الصيرفة الإسلامية"، "الهندسة والعمران"، "علم النفس" و"تاريخ الرياضيات".. وغيرها.

 ما هو الهدف المنشود من الجمع بين العلوم الإسلامية والعلوم التجريبية الكونية وربط العلاقة بينها؟

كل هذه التخصّصات إنّما تدلّ على أنّ العلوم والفنون يتعلّق بعضها ببعض أو كما يعرف حديثا بـ"العلائقية بين العلوم"، أي هناك جسور بين علم وآخر، فالإنسان الذي يتخصّص في علم واحد أو فن فريد ولا يطّلع على العلوم الأخرى، إذا أخرجته من فنه أو علمه لا يستطيع أن يتكلّم، وهذا ما كان عليه أسلافنا وعلماؤنا الذين كانوا عباقرة وموسوعيين، فنجد العالم الفقيه الطبيب الفلكي وما إلى ذلك.

بالتالي فإنّ فكرة وفلسفة "دار القرآن" أن ننبئ الناس بأنّ كلّ العلوم منطلقة من القرآن الكريم، والمتصفّح لآيات الذكر الحكيم من أوّله إلى آخره يجد إشارات إلى علم الطب، الفلك، البحار، البيولوجيا الجيولوجيا وغيرها، وهو ما فتح آفاق ما يسمى بـ"الإعجاز العلمي في القرآن الكريم".

فنريد من "دار القرآن" أن تظهر للناس أنّ كلّ العلوم تقود إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، فعندما تكلّم الله عزّ وجلّ في سورة "فاطر" عن الآيات الكونية قائلا (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" ثم يقول "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.." أي بعدما ذكر الله عز وجلّ علوما كونية أردفها بخشيه العلماء، أي أنّ العلم النافع أيّاً كان هذا العلم، فإنّه يقود إلى الله سبحانه وتعالى.

 هل هناك توأمة بين الفضاء المسجدي و"دار القران" وفيمَ تتمثّل؟

من أهم وظائف وأهداف هذا المجمع والصرح العلمي التوأمة بين مؤسّساته ومن أهمّها التوأمة بين المدرسة القرآنية والفضاء المسجدي، فالطلبة المنتسبون للمدرسة ملزمون بمقتضى القانون الداخلي بأن يحفظوا القرآن الكريم كاملاً، من خلال الالتزام بحلقات قرآنية يرأسها مُعلّم أو محفِّظ للقران والطالب ملزم باستظهار القرآن كلّه، قبل مناقشه مذكرة الدكتوراه، وسنفرح إن شاء الله بأوّل باكورة بعد ثلاث سنوات.

ماذا عن خصوصية صلاة الجمعة والتراويح في رمضان؟

الناس تتلهف لإقامة صلاة الجمعة بهذا الجامع، ففي هذا اليوم نقرأ الحزب الراتب على شاكلته كلّ الأيام قبل صلاتي الظهر والعصر أو قراءة فردية من طرف قرّاء، ثم يقام درس الجمعة وهو من أهم موروثاتنا في الجزائر، وبعدها تكون خطبة الجمعة، بمعنى أنّ ضيوف الرحمن يقضون في المسجد أوقاتا وبرنامجا متنوّعا بين تلاوة القرآن ودروس وعظية وخطبة وصلاة.

أما في شهر رمضان فسيكون البرنامج مركَّزاً لأنّ الجامع أصبح قِبلة لكلّ الكفاءات، التي ربّما تفرّقت في مساجد القطر، لنجمعها في "جامع الجزائرط، حيث سيقدّم درس خفيف لمدة 20 دقيقه أو الاستماع لتلاوة فردية، ثم تقام صلاة العشاء ثم التراويح، التي سنعود من خلالها إلى سيرتنا الأولى بقراءة حزبين كلّ ليلة، من أجل أن نختم القرآن في رمضان، يتداول على القراءة ستة أو سبعة قرّاء مشهورين.

 كيف ترون آفاق المجمع؟

آفاق "جامع الجزائر" واعدة، فنحن نأمل أن نعيد المرجعية الدينية الوطنية إلى السكة، والأمر يحتاج إلى تضافر الجهود، سواء من الناحية الفقهية أو العقدية أو السلوكية، وأن يكون الجامع جامعاً للجزائريين، كما أنّنا نعوّل على "دار القران" لتخرّج لنا منظرين، وتكون لنا "النخبة" التي تؤطر لنا المشهد العلمي والحضاري في الجزائر، علما أنّ "جامع الجزائر" متفتّح على كلّ المعاهد والجامعات والصروح الإسلامية كالأزهر الشريف، جامع الزيتونة والحرمين الشريفين، وستكون هناك توأمة في المستقبل مع هذه الصروح، فضلا عن تنظيم ملتقيات فكرية لإحياء فكرة "ملتقى الفكر الإسلامي" الذي كان يهندسه العلاّمة المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، والمختصر سيكون "جامع الجزائر" صرحا إنسانيا يتفتّح على كلّ الحضارات ويحاور الآخر بعلمية وموضوعية.