استحضار ملاحم الأجـداد ومواصلة مـسيرة العصرنة والـبناء
من جيش التحرير إلى كسب معركة الحروب الهجينة
- 313
زين الدين زديغة
❊ مواصلة مسيرة الدفاع عن سيادة الجزائر وصدّ محاولات استهدافها
❊إرساء قاعدة صناعية متينة والحفاظ على الجاهزية التامة للقوات المسلحة
يشكل إحياء الذكرى الـ71 لاندلاع الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر 1954 فرصة لاستذكار بطولات جيش التحرير الوطني الذي كتب ملحمة الاستقلال ضد أعتى القوى الاستعمارية آنذاك، ورسخ قيم التضحية والوحدة والتلاحم التي صارت مرجعا لمنتسبي المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش الوطني الشعبي وكذا لدى الشعب الجزائري.
يأتي الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة أول نوفمبر هذه السنة في سياق وطني يتسم بمواصلة جهود الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني مسيرة البناء وأداء مهامه منذ الاستقلال دفاعا عن الجزائر وأمنها وحدودها وصد محاولات استهدافها، في ظل وضع جيو-سياسي إقليمي ودولي متوتر ومعقد متأقلما مع التطورات التي طرأت في المجال العسكري، ومتمسكا بالثوابت ووفيا لرسالة الشهداء.
وفي هذا السياق، يمثل الجيش الوطني الشعبي اليوم الامتداد التاريخي للثورة ولجيش التحرير الوطني، من خلال التزامه بحماية السيادة الوطنية والحفاظ على وحدة التراب الوطني، مثبتا أنه الركيزة الأساسية في منظومة الأمن والاستقرار وسند مؤسسات الدولة وجدار الصد ضد المحاولات التي تستهدف النيل من الجزائر بسبب تاريخها ومواقفها التي ثبتت عليها خلال العقود الأخيرة، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراء الغربية وقضايا أخرى تهم الدول العربية والإفريقية.
وفي هذا الإطار، أشاد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، بالجهود التي تبذلها المؤسسة العسكرية، وثمن تضحيات واحترافية القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي في أداء مهامها السامية دفاعا عن وطننا وسيادته وحرمة ترابه، معتبرا "أن هذه الجهود ساهمت في قطع أشواط معتبرة على مسار بناء الجزائر الجديدة المنتصرة والسير بخطى ثابتة وواثقة على طريق تعزيز موجبات الارتقاء الاستراتيجي لبلادنا بكل ما يتطلبه ذلك من تفان وإخلاص وتضحية من قبل أبناء الجزائر البررة، الذين سيبقون إلى أبد الدهر أوفياء لرسالة أسلافنا الميامين".
وأشاد من ناحية أخرى، بمدى "الاحترافية التي بلغها الجيش الوطني الشعبي والمكانة الدولية التي يحظى بها"، مبرزا أن "الجيش أصبح مهاب الجانب لأنه تأقلم مع الحروب الهجينة والحروب السيبرانية ومع الذكاء الاصطناعي، وأصبح اليوم مدرسة عليا للوطنية والدفاع الشرس عن حريتنا وحرمة التراب الوطني وعن الوفاء لرسالة أول نوفمبر 1954".
وهو ما لفت إليه، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، في تصريح سابق لما قال "إن الجيش الوطني الشعبي كان ولا يزال درع الأمة، وحصنها المنيع، وسيبقى على الدوام الحافظ لعزة الوطن، والحامي لحدوده والمدافع عن سيادته والساهر على أمنه واستقراره".
وعقب استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962 لم يتوقف نضال أبناء جيش التحرير الوطني، حيث حول بوصلته صوب الحفاظ على الاستقلال وبناء الدولة الجزائرية، وشكل أفراده النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي الذي واصل المسيرة لتنعم الجزائر بالأمن والاستقرار.
وقد تصدى الجيش الوطني الشعبي منذ السنوات الأولى للاستقلال لكل محاولات المساس بأمن الجزائر ووحدتها، وبسط الاستقرار في ربوع الوطن في ظل التحديات الأمنية والإقليمية الصعبة التي تشهدها منطقة الساحل وإفريقيا والعالم، كما انخرط أيضا في مشاريع وطنية كبرى على غرار شق الطرق وبناء الجسور، مؤكدا أن مهمته لا تقتصر فقط على الدفاع عن الوطن فقط بل تشمل التنمية، حيث يعمل على إرساء قاعدة صناعية متينة وفي ذات الوقت يحافظ على الجاهزية التامة للقوات المسلحة والعصرنة وضمان تكوين احترافي للعنصر البشري.
النهوض بالصناعة العسكرية كخيار استراتيجي
ووضع الجيش الوطني الشعبي ترقية الصناعات العسكرية بمثابة خيار استراتيجي لا يقل أهمية عن مسعى بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع للدفاع عن سيادة الجزائر، وقد حقق الجيش الوطني الشعبي في إطار مساعيه للتحكم في هذا النوع من المجالات وتوفير المعدات التي يحتاجها، إنجازات معتبرة وهو يعمل على اكتساب التكنولوجيا والخبرة لضمان تجديد وتحديث العتاد العسكري وعصرنته وتوفير مستلزماته، دون اغفال جانب التكوين العلمي والتقني للإطارات والمستخدمين.
نتائج نوعية وتحضير قتالي وتحديث وعصرنة
ولا يسعنا ونحن نحتفل بالذكرى الـ71 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر إلا التذكير بالنتائج النوعية التي حققها الجيش الوطني الشعبي في حماية الحدود ومحاربة الإرهاب ومكافحة مختلف أشكال الجريمة المنظمة، في ظل الوضع الجيو-سياسي الإقليمي والدولي المتوتر، بما يعكس التحضير القتالي الجيد والتحديث والعصرنة والتطور الذي أحرزه والأشواط التي قطعها في سبيل أداء مهامه، والاعتماد على مورد بشري كفء، في ظل الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية، لهذه المؤسسة، كما نذكر أيضا تسجيل المؤسسة العسكرية لبصمتها في كل الأحداث السياسية الكبرى التي مرت بها البلاد.
دور إنساني لافت ودعم رابطة "جيش - أمة"
وهذا دون نسيان دور الجيش الوطني الشعبي الذي يجسد روح نوفمبر في هذا المجال، وخاصة أثناء الكوارث والتقلبات الجوية والحرائق والزلازل، حيث كان في مد يد العون وإنقاذ المواطنين، بما يزيد في تعزيز رابطة "جيش-أمة". حيث أشار الرئيس تبون، في إحدى مقابلاته الإعلامية، إلى أن منبت الجيش الوطني الشعبي ومكانته لدى الشعب معروفة، وأوضح "أن الامتداد التاريخي والشعبي للجيش الوطني الشعبي، دائما ما كان السمة التي تميزه عن باقي الجيوش، وأن الشعب الجزائري، أثبت مدى إدراكه لقيمة جيشه، ففي أحلك الظروف وأكثر المواقف صعوبة، لم يفوت أدنى فرصة للاحتفاء به والتأكيد على الرابطة التي تجمعهم".
وهو ما أكد عليه أيضا، الفريق أول السعيد شنقريحة عندما قال إن جيشنا الوطني المنبت، الشعبي الجذور، الذي يعمل في ظل توجيهات رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، يدرك تمام الإدراك حجم التحديات التي يجب رفعها، والرهانات التي يتعين كسبها، في ظل التطورات المستجدة الحاصلة في محيطنا الإقليمي والدولي، ويعي جيدا انعكاساتها على أمن واستقرار بلادنا.
ترقية قدرات الدفاع السيبراني واستعداد لحروب الجيل الخامس
يولي الجيش الوطني الشعبي اهتماما كبيرا لتطوير قدراته في مواجهة التهديدات السيبرانية التي تستهدف الجزائر ومؤسساتها خاصة وأن التنمية المنشودة مرتبطة بترشيد الحكامة، وكذلك الأمر بالنسبة لحروب الجيل الخامس، حيث يولي أيضا أهمية كبيرة للاستشراف في سياق جيو-سياسي دولي وإقليمي متوتر ومعقد وخطر.